رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأوصياء على الأديان


الدين هو الإيمان الكامل بالعقيدة الدينية التى يختارها الإنسان بمحض إرادته (راشدًا) وبدون أى إكراه بأى صورة من الصور، وهذا الاختيار يجعل الذى اختار وأمن خاضعًا وملتزمًا بكل القيم والأخلاقيات والوصايا التى يفرضها هذا الدين وتلك العقيدة، ولذا يكون من الطبيعى نتيجة لهذا الاختيار الطوعى أن تكون هناك علاقة خاصة وخاصة جدًا بين المؤمن بهذه العقيدة وبين الله.
وذلك فى إطار العقائد السمائية (اليهودية والمسيحية والإسلام) وكذلك ذات العلاقة فى الأديان الوضعية مع إله كل دين وضعى، فهل هذه العلاقة التى هى أساس وجوهر الإيمان، تحتمل أو يمكن أن يتدخل فيها أى وصى وتحت أى مسمى؟ بالتأكيد لا تصلح ولا تجب الوصاية هنا لأن الوصاية تعنى (أن يكلف قانونًا شخص بالقيام على شئون غير الراشد أو القاصر بعد موت عائلة) فهل هذا التعريف يمكن أن يطبق على ما يسمى بالوصايا على الأديان؟ فهل هذه الوصاية تصلح وتتوافق مع إيمان الفرد؟ بالطبع لا وألف لا.
لأن الإيمان ذاتى والحساب شخصى ولن يكون الوصى والأوصياء (الذين يأخذون ما ليس لهم) بديلاً عن المؤمن يوم الحساب، حتى تلك العقائد فى بعض الأديان التى يوجد فيها ما يسمى برجال الدين هم أيضًا لا ولن يكونوا أوصياء على أحد أو أنهم سيحاسبون بديلًا عن أحد.
وتأكيدًا لذلك عندما تحول رجال الكنيسة إلى أوصياء على البشر فى العصور الوسطى فى أوروبا، كان ذلك الاستبداد الدينى الذى سيظل وصمة عار فى جبين تلك المرحلة التاريخية ولذا فأى وصاية أو أى أحد يتصور أو يتخيل أنه وصى على الآخر دينيًا (حتى الوالدين بالتربية الدينية الحسنة قبل سن الرشد) فهذا يدخل فى إطار المتاجرة بالأديان.
وهذه الإشكالية التى نقصدها كما أننا لابد أن نفرق بين الوصايا الدينية وبين عمل رجال الدين والعلماء، فعمل هؤلاء هو الجانب التعليمى الصحيح وبفكر دينى صحيح يتوافق مع القيم والمقاصد العليا للدين والتى تحض على مكارم الأخلاق وعلى السعى فى الرزق الحلال والمشروع وعمل الخير وقبول الآخر الإنسانى.. إلخ
وهذا لا يدخل فى باب الوصاية الدينية أو بالأصح لا يجب أن يدخل أو يحاول أحد أن يدخله فى إطار أى وصاية دينية، أما فى إطار الواقع المعيش الذى أصبح الآن يعانى من خلل يتمثل فى تدخلات فى شئون البشر وفى أدق تفاصيل حياتهم  بكل الأساليب وفرض كل أنواع الوصايا وكل هذا يتم للأسف باسم الدين، ويا ليت هذا يتم أيضًا فى إطار الموعظة الحسنة ولكن فى إطار التقييم فى خانة (الحلال والحرام/ الكفر والإيمان).
وكأن هؤلاء كان قد فوضهم الله سبحانه وتعالى أوصياء على دينه أو أنهم يتصورون أنهم هم الذين يدافعون عن الدين فى مواجهة هؤلاء الذين لا يتوافقون معهم فى معتقدهم الدينى أو الذين لا يقتنعون بأفكارهم الشاذة والبعيدة عن صحيح الدين الذى يطرحونه من خلال فكر دينى فاسد لا علاقة له بصحيح الدين، وبالطبع من لا يتوافق مع تلك الأفكار فهو كافر وضد الدين وذلك لتأكيد وتحقيق مصالحهم الذاتية ومطامعهم الشخصية وتطلعاتهم التنظيمية.
وهذا لا يتم ضد المختلف فى الدين فقط ولكن أيضًا يتم داخل الدين الواحد والهدف الأهم والغير معلن هو تحقيق الانتصار على الطرف الآخر المخالف حتى لو كان يؤمن بذات الدين!.
فهل من حق أى أحد فرض أى وصاية دينية على الآخر؟ وهل فوض الله أحد وصيًا على الدين وعلى المتدينين؟ وهل هناك أى أحد يمكن أن يكون محاسبًا للبشر فيحكم عليهم بالكفر أو الايمان؟ الله وحده يا سادة الذى سيحكم على إيمان الإنسان وعلى عمله خيرًا كان أم شرًا  فلا أحد يعلم الضمائر والأسرار والإيمان غير الله والإنسان ذاته.
كما أن الله هو الذى أعطى الحرية للانسان أن يختار أن يؤمن أو يكفر وهو إلى سيحاسب الجميع المؤمن والكافر فعلى الأوصياء أو المتاجرين بالدين أن يكفوا وصايتهم، أن يهتموا بايمانهم وأن يتركوا الخلق للخالق والأهم ليس الملبس ولا الشكل التدينى ولا ادعاء التدين ولكن الأهم العمل (الإيمان ما هو فى القلب ويصدقه العمل) (ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السماوات).
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.