رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هدى شعراوى والريادة النسوية الوطنية

ونحن نحتفي هذا الأسبوع بذكرى رحيل رائدة النضال النسوي هدى شعراوي (12 ديسمبر 1947 م)، لعلنا نتذكر كيف أعلنت الدكتورة والمفكرة نوال السعداوي عن غضبها ورفضها تصور بعض الرجال في بلادنا للتسليم بأن العمل على قضية تحرير المرأة المصرية قد بدأت وانتهت بكتاب قاسم أمين، وأنهم بهذا يتجاهلون جهود النساء المصريات لتحرير أنفسهن في القرون السابقة من نشوء العبودية «أو النظام الطبقي الأبوي» وحتى يومنا هذا.. وتؤكد "السعداوي" أن إعادة قراءة التاريخ توضح كيف لعبت المرأة المصرية القديمة دورًا في الثورات الشعبية والنسائية ضد بطش السلطة المطلقة للحاكم في الدولة والعائلة، وقد حرق المصريون والمصريات القصرَ الملكي ذاته (عام ٢٤٢٠ قبل الميلاد)، ونادَوْا بتكافؤ الفرص بين الأغنياء والفقراء وبين النساء والرجال، إلا أن المؤرخين الرجال المتحيزين للسلطة الحاكمة قد تجاهلوا جهود النساء في هذه الثورة التي عُرِفَت باسم ثورة "منف".. 

وتضيف «السعداوي»: ثُمَّ قامت الثورة الشعبية الثانية يقودها النساء والرجال (عام ١٢٦٠ قبل الميلاد)، وجاءت الأسرة العاشرة (ونظام الرودو) الذي أعاد للمرأة المصرية حقوقها المسلوبة، وتم القضاء على نظام التسرِّي، وتساوت المرأة في الحقوق العامة والخاصة مع الرجل، إلا أن هذه الثورة فشلت وعاد نظام الإقطاع والبطش الفرعوني (عام ١٠٩٤ قبل الميلاد) ينزع من النساء والفلاحين حقوقهم، وأصبح للرجال فقط حق الطلاق والنسب والكهنوتية.. ثُمَّ ثار الشعب المصري نساءً ورجالًا مرة ثالثة (عام ٦٦٣ قبل الميلاد) واسترد الفقراءُ والنساءُ بعضَ حقوقهم المسلوبة.. لقد تم تجاهل دور النساء في مصر القديمة بمثل ما تم تجاهل دورهن في مصر الحديثة، لأن معظم الذين يكتبون التاريخ رجال يتطلعون إلى السلطة، ويحتقرون الشرائح الفقيرة والضعيفة في المجتمع ومنهم النساء.. لهذا لا أُدْهَش كثيرًا حين يكتب بعض الرجال في بلادنا قائلين إن قضية تحرير المرأة المصرية بدأت وانتهت بكتاب قاسم أمين !!

ويشارك "السعداوي" غضبها الكثير من دارسي التاريخ والاطلاع على الإرهاصات الأولى للتنوير وتحرير المرأة، ولكن هذه المرة لأنهم يجزمون بأنه يسبق وجود كتب "قاسم أمين" ورسائله لتحرير المرأة، وقبلها بحوالي نصف قرن من الزمان دعوة البطريرك "كيرلس الرابع"، الملقب بـ"أبوالإصلاح"، إلى ضرورة تعليم البنات، حيث أنشأ مدرسة في حي الأزبكية لتعليم البنات، فكانت بذلك أول مدرسة أنشئت لتعليم البنات فى مصر، ثم أنشأ مدرستين في حارة السقايين، واحدة للبنين وأخرى للبنات، وعبر إيمانه بأن الأسرة هى عماد المجتمع، وأن النهوض بأحوالها يمثل حجر الزاوية الرئيسية في نهضة المجتمع كله، طالب بوضع حد أدنى لسن الزواج للفتاة، ونصح بأن تكون فترة الخطوبة فترة اختبار حقيقية حتى يتيح للخطيبين فرصة التراجع عن الخطبة إذا اكتشفا عدم التوافق، حتى يسد الثغرة أمام جميع أسباب الخلافات الزوجية وعلى رأسها الطلاق.. وكان قراره الكنسي بتحديد سن الزواج للفتيات ليكون ستة عشر عامًا، وأثار هذا القرار زوابع رفض تنوء بها المحيطات على كل المستويات، حتى على المستوى الديني غير المسيحي، ولكن بعد فترة قصيرة تبنت الدولة هذا القرار وأصدرت قانونًا يسرى على جميع المصريات، فحمى الرجل مصر من البيدوفيليا (الولع الجنسي بالأطفال).. وعليه أكد أصحاب معلومة اعتبار أن البابا كيرلس الرابع يعد بحق رائد تعليم وتحرير المرأة وأن الرجل قام بالخطوة الرئيسية والتنفيذ العملى وليست مجرد تحرير مقالات وإصدار كتب.. 

وأرى أنه لا مجال للغضب أو التبرم فهي جميعها جهود ومبادرات تتكامل عبر التاريخ في ظروف ومناسبات ومواقع وعبر أدوار مختلفة، ويبقى الفضل في النهاية للمرأة المصرية ذاتها هى الأروع، فبالعودة إلى تاريخ السيدة هدى شعراوي النضالي ومن سار على درب الكفاح الوطني بعدها عبر التاريخ يتأكد لنا بالفعل دور المرأة المصرية منذ تأسيس الحضارات القديمة ومرورًا بعدد من الانتفاضات والثورات عبر القرن الماضي، حتى كان دورالمرأة العظيم في ثورة 30 يونيو لإعادة الهوية المصرية وتحرير المرأة من براثن وأغلال حكم عصابات التطرف ورعاة التخلف، وهو ما أكد عليه الرئيس "عبدالفتاح السيسي" بوصفهن بالعظيمات، وقوله: "المرأة المصرية هي ضمير الأمة ونبضها، والحارس الأميـن على الهوية المـرية.. هي السند والأمل فى كل أزمة مرت بها الدولة.. وكانت، وما زالت، الدرع الواقية.. أمام كل من يحاول النيل من عزيمة هذا الوطن"..
نعم ، ففي سطور مختصرة نعرض لإنجازات هدى شعراوي كمثال رائد ونموذج رائع، ويمكن التوقف عند النقاط التالية عند بعض محطات هامة في سيرتها النضالية:
• أسست هدى جمعية لرعاية الأطفال العام 1907، وفي العام 1908 نجحت في إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسوية، وكان لنشاط زوجها علي شعراوي السياسي الملحوظ في ثورة 1919 أثر كبير على نشاطاتها، فشاركت بقيادة مظاهرات السيدات عام 1919، وأسست "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وقامت بالإشراف عليها.
• في العام 1921، وفي أثناء استقبال المصريين لسعد زغلول، دعت هدى شعراوي إلى رفع السن الأدنى للزواج للفتيات لتصبح 16 عامًا، وكذلك للفتيان لتصبح 18 عامًا، كما سعت لوضع قيود للرجل للحيلولة دون الطلاق من طرف واحد، كما أيدت تعليم المرأة وعملها المهني والسياسي، وعملت ضد ظاهرة تعدد الزوجات، كما دعت إلى خلع غطاء الوجه وقامت هي بخلعه، حاربت ذلك من خلال دعوتها إلى تعليم المرأة وتثقيفها وإشهار أول اتحاد نسائي في مصر.
• أسست هدى "الاتحاد النسائي المصري" العام 1923، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947، كما كانت عضوًا مؤسسًا في "الاتحاد النسائي العربي" وصارت رئيسته في العام 1935، وفي نفس العام صارت نائبة رئيسة لجنة اتحاد المرأة العالمي، وحضرت عدة مؤتمرات دولية منها مؤتمر روما العام 1923، ومؤتمر باريس عام 1926، ومؤتمر أمستردام العام 1927، ومؤتمر برلين العام 1927، ومؤتمر اسطنبول العام 1935، وكذلك دعمت لإنشاء نشرة "المرأة العربية" الناطقة باسم الاتحاد النسائي العربي، وأنشأت مجلة l'Egyptienne العام 1925، ومجلة المصرية العام 1937، وهي صاحبة ملك حفني ناصف وطالبت بتعليم الفتيات.
• في عام 1938 نظمت هدى شعراوي مؤتمرا نسائيا للدفاع عن فلسطين، كما دعت إلى تنظيم الجهود النسوية من جمع للمواد واللباس والتطوع في التمريض والإسعاف، وفي 29 نوفمبر 1947، صدر قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، وأرسلت شعراوي خطابًا شديد اللهجة للاحتجاج إلى الأمم المتحدة..
إنها سطور قليلة.. غيض من فيض من معارك خاضتها، وإنجازات حققتها تلك السيدة الوطنية العظيمة.