رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الصديق الزين».. كيف بدأت «قعدة الصحاب والمزاج» بين منير ورومان بونكا؟

قعدة الصحاب بين منير
قعدة الصحاب بين منير ورومان بونكا

لم يكن رومان بونكا بالنسبة إلى محمد منير ملحنًا أو «مزيكاتيًا» عابرًا، بل كان صديقًا اختاره من بين كثيرين هجرهم، وكثيرين غضب منهم وعليهم، ليكملَ معه المشوار إلى النهاية، حتى إنهما أقاما حفلًا مشتركًا عام ٢٠١٩، وذلك بعد ٢٥ عامًا من البُعد والانقطاع. 

ورومان بونكا هو ملحن وموزع موسيقى ألمانى من مواليد ١٩٥٢، وتحوّل بمرور الوقت إلى واحد من أشهر لاعبى العود فى أوروبا. 

فى الصورة التى يرجع تاريخها إلى منتصف الثمانينيات يظهر شغف البدايات، حين كانت الأغنيات الجبارة تخرج من استديوهات صغيرة فى شارع الهرم، ويجلس العظماء على الأرض ليخرجوا قطعًا فنية مدهشة، وكانت تلك الجلسة التى يطلق عليها «قعدة الصحاب والمزاج» فى مكان أُطلق عليه «الخُنْ» استضاف كل أصدقاء منير، المغمورين قبل المشاهير، وضمَّت الطبقات المتنوعة التى اعتاد الفتى الأسمر أن يجمعَها ما بين الحرافيش والشعراء والموسيقيين الكبار. 

وجمعت «قعدة المزاج» هذه المرة محمد منير ورومان بونكا، والموسيقار فتحى سلامة، ولاعب القانون جمال لطفى بشارة، والمطربة السودانية هادية طلسم وشقيقتها، لوضع اللمسات الأخيرة على أغنية «أنا قلبى صفصافة». وكان يتداخل مع منير فى الأغنية، وتحديدًا كلمة «شمسك خدت ليلى.. غنيت وغنيلى.. ضويت قناديلى.. وبنورها عديلى وافردى شراعك حنان هفرد أنا نيلى» صوت إفريقى غامض، لا يعرفه كثيرون حتى الآن، وهى المطربة هادية طلسم، التى كانت الطرف الأبرز فى فرقة «البلابل» السودانية، التى كوّنتها مع شقيقتيها آمال وحياة، وانطلق الثلاثى من وادى حلفا النوبية شمالى السودان، حققن نجاحات كبيرة فى الأغنية النوبية حتى وصل صدى أصواتهن إلى القاهرة، فشاركن محمد منير فى ألبوم «وسط الدايرة» الذى صدر عام ١٩٨٧، وكان ذروة انتشار الغناء الإفريقى فى مصر على يد منير، ففى الألبوم نفسه، شاركت هادية فى أغنية «ووه بابا» لعملاق الفن النوبى صالح ولولى، وصدرت أغنية «حكمت لأقدار» بالتعاون مع فرقة «لرصاد» المغربية الشهيرة، التى غيّرت اسمها إلى «العشاق» فيما بعد. 

ويظلّ البطل الأهم وراء ألبوم «وسط الدايرة» هو رومان بونكا، الذى تعرف إليه من جلسات المطرب الراحل، أحمد منيب، ثم انفرد به لاحقًا، فكان فى رحلة إلى الهند وأفغانستان ما بين عامى ١٩٧٨ و١٩٧٩ يحيى حفلات موسيقية تلائم تجربته التى لم تكن منفتحة على الألحان العربية حتى زار القاهرة عام ١٩٨٢.

فى تلك الرحلة، قابل «بونكا» موسيقيين كبارًا، وبدأ التعاون مع فتحى سلامة ومنير، فساعداه فى أمور تخصّ التأشيرات والإقامة والعمل فى مصر عبر الاستديو التابع لهما فى القاهرة، وانفتح أمامه عالم آخر للموسيقى النوبية، وبدأ يبحث عن أستاذ عود ليدرسَ معه، ويدمج موسيقى الشرق الآسيوى مع الموسيقى النوبية.. وبدأت الرحلة، لكن بالموسيقى المصرية بدأت قبل ذلك بقليل.

كان رومان بونكا فى إسبانيا أوائل الثمانينيات يستمع لراديو المغرب، وسمع شخصًا يلعب العود ويغنى، فسجّل ما يغنيه على شريط كاسيت: «أحببته جدًا»، كما يقول، ثم سأل صديقًا عربيًا عن هذا الرجل، فأخبره أنه رياض السنباطى، أحد ملحنى أم كلثوم، سأل عن بلده، وعرف أنها القاهرة، وحينها قرر أن يزور مصر لدراسة العود. 

سمع موسيقى منير فى كل مكان، حين كان يغزو شوارع القاهرة بموسيقى وكلمات مختلفة، رغم صغر سنه، وبدأ يكتشفه، وقابل فتحى سلامة، الذى كان وسيطًا بينهما، ويقول، فى حوار سابق: «كانت أول مقابلة لى مع منير فى الشارع، أمام الاستديو، خمَّنت وقلت له: أنت محمد منير».. ثم بدأت «صداقة العمر» التى امتدت حتى الآن.