رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التجارة الرائجة».. من يحكم فوضى التقارير الطبية المزيفة؟

التقارير الطبية
التقارير الطبية

لحظات عصيبة مرت على أحمد عبدالعظيم، 37 عامًا، بعدما أغلقت ممرضة إحدى المستشفيات العامة، باب غرفة العمليات على زوجته (آمال) التي أصيبت بآلام الولادة فجر يوم 3 يونيو الماضي، وقام بنقلها سريعًا إلى أقرب مستشفى حكومي.

7 ساعات متواصلة حاولت خلالهم طبيبة المستشفى استخراج الجنين دون جدوى، حتى لجأت إلى إجراء عملية توسيع فتحة المهبل للسيدة، فخرج الطفل يعاني من نقص في الأوكسجين.

لم يكن الأوكسجين متوفرًا في مستشفى قنا العام، فقامت الطبيبة بنقله إلى مستشفى أسيوط الجامعي في سيارتها الخاصة، ووضعته داخل حضانة وتم توصيل أنبوبة حنجرية له، إلا أنه بعد دقائق قليلة أصيب باختناق توفى على إثره.

طبيبة مستشفى سوهاج، وضعت له الأنبوب الحنجري دون توصيل الأوكسجين ما أدى إلى وفاته، بحسب ما يقوله أحمد، إلا أنها غيرت أقوالها، بعدما استخرجت تقرير طبي مزيف، يقول أن الزوجة أخذت حقنة من إحدى سيدات القرية، قبل إجراء عملية الولادة هي من أدت إلى وفاة الجنين.

يحكم استصدار تقرير طبي من مستشفى حكومي، القرار الوزاري رقم 781 لعام 2001، والذي وضع شروط له بألا يتم إلا بناء على طلب النيابة أو الشرطة، ولا بد أن يكون ممهورًا بتوقيع الطبيب باسم واضح، مع الالتزام بضرورة توقيع الكشف الطبي بمعرفة الأخصائي بالمستشفى، مع أخذ توقيع وبصمة المريض على هذا التقرير، وتسجيله بدفتر استقبال وطوارئ المستشفى على أن تتسلم التقارير إلى جهة رسمية مثل مندوبي أقسام الشرطة لمنع تزويرها.

وفي حال تزيفه، فتكون العقوبة وفقًا للمادة 112 من قانون العقوبات، التي تنص على معاقبة كل صاحب وظيفة عمومية يرتكب في أثناء تأدية الوظيفة، تزويرًا في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو دفاتر أو غير ذلك من السندات والأوراق، سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغييرها، بعقوبة تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

أحمد هو أحد ضحايا تزييف التقارير الطبية، لكنه ليس الوحيد فهناك "نرمين" 25 عامًا، من منطقة عين شمس، تفاجئت بمُحضر يطرق باب منزلها ويطالبها بحضور والدتها التي تعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم والقلب إلى مقر النيابة، بتهمة الاعتداء على سيدة وإصابتها بعاهة مستديمة.

النيابة العامة واجهت السيدة المُسنة بتقارير طبية تؤكد أنها اعتدت على زوجة شقيق زوجها وأصابتها بتجمعات دموية في الرحم أثرت على جنينها وتم حجزها في المستشفى لإجهاضها.

ونفت "نرمين" أن تكون أمها فعلت ذلك وأن الأمر لم يخرج عن مشادة كلامية نسائية داخل العائلة، ولم يعتد أحد بالضرب على زوجة الشقيق، لكن نفيها لم يلق صداه أمام التقارير الطبية، فتحولت القضية من النيابة إلى محكمة القاهرة.

المحكمة أصدرت حكمًا بحبس الأم شهر وغرامة مالية 200 جنيهًا، رغم طعن النيابة على الحكم وتوصلها إلى أن التقرير الطبي مزيف، قامت زوجة الشقيق بشرائه من أحد المستشفيات الحكومية مقابل مبلغ مالي لأحد العاملين بها.

تقول نرمين: "بعد توصل النيابة العامة لتزييف التقرير، حصلت أمي على البراءة من محكمة الاستئناف إلا أننا عشنا شهورًا طويلة في قلق على أمي التي كانت ستسجن في قضية ليست لها علاقة بها بسبب تقرير طبي مزيف".

وتقدر وزارة الصحة أعداد التقارير الطبية المزيفة التي تصدر في مصر سنويًا بأكثر من 750 ألف تقرير، يستخدم لتبرئة متهمين في قضايا الجنح والجنايات، والهروب من أحكام العدالة، وتلفيق التهم لآخرون أبرياء، بحسب بيان لها صدر في ديسمبر عام 2016.

بينما تقدر دراسة صدرت عن مركز الجبهة للدراسات الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية) يناير 2017، أعداد التقارير الطبية المزورة التي تصدر في مصر سنويًا بأكثر 100 ألف تقرير طبي مزيف.

الدراسة وصفت التقارير الطبية المزورة بالتجارة الرائجة، التي يتم استغلالها في تلفيق الاتهامات الباطلة، والضغوط على الأبرياء وإقامة الدعاوى الكيدية، وكذلك استخدامها في عمليات الاختلاس والابتزاز.