رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأيادي الصغيرة الشقيانة».. حكايات الصغار العاملون من داخل جمعية تنمية ورعاية الطفل في الفيوم (صور)

عمل الأطفال
عمل الأطفال

في الوقت الذي نجد فيه الآباء والأمهات يبذلون قصارى جهدهم لتوفير معيشة جيدة لأبنائهم، وتوفير سبل ووسائل الرعاية والترفيه لهم، نجد في عالم موازي أن هناك أطفال لا تعرف شيئًا عن الحياة سوى “الشقاء والتعب”.

أطفال تستيقظ من نومها كل صباح للسعي وراء لقمة العيش على غرار "الكبار"، يومهم مليء بالتعب وبذل الجهد ليس من أجل الرفاهية واللعب، ولكن للحصول على قوت يومهم والمساهمة في إضافة دخل لأسرهم.

العمل الدولية: 160 مليون طفل عامل حول العالم

وتعد ظاهرة عمل الأطفال من الظواهر التي تؤثر بشكل سلبي على الأطفال، والتي بدورها تؤثر على المجتمع ككل، ووفقًا لإحصاءات منظمة العمل الدولية، فإن عدد الأطفال العاملين يقدر بنحو 160 مليون طفل على مستوى العالم، منهم نحو 79 مليون طفل يعملون في أعمال خطرة.

جمعيات رعاية أطفال الشوارع

جولة في جمعية تنمية ورعاية الطفل العامل بالفيوم

وفي قرية ترسا بمحافظة الفيوم، كان لـ"الدستور" جولة داخل جمعية تنمية ورعاية الطفل العامل، إحدى الجمعيات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، حيث التقت خلالها بالأطفال العاملين من مختلف أعمارهم، ووظائفهم، وقاموا برواية قصصهم وظروفهم المعيشية.

بدر: «نفسي أتعلم زي أصحابي .. وأبويا بيقولي مفيش فلوس»

"بدر"، طالب في الصف الأول الإعدادي، يعمل في وظيفتين لمساعدة والده في مصاريف المنزل، حيث لديه أخوان صغيران في السن.

يعمل "بدر" من الصباح الباكر وحتى العصر في أحد مصانع الطوب، بيومية تصل لـ30 جنيهًا، ثم يذهب بعد ذلك للعمل في أحد مقاهي المنطقة التي يعيش فيها حتى وقت متأخر من الليل، ليذهب بعدها للمنزل ليستريح وينام ساعات قليلة تساعده على الاستيقاظ مبكرا لمواصلة مسيرة عمله اليومية.

يرغب "بدر" كمثله من الأطفال في الذهاب للمدرسة، ولكن والده يقصر ذهابه للمدرسة على أيام الامتحانات فقط قائلًا له:"مفيش فلوس للمدرسة، وإحنا محتاجين اليومية بتاعتك، خليك في الشغل وأبقى روح الامتحانات بس".

"أ.د": نفسي لما أكبر أبقى مهندس وأمي تتباهى بيا قدام الناس

"أ.د"، طالب في الصف الثالث الإعدادي، يعمل في تعبئة الحلوى بأحد المصانع، يحصل من خلالها على يومية تتراوح بين 40 إلى 50 جنيهًا، يقوم بصرفها كاملة على احتياجات المنزل، حيث يعتبر هو العائل الوحيد لأسرته المكونة من والدته فقط، بعد وفاة والده.

وكغيره من الأطفال لديه أحلام وطموحات يرغب في تحقيقها رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها، حيث يأمل أن يصبح مهندس ميكانيكي في الكبر، تتباهى به والدته أمام الناس.

"هـ.س": باخد يومية 30 جنيه.. وبشتغل من 6 الصبح 

"هـ.س" طفلة في العاشرة من عمرها، طالبة في الصف الخامس الإبتدائي، تستيقظ من نومها في السادسة صباحًا، من أجل الذهاب إلى عملها في أحد مصانع الحلوى، حيث تقوم بتغليف وتعبئة الشيكولاتة داخل كراتين، وحمل تلك الكراتين حتى عربيات النقل أمام المصنع، لتحصل في نهاية يومها على يومية قدرها 30 جنيهًا، تقوم بإعطائها كاملة لوالدتها لشراء احتياجات البيت.

وسرعان ما تذهب إلى منزلها لمساعدة والدتها في أعمال المنزل، بينما تظفر بساعات قليلة في الليل لمشاهدة التلفاز قبل النوم مبكرًا حتى تتمكن من الذهاب إلى عملها في الصباح.

أطفال داخل الجمعية

"م.أ": نفسي لما أكبر أطلع صحفية.. بس معنديش وقت أذاكر

أما الطفلة "م.أ"، الطالبة بالصف السادس الإبتدائي، قالت: "أنا بروح المصنع كل يوم من الصبح لحد العصر، بحط الحلوى داخل علب بلاستيك"، مشيرة إلى أنها تتمنى أن تصبح صحفية ولكنها لا تستطيع المذاكرة، خاصة أنها تعود إلى منزلها بعد يوم عمل مرهق غير قادرة على فعل أي شئ سوى النوم.

"م.أ" لديها شقيقان، يعمل أحدهما مع والدها في مصنع الطوب، أما الآخر فمازال صغيرًا ترعاه والدته.

كريم: أقوم بحمل الطوب على سيارات النقل.. وأختي لا تذهب للمدرسة 

"كريم" طالب في الصف الرابع الإبتدائي، يعمل بأحد مصانع الطوب، حيث يقوم بحمل الطوب من داخل المصنع، ووضعه بسيارات النقل، ثم نقله مرة أخرى من السيارات، إلى مخازن الزبائن.

يحصل "كريم" على يومية تتراوح من 25 و40 جنيهًا، وذلك ليساعد بها والده في مصاريف المنزل، حيث يعمل والده أيضا في أحد مصانع الطوب، ولديه أخت واحدة لا تعمل، وتساعد والدتها فقط في أعمال المنزل دون الذهاب للمدرسة لقلة الدخل المادي للأسرة.

يشير الطفل، إلى أنه حين يتعرض للضرب من رئيسه في العمل نتيجة أي خطأ يرتكبه في الشغل، يقوم بإبلاغ صاحب المصنع، والذي يقوم بدوره بتوبيخ رئيسه في العمل، وحثه على عدم مد يده على أي طفل يعمل بالمصنع.

أطفال داخل الجمعية

مدير الجمعية: ساعدنا بعض الأسر في تنفيذ مشروعات لإعفاء أطفالهم من العمل

 "الدستور" التقت بـ"عيد سيد، مدير جمعية تنمية ورعاية الطفل العامل بالفيوم"، حيث أوضح أن الجمعية تم إنشائها منذ عام 1966، وهي تابعة لمديرية الشئون الاجتماعية، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.

وأضاف أن مبنى الجمعية تم بناءه من تبرعات رجال الأعمال داخل القرية، لتقديم سبل الحماية والرعاية الصحية والاجتماعية والترفيهية للأطفال العاملين داخل مصانع وشركات القرية.

وأشار مدير الجمعية، إلى أن قرية ترسا بمحافظة الفيوم لديها العديد من مصانع الطوب، يصل عددها لنحو 15 مصنعًا، والتي بالطبع تكون حقل كبير لعمل الأطفال، حيث يفضل أصحاب المصانع تشغيل الأطفال لديهم، لإنخفاض اليومية التي يحصلون عليها مقارنة بالشباب والرجال الكبار في السن.

وأضاف أنهم قاموا بعقد عدة اجتماعات داخل الجمعية مع أصحاب تلك المصانع، لحثهم على التعامل بلطف مع الأطفال، وعدم تعنيفهم أو ضربهم، وإعفائهم من بعض المهام الصعبة التي كان يعمل بها بعض الأطفال، وتكليفهم بمهام أقل تتناسب مع أعمارهم.

وأشار عيد إلى أن أهم نجحوا في إقناع أصحاب المصانع بإعطاء هؤلاء الأطفال راحة لدقائق يتناولون خلالها وجبة الإفطار، كما تم إقناعهم بإعطائهم راحات أسبوعية يقومون خلالها بالتجمع داخل الجمعية، ويمارسون فيها العديد من الأنشطة الترفيهية مثل كرة القدم، وتنس، وطاولة، والرسم، وتريكو، والتطريز، وغيرها من الأنشطة التي يحتاج الطفل لها للخروج من جو العمل وتجديد الروح والنشاط لديهم.

وأضاف، أن الجمعية نجحت في مساعدة بعض الأسر في عمل مشروعات صغيرة لهم تدر لهم دخلا، يمكن من خلاله الصرف على المنزل، وإعفاء أطفالهم من العمل، حيث قاموا بإعطاء بعض الأسر ماكينات خياطة بقروض ميسرة، كما قاموا بعمل مشروعات أغذية مثل بيع الفول لأسر أخرى.

وقال إن الجمعية تنجح سنويًا في إقناع 30% من أسر الأطفال العاملين على تنفيذ مشروعات خاصة بهم، وإعفاء أبنائهم من العمل، مشيرا أن المركز يتردد عليه نحو 60 طفل ذو أعمار مختلفة أقل من 18 سنة، حيث يتم تكريم الطفل الذي يتعدى الـ18 عام، ومتابعته بعد ذلك، ولكن دون حصوله على الخدمات التي تقدمها الجمعية، حيث تقدم الجمعية إلى جانب نشاطاتها المختلفة، خدمات صحية في جميع الحالات، فلديها عدد من العيادات المتخصصة، كما أنها تساهم ماديا في إجراء أي عمليات قد يحتاجها الطفل.

وأضاف مدير الجمعية، أن كل طفل لديه استمارة منذ التحاقه بالجمعية حتى بلوغه سن الـ18  عام، تحتوي تلك الاستمارة على كافة بياناته وبيانات أسرته وحالته الاجتماعية والصحية.

وأشار مدير الجمعية، أن تمويل الجمعية يقوم على التبرعات والمنح من رجال الأعمال، والجمعيات الخيرية الكبرى.

الجمعية

موقف حكومي ضد عمل الأطفال

مصر كانت من الدول التي حرصت على اتخاذ مواقف صارمة ضد عمل الأطفال، حيث صدقت على الاتفاقيات الدولية التي تتناول عمل الأطفال، ومن بينها الاتفاقية الدولية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 129 لسنة 1969 بشأن تفتيش العمل في قطاع الزراعة، والاتفاقية الدولية رقم 182 لسنة 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.

خطة قومية مع منظمة العمل الدولية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال 

مؤخرًا، وقعت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة القوى العاملة، مذكرة تفاهم مع منظمة العمل الدولية، لتنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة، وذلك  خلال الفترة من 2018 وحتى 2025.

وأوضحت المنظمة، أن عمل الأطفال يشمل كافة أشكال العمل التي يقوم بها الطفل، التي يمكن أن تشكل عليهم خطرا، أو ضررا، سواء من الناحية العقلية أو البدنية أو الاجتماعية أو الأخلاقية.

وأشارت المنظمة، أنه من ضمن الأعمال الخطرة التي يحذر تشغيلها للأطفال، العمل داخل باطن الأرض، أو تحت المياه، أو على ارتفاعات خطرة، أو في أماكن محصورة، أو التي تستخدم فيها آلات ومعدات وأدوات خطرة، أو التي تستلزم مناولة أو نقل أحمال ثقيلة يدويا، أو الأعمال التي تزاول في بيئة غير صحية سواء على مستوى درجات الحرارة، أ الضوضاء، أو اهتزازات ضارة بصحتهم، أو العمل لساعات طويلة، أو أثناء الليل.

منظمة العمل الدولية

قوانين مصرية لمكافحة عمل الأطفال 

 

القانون المصري يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن خمسة عشر عامًا، ومع ذلك يجوز تدريبهم في سن الثالثة عشر أو الرابعة عشر من عمرهم، ولكن في أعمال تتناسب مع أعمارهم، ولا تمثل خطرًا على حياتهم.

ووفقًا للدستور، فإن الطفل هو كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، كما يحظر تشغيله قبل إتمامه سن التعليم الأساسي.

تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عام.. الإحصاء: 1.6 مليون طفل عامل في مصر 

وأشار آخر مسح قومي لعمل الأطفال في مصر، والذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والبرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال في 2010، فهناك 1.6 مليون طفل ما بين 12 إلى 17 سنة يعملون في مصر، أي ما يوازي 9.3% من الأطفال في مصر.

الجهاز المركزي للإحصاء

جهود الدولة لمواجهة عمل الأطفال

وتحاول الدولة المصرية معالجة تلك الأزمة، وذلك بتضافر جهود العديد من الهياكل الوزارية، التي من شأنها أن تغطي جوانب الحماية، والتعليم، والصحة، والتدريب المهني للأسر المصرية، حيث تمتلك مصر نحو 14 مركز لرعاية الأطفال العاملين تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في عدة محافظات، وتقدم تلك المراكز دعم للأسر، وتوعية لأصحاب العمل، وبرامج رعاية للأطفال، وأيضا توفير خدمات الرعية الصحية والنفسية لهم، وبرامج تثقيفية وترفيهية.

 

التضامن الاجتماعي: «أطفال بلا مأوى» ساعد 17 ألف طفل اجتماعيًا وصحيًا 

وقال حازم الملاح المتحدث الإعلامي لبرنامج أطفال بلا مأوى بوزارة التضامن الاجتماعي، إن البرنامج هدفه حماية الأطفال التي تتعرض لأي خطر، ونركز على الأطفال التي تتواجد في الشارع، مشيرا أنهم يقومون بالتواصل مع أسر الطفل أولا لمعرفة الأسباب التي دفعت بهم لنزول أطفالهم للشارع والعمل بأي وظيفة للحصول على المال.

حازم الملاح

وأضاف الملاح، أن فريق العمل بالبرنامج يبدأ بمحاولة استرجاع الأطفال لأسرهم ومحاولة مساعدتهم سواء ماديا وصحيا وإدماجهم مرة أخرى في التعليم، وحثهم على عدم الدفع بالأطفال للشارع مرة أخرى، موضحا أنه في حالة فشلهم في إسترجاع الطفل لأسرته يقومون بتوفير سكن لهم من خلال دور الرعاية التابعة للوزارة، وإدماجهم مرة أخرى في التعليم.

وأشار الملاح، أنهم يمتلكون فرق عمل من أخصائيين اجتماعي ونفسي ونشاط، متواجدين داخل 17 سيارة موزعة على 13 محافظة على مستوى الجمهورية حتى الآن، وموضحًا أن البرنامج استطاع حتى الآن تم تقديم خدمات صحية واجتماعية لنحو 17 ألف طفل.