رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما الواقع وتكاليف الإصلاح

تنتابني حالة من الضيق والملل من بدايات الكتابات النقدية التي تتناول بالعرض عمل فني أو حالة أو ظاهرة فنية بشكل عام أو عمل درامي بشكل خاص، فيشرع الكاتب أو المتحدث مستهلًا حديثه بعبارة وكأنها من المأثورات الخالدة : " الفن أو الفنون بشكل عام هي في النهاية انعكاس للواقع"، إلى حد إجماع مجموعة من الكتاب والنقاد والمخرجين والممثلين من أجيال مختلفة على الجزم بمصداقية تلك المقولة عبر ريبورتاج صحفي موسع عند سؤالهم مؤخرًا عن حال الدراما المصرية !!
ولم يسال أحدهم أو حتى الصحفي ذاته الذي أجرى الحوار : كيف يتم الاكتفاء بتعريف الدراما ــ على سبيل المثال ـ أنها انعكاس للواقع ، فأي فضل وأي إبداع قدمه فنان العصر إذا كانت الصنعة باتت مجرد محاكاة !!
وعليه ، بات يُمنع  على الكاتب حق الإبداع في تشكيل واقع مُبالغ في جماله أو قبحه أو عبثية تكوينه أو لأي غرض درامي إبداعي يخص لغته الدرامية الخاصة  .. 
ونتيجة لتلك الرؤية ، كان ما تلاحظ مؤخرًا من قبل البعض الغاضب والرافض لإعمال رؤية مغايرة ، عندما وصفوا دراما فيلم فاز بجوائز عالمية بأنه عمل أساء لسمعة مصر لأن العمل لم ينقل الواقع على شريطه السينمائي بالصورة المتفق عليها بين أهل المشاهدة التقليدية ، رغم أن الفيلم حتى لو تميز بقدر من المبالغة  فهي مقصودة ، وكان مبدعه يرى أنه  لو قدم العكس فإنه  لن يخدم مضمون الدراما من حيث الشكل أو المضمون ، ولن يصب العمل في النهاية في صالح تشكيل واقع ورؤية قرر صاحبه ألا ينقل الواقع أو يعكسه ، لأنه ببساطة مُبدع مختلف ..
وفي تاريخ الصورة المرئية ، كنا نشهد بمدى تأثيرها  في إبداع أفكار التغيير في لا وعي المشاهد، فعلى سبيل المثال ، نتابع أن الأزياء التي يظهر بها النجوم علي شاشتي السينما والتليفزيون، تصبح موضة لدي الشباب كمظهر جديد للواقع ، بغض النظر عن مدى مناسبتها أو لياقتها للون و الجسد وواقع حياتهم  ، وعندما نقلت السينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات نمط البيت الأمريكي من الأفلام الغربية، بما فيها وجود       " بار" بكل شقة، تحولت الكثير من بيوتنا في تلك الفترة إلي بيوت أمريكية وأوروبية مظهريًا ، بركن ما منها بار صغير، نضع فيه الكؤوس فارغة دونما استخدام، لكنها صارت مظهرًا ونمطًا سلوكيًا لدينا من نمط سلوكنا يشكل مظاهر واقع جديد حتى لو كان غريبًا ..
ويبقى السؤال : هل كانت الدراما الجيدة البناء ورائعة الأهداف فيما تقدمه من واقع إنساني محفز للتقدم بكل قيمه يتبعها ذلك الأثر وتلك الانطباعات السابق الحديث عنها ؟ ..ولتكن دراما " بوابة الحلواني" الرائعة  للكاتب العظيم " محفوظ عبد الرحمن " كمثال ، وهي التي تم إبداعها عبر قراءة عصرية للتاريخ ، فكانت بحق محفزة لشبابنا لإعادة قراءة تاريخنا وبداية لظهور كتابات " المؤرخون الجدد " ..
إنها الدراما المثال عندما تتعامل مع التاريخ ومع كل مظاهر الواقع ومعطياته ، كاتب مثقف مستنير قادر على قراءة الواقع متصديًا بوطنية وواقعية للسلبيات ، والمنطلق بقوة لإيقاظ مجتمعه من الغفلة ، كي يعيد للشخصية المصرية سماتها الإيجابية المتفاعلة اليقظة ، لإعانتها ودعمها على مواجهة التحديات ، وتفعيل " روح أكتوبر " العظيمة ، وبوجدان المصري المنتصر على حرامية الهوية في 30يونيو قبل أن يعيشها ..
نعم ، إنها دراما مابعد انتصار 30 يونيو التي حدثنا عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر مداخلته التليفزيونية  التي أراها إضاءات تنويرية هامة مع الكاتب الشاب المبدع "عبد الرحيم كمال" ، والتي استهلها معقبًا على ماجاء على لسان الكاتب الضيف "الحوار ممتع، ويدعوني أن أشكرك على الكلام الرائع والشخصية الرائعة التي تتحدث بشكل يعكس الفكر الثقافي والرقي"  ، ثم في رسالة للكاتب ولكل كتابنا من أهل التنوير "جهز اللي أنت عايزه وأنا معاك، الدولة تأخد سنوات للتغلب على تحدياتها، كلامك عن تجديد الخطاب الديني لفت انتباهي، أنا داعم لك في أي عمل على مستوى الدولة، إذا كان الربح سيكون عائق أنا معاك، ومع تقديم الدعم الكامل    للإبداع "
وتابع الرئيس السيسي : "بطلب منك تعمل عمل تحشد فيه كل الموهبة والفن وتجهزه وتشوف كمان زمايلك، الموهبون بيعرفوا بعض، قضيتنا قضية الوعي، هدفنا تحصين أبنائنا وشبابنا".وأكمل: "تكلفة الإصلاح هائلة ويدفعها المصلح ولا يمكن أن يكون محل رضا من الآخرين".