رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النمو الاستيطانى المستدام.. خطة التهام ما بقى من الأرض المحتلة

الاحتلال
الاحتلال

 

رغم أن بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة يعد نقطة أساسية فى الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، ويلقى رفضًا واضحًا من المجتمع الدولى، لأنه يعد انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة، فإن الحكومات الإسرائيلية المتوالية لم تتورع عن دعم المستوطنين وزيادة أعداد المستوطنات فى المناطق المحتلة على مدار العقود الماضية.

وفى ذلك الإطار، قررت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة نفتالى بينيت، العمل على دعم حركة الاستيطان فى القدس والجولان بشكل موسع، من أجل خلق واقع جديد على الأرض، يغير من طبيعتها السكانية والجغرافية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

 

حى يهودى فى شرق القدس لمحاصرة العرب وفصل المدينة عن الضفة

بدأت وزارة العدل الإسرائيلية، بالتعاون مع بلدية القدس، العمل على بناء حى جديد خلف الخط الأخضر فى جنوب القدس المحتلة، ليكون مخصصًا للسكان اليهود، على أن يتم البناء قرب الحى العربى بيت صفافا، الذى يعانى من نقص كبير فى مساحات البناء.

ويخطط أن يكون الحى الجديد، المقرر أن يضم ٤٧٣ وحدة سكنية، فى أحد الأماكن القليلة فى شرقى القدس التى يسُمح فيها بتسجيل الأراضى، ورغم أن قرارات تسجيل الأراضى استهدفت بالأساس مساعدة السكان الفلسطينيين فإنه تم تحويلها لخدمة المستوطنين.

وحسب القوانين الإسرائيلية، فإن وزارة العدل مخولة بإدارة العقارات التى يكون أصحابها غير معروفين، وهى على الأغلب عقارات اشتراها يهود قبل عام ١٩٤٨، ومن غير المعروف من هم ورثتها الآن، لذا تستحوذ عليها الوزارة.

وتقول وزارة العدل الإسرائيلية إن خطة إنشاء الحى الجديد تمت فى إطار تحسين أسعار العقارات، وستكون منفصلة عن الأحياء القائمة، وذلك رغم أن بيوت الحى الجديد من المفروض أن تبنى على بعد بضعة أمتار فقط عن بيوت بيت صفافا.

وكانت الحكومة الإسرائيلية السابقة، بقيادة بنيامين نتنياهو، قد دفعت قدمًا بخطة بناء هذا الحى المثير للجدل فى عام ٢٠١٦، لكن وبضغط من الولايات المتحدة تم تجميد جميع الخطط فى المنطقة.

وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن الخطة سيترتب عليها إخلاء عدد كبير من الفلسطينيين من منازلهم.

يأتى ذلك بعد يوم واحد من إعلان بلدية القدس، بالتعاون مع وزارات إسرائيلية أخرى، عن افتتاح النفق الجنوبى الثانى بطول ١٢ كيلومترًا لربط مستوطنات جنوب الضفة الغربية بمدينة القدس، حسبما أعلنت الإذاعة الإسرائيلية العامة.

من جانبهم، قال مسئولون فلسطينيون إن إسرائيل تسابق الزمن لفرض واقع جديد فى مدينة القدس المحتلة، لتغيير طابعها الجغرافى والسكانى، بهدف جعل الأغلبية السكانية فيها لصالح المستوطنين، الأمر الذى يعقد أى حلول تفاوضية فى المستقبل. 

وقالت أمل جادو، وكيل وزارة الخارجية والمغتربين فى السلطة الفلسطينية، إن خطط الاستيطان مسلسل مستمر لا يتوقف فى ظل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

وأوضح مراقبون أن مشكلة البناء فى القدس الشرقية تكمن فى أنها تحاصر الأحياء الفلسطينية بهدف إغلاق الباب أمام مطلب الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين فى أى مفاوضات مستقبلية.

كما سيتسبب البناء فى عزل القدس عن مدن الضفة الغربية، وتقليص التواجد الفلسطينى فيها من خلال التهجير وهدم المنازل وسحب الهويات، فى الوقت الذى لا تمنح فيه إسرائيل موافقات البناء للفلسطينيين، بل تهدم الموجود بالفعل لتقليل عددهم.

7 آلاف وحدة سكنية فى الجولان حتى 2026 لتعميق التواجد

فى أكتوبر الماضى، تعهد نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بأن تتصدر مضاعفة الاستيطان فى الجولان المحتلة جدول أعمال حكومته فى الأعوام القليلة المقبلة، مؤكدًا أن حكومته ستعقد بعد أسابيع جلسة خاصة فى الجولان، كى تقر وتمول خطة ستتضمن توسيعًا كبيرًا لمستوطنة «كتسرين»، التى تعتبرها إسرائيل عاصمة الجولان المحتلة، مع توسيع كل المستوطنات فى المنطقة، وإقامة مستوطنتين جديدتين.

ورغم أن الاستيطان فى الجولان بدأ منذ نحو ٥٥ عامًا، فإن هذه هى المرة الأولى التى تبادر فيها حكومة إسرائيلية إلى مثل هذه الخطوة الموسعة. 

ويحل، فى الأيام المقبلة، موعد الجلسة المقرر أن تعقدها الحكومة الإسرائيلية فى الجولان، وسيتم خلالها الموافقة على مشروع يحمل اسم «خطة تشجيع النمو الديموجرافى المستدام»، ويهدف إلى مضاعفة عدد السكان الإسرائيليين فى الجولان المحتلة، قبل نهاية العقد الحالى.

وبحسب الخطة، فحتى عام ٢٠٢٦ سيقوم المجلس الإقليمى فى هضبة الجولان وفى مستوطنة «كتسرين» بتسويق نحو ٧٠٠٠ وحدة سكنية، مع الموافقة على إقامة مستوطنتين جديدتين، مع التخطيط لمشاريع طاقة شمسية ضخمة، بينها حقل طاقة شمسية فى منطقة وادى الدموع، لإيجاد وظائف لعشرات الآلاف من السكان الجدد، وإقامة مناطق صناعية وتجارية وسياحية.

وتهدف الخطة إلى تعميق الوجود الإسرائيلى فى الجولان المحتلة، وتثبيت حقائق على الأرض تجعل من الصعب على زعماء مستقبليين إجراء مفاوضات سياسية بشأن هذه المنطقة.

ومن أجل تسريع الخطوات، يعمل مكتب «بينيت» على تشكيل لجنة خاصة لديها صلاحيات التخطيط المحلية والإقليمية على غرار لجان التخطيط للاستيطان فى الضفة.

وتعد الجولان أراضى محل نزاع وفقًا لبيانات المجتمع الدولى، رغم أن الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، اعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، الأمر الذى يعرض الخطة لانتقادات دولية حادة.

إعلان الالتزام بحماية المنطقة «ج» من «التمدد الفلسطينى»!

فى السياق نفسه، طالب ديفيد الحيانى، زعيم المستوطنين رئيس مجلس «يشع» الاستيطانى بالضفة الغربية المحتلة، قبل أيام، بهدم ٩٥ ألف منزل فلسطينى تم بناؤها فى السنوات الأخيرة بالمنطقة «ج»، التى تمثل نحو ٦١٪ من الضفة وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية.

وقال «الحيانى»، خلال مؤتمر حول البناء الفلسطينى فى المنطقة «ج»، وفق ما نقلته القناة السابعة بالتليفزيون الإسرائيلى: «نحن بحاجة إلى التوقف عن التفكير فيما يفعله الفلسطينيون والبدء فى التفكير فيما يتعين علينا القيام به، تعرف إسرائيل كيف تتعامل مع البناء غير القانونى، لكنها لا تريد ذلك ولا تتعامل الحكومة الإسرائيلية الحالية مع هذا الموضوع».

ورغم أن البعض اعتبر تصريحات «الحيانى» تعبر عن موقف المستوطنين فقط لا الحكومة، فإن إيليت شاكيد، وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أكدت أن الحكومة ملتزمة بحماية المنطقة «ج» مما سمته «التمدد الفلسطينى».

وقالت: «فى محادثاتى مع وزير الجيش هو يتفهم الأمر ويلتزم به، ولدينا التزام مطلق بحماية المنطقة (ج) وتوسيع الاستيطان فيها».

وأضافت: «أتابع بقلق استيلاء الفلسطينيين على المنطقة (ج)، وقد أخبرنى وزير الجيش أنه ينوى محاربة البناء غير القانونى بضراوة، وهذا أمر يتعين على الإدارة المدنية التعامل معه».

وأوضح المراقبون أن كثيرًا من الوثائق والتقارير تؤكد أن تمدد المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية المحتلة كان يجرى بموافقة ضمنية من الحكومات الإسرائيلية المتعاقية.

ورصد الكاتب عوزى بنزيمان، فى كتاب بعنوان «على شفا الهاوية»، تنامى البؤر الاستيطانية غير القانونية أمام عيون الحكومات الإسرائيلية، مع مد شبكة المستوطنات فى الضفة الغربية، موضحًا أن حركة الاستيطان منذ سبعينيات القرن الماضى لم تتوقف عن استخدام أى حيلة أو خدعة من أجل توسيع التواجد اليهودى فى المناطق المحتلة.

وتناولت مؤلفات أخرى العلاقة الخفية بين المستوطنين المخالفين للقانون وبين قادة فى الجيش الإسرائيلى سمحوا لهم بذلك.

وبحسب كتاب «بنزيمان»، فإن المستوطنين تمكنوا من تثبيت حقائق على الأرض من خلال تجاهل قرارات الحكومة وبناء مستوطنات غير قانونية على أراض فلسطينية، مع قيام منظمات يمينية، وأعضاء فى الكنيست، من بينهم بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، بحملة ضد البناء الفلسطينى فى المنطقة «ج»، ما أدى لإصدار عدة قرارات بهذا الشأن دخل بعضها إلى حيز التنفيذ.