رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد بيان الألمان!

العلاقات بين الدول تحكمها أسس وقواعد وأصول ومبادئ، تتحقق من خلال الالتزام بتطبيقها المصالح المشتركة أو الفوائد المرجوة لهذه الدول، سواء لكل دولة على حدة أو لكافة الدول مجتمعة إذا أردنا بحديثنا التعميم، ولو تخلينا عن التعميم وقلنا إن لكل دولة أو مجموعة أو تجمع أو جماعة طبيعة وبيئة وطبائع وخصال تميزها عن غيرها، لكان بإمكاننا الإعلان وبمنتهى الوضوح عن رفضنا الكامل «كشعب» لبيان السفارة الألمانية، والذي حمل في طياته تدخلاً سافراً في شؤوننا الداخلية، وإذا تحدثنا كدولة فنحن أيضاً نرفضه بكل ما عرف عن المصريون من اعتداد بالكرامة الوطنية، واعتزاز وفخر شديدين بكل ما قدمته  الدولة المصرية للحضارة الإنسانية عبر تاريخها الطويل، بداية من عصر مينا موحد القطرين والمؤسس الأول لأول حكومة مركزية عرفها التاريخ، ووصولاً لعهد الرئيس السيسي باني مجد دولتنا الجديدة، والمؤتمن الأمين على تطبيق مبدأ سيادة القانون.

والحكومة المركزية «لمن لا يعرفها» هي الإدارة التي تطبق فيها السلطة القانونية، فلسنا إذاً في حاجة إلى مَن يعلمنا أو يوجهنا أو يرشدنا أو يلفتنا إلى الالتزام باحترام القانون وتحقيق العدالة، كوننا الآباء المؤسسين لسلطة تطبيق القانون، والرواد الأوَل لسن الدساتير والقوانين.

إن لكل دولة حقها الكامل في اختيار أنظمتها الحياتية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دونما أي تدخل من أي طرف أو جماعة أو قوى خارجية..
هذا ما قرأناه في كتب السياسيين والساسة وما تعلمناه من أساتذة الاقتصاد وعلوم السياسة، وما نصت عليه الاتفاقيات والمعاهدات بما فيها ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما نطبقه اليوم كدولة عملياً في تعاملاتنا مع كافة الدول على اختلافها، لا نتدخل في شؤون الآخرين فلماذا يتدخل الآخرون في شؤوننا؟!

إننا كدولة كبيرة قوانينها راسخة رسوخ التاريخ في أطنابها لا نقبل بأن يتدخل الأصدقاء في شؤوننا بنفس القدر الذي لا نسمح فيه للأعداء بالتجاوز في حقنا!
وتحضرني الآن عبارة قالها الرئيس عبد الناصر- الله يرحمه- للأمريكان عندما أحس بأن أمريكا تحاول التدخل في الشأن المصري، قال لهم عبد الناصر نصاً «إحنا ناس مابنقبلش الضغط، ومابنقبلش الكلام السخيف، ومابنقبلش الرزالة أبداً، وإحنا ناس خُلقنا ضيّق، خلقتنا كده وطبعنا كده، وبعدين إحنا ناس عندنا كرامة، شعب عنده كرامة» انتهى كلام عبد الناصر، وسأتوجه أنا بالحديث الآن إلى السيدة أنالينا بيربوك، زعيمة حزب الخضر الألماني، ووزيرة خارجية ألمانيا وأقول: «لقد وصفتكم بالأصدقاء عن قصد لأني آمل أن تظلون أصدقاء، برغم البيان الصادر عن سفارتكم هنا، ولكن رصيد العلاقات المصرية الألمانية وسجله المليء بالتعاون البنّاء والمثمر على مدى سنوات طوال لا زال يسمح لي بأن أصفكم بالأصدقاء، فراجعوا أنفسكم ولا تتدخلوا في شؤوننا، ولا شأن لكم بقضائنا الشامخ وقضاتنا الشوامخ، وعلى ذكر حزب الخضر والقضاء، هل تعلمين يا سيدة بيربوك أن لدينا هنا في مصر حزب اسمه (حزب الخضر) تأسس في سنة 1990 بقرار قضائي على الرغم من اعتراض الحكومة عليه؟!

وللجميع أقول إن القضاء في بلدنا عادل، وقضاتنا مستقلون فقولوا في حقنا خيراً أو ليسعكم صمتكم.

حفظ الله مصرنا وأعز ونصر قائدنا.