رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تنظر إلى أعلى

وجود أسماء كبيرة مثل: ليوناردو دى كابريو وميريل ستريب وجينيفر لورنس على أفيش فيلم يعنى أنك ستشاهد عملًا محترمًا يليق بتاريخهم، وبعد أن تفرغ من مشاهدة «لا تنظر إلى أعلى»، أو Don’tlook up، ستشعر مثلى بالامتنان بسبب قدرة فن السينما على التعبير عما عجزت عنه أقلام الكتاب وأبحاث الاقتصاديين والسياسيين فى التعبير عما آلت إليه البشرية.

مُخرج وكاتب الفيلم آدم مكاى قال قبل عرض الفيلم: «كنا نستكشف فيلمًا جديدًا فى بوسطن عندما هجم فيروس كورونا.. فكرة الفيلم هى أن الرئيس لا يفهم العلم، وأن التحذيرات لا تجد لديه أذنًا مصغية».

الفيلم الذى عُرض على نتفيلكس، منتصف الشهر الجارى، يحكى عن عالمين من علماء الفلك «دى كابريو وجينيفر لورنس»، يكتشفان قدوم نيزك عملاق يصل طوله إلى تسعة كيلو مترات فى حجم جبل إيفرست، وأن قوته تعادل مليون قنبلة نووية كالتى ألقيت على هيروشيما، وأنه سيصدم كوكب الأرض بعد ستة أشهر و١٤ يومًا.

حاول العالمان إعلام الجهات المختصة بالكارثة المقبلة، وقابلت رئيسة الولايات المتحدة «ميريل ستريب» الأمر باستخفاف شديد، وتعامل الإعلام أيضًا مع الموضوع بسخرية، لم يتعامل المخرج مع الموضوع بجهامة وجدية، ولكنه تعامل معه باعتباره كوميديا سوداء، أو خيالًا علميًا دون إسراف فى تصوير المعدات والمركبات الفضائية كما يحدث عادة مع الأفلام التى تتناول الموضوعات الشبيهة.

الفيلم الجميل يبحث فى الصلة بين السياسة والإعلام والعلم، وكيف نجحت الرئاسة الأمريكية المتحالفة مع ممولى حملاتها الانتخابية من رجال الأعمال فى تحويل الجماهير إلى غوغاء، تستثيرها الخطابات السياسية، كما تحركها قصص الفنانين التافهة وفضائحهم، أكثر من اهتمامهم بمصيرهم، خاصة حين يتقدم التافهون صدارة الإعلام، ولا يعود أحد يصغى للعلماء، وبعد أن تأكد الخطر تتحرك أجهزة الدولة وتسعى وكالة ناسا إلى تحويل مسار النيزك بإطلاق صواريخ، يتم إلغاء العملية، لأن أحد أهم رجال الأعمال اكتشف عن طريق علمائه «الخصوصيين» الثروات العظيمة التى من الممكن الحصول عليها، لو تم استغلال جسد النيزك، وتتغير حياة العلماء خلال الشهور الستة التى تدور الأحداث فيها.

العالم أصبح نجمًا وتغويه نجمة التوك شو الشهيرة وتهجره زوجته، رفيقته فى الخطر يتخلى عنها صديقها الصحفى لأن الإعلام حولها إلى شخصية مجنونة، رئيسة الدولة مشغولة بانتخابات الكونجرس أكثر من اهتمامها بمصير البشرية، الفيلم دون رفع لافتات نخبوية قام بتعرية النخبة السياسية والاقتصادية والعلمية فى أمريكا، وذهب إلى أبعد من ذلك، ففى مشهد استدعاء الرئيسة الأمريكية لعالمى الفلك الذى لم يحدث أول مرة، كان بصحبتهما هما وممثل وكالة ناسا أحد الجنرالات، وبعد أن تم تأجيل الموعد أتى للضيوف بماء وأطعمة خفيفة وطالبهم بثمنها، واكتشفت البطلة فيما بعد أن هذه الأشياء مجانية فى البيت الأبيض، وظلت طوال الفيلم غير مصدقة ما فعله جنرال فى الجيش الأمريكى.

شارك فى الفيلم أيضًا كيت بلانشيت وروب مورغان إلى جوار عدد كبير من النجوم، مما دفع أحد الصحفيين للقول: «القول إن نصف هوليوود فى فيلم (لا تنظر إلى أعلى) نصف مبالغة»، الفيلم يسخر من آليات تفكير النظام الأمريكى وشبكة مصالحه مع الشركات العملاقة التى تموله وتتداخل معه فى شبكة فساد مخيفة، يفشل العلماء فى الضغط، ويسقط المذنب بالفعل ويتم تدمير الأرض، ولكن رئيسة الدولة وشبكة المصالح المرتبطة بوجودها، يخرجون عرايا بعد فناء الكوكب، بعد أن اختبأوا فى غواصة عملاقة، لتنقض عليهم كائنات غريبة.

فى نهاية الفيلم، «دى كابريو» البطل قبل ارتطام النيزك بالأرض مع زوجته «التى سامحته» وأولاده، وزميلته عالمة الفلك وحبيبها الجديد وممثل وكالة ناسا الطيب فى حالة سلام وهم يتناولون الطعام ويشكرون الله على نعمه، ولا يتحدثون عن نهاية العالم، المُخرج لم يبحث عن مُنقذ كما يحدث عادة فى السينما الأمريكية، ترك العالم يدفع ضريبة توحش الرأسمالية، وضيق أفق حكامه، وفى الوقت نفسه قدم تحية حقيقية للعلم والعلماء، وحذر من سيطرة شركات التواصل الاجتماعى التى ستكون نهاية العالم على أيديها.