رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرجل الرمادى.. والشعر الأبيض!

السبب الرئيسى للشيب، هو التقدم فى العمر وعدم قدرة جسم الإنسان على إفراز مادة «الميلانين»، المسئولة عن تلوين الشعر أو احتفاظه بلونه. لكن وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، CIA، قال لجريدة «وول ستريت جورنال»، إن معظم شعره الأبيض، ظهر خلال فترة عمله سفيرًا لبلاده فى روسيا الاتحادية، ثم لحق به الباقى، خلال المحادثات مع الإيرانيين، بشأن البرنامج النووى!.

فى لغتنا العربية، يُقال «شابَ الرجل»، إذا كبر وشاخ وابيضّ شعره. ويُقال، أيضًا، «شابَ فى القول»، لو كذب. وقبل أن يشيب المذكور، المولود فى ٤ أبريل ١٩٥٦، بسنوات طويلة، كان يوصف بـ«الرجل الرمادى»، لقدرته على اللعب فى الخفاء. وما أكد هذه القدرة، وأحقيته فى تلك الصفة، هو أنه اختار لمذكراته، التى صدرت فى مارس ٢٠١٩، عنوان «القناة الخلفية». وفيها، أقر بأنه كان يعرف أن إسقاط صدام حسين سيزعزع استقرار العراق، وأن الإطاحة بمبارك ستخلق حالة من الفوضى فى مصر. 

عمل «بيرنز» سفيرًا لبلاده فى روسيا الاتحادية منذ ٨ نوفمبر ٢٠٠٥ إلى ١٣ مايو ٢٠٠٨، وهى السنوات الثلاث الأخيرة فى ولاية الرئيس فلاديمير بوتين الثانية، ولم تشهد خلالها العلاقات الروسية الأمريكية أى توترات. لكن بعد أن غادر موسكو بثلاثة أشهر، تحديدًا فى أغسطس التالى، اشتعلت الأوضاع بسبب دعم واشنطن عدوان قوات جورجيا على قوات حفظ السلام الروسية فى أوسيتيا الجنوبية. 

بالبساطة نفسها، جرت المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووى، التى كانت مجرد ثمانى جولات، بدأت فى ٢٠١٣، وانتهت باتفاق ٢٠١٥، ولا يمكن مقارنتها بالسنوات الطويلة، التى قضاها «بيرنز» فى مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، أو بالدور الكبير الذى لعبه فى التمهيد للغزو الأمريكى للعراق، أو بدوره الأكبر فيما يوصف بالربيع العربى، الذى كان خلاله حلقة الوصل بين إدارة الرئيس باراك أوباما وجماعة الإخوان. 

زار بيرنز مصر للمرة الأولى، سنة ١٩٧٤، وبعدها بأحد عشر عامًا، صدر كتابه «المساعدات الاقتصادية والسياسة الأمريكية لمصر خلال الفترة من ١٩٥٥-١٩٨١». ومنذ ١٠ سنوات تقريبًا، تحديدًا عصر يوم ١١ يناير ٢٠١٢، كان يجلس مع قادة الإخوان داخل مقر «حزب الحرية والعدالة»، فى منيل الروضة، بصفته نائب وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، وهنأهم بسيطرتهم على البرلمان. وقبل تلك الزيارة، وبصفته مساعد وزيرة الخارجية نفسها، زار مصر، فى ٢١ فبراير ٢٠١١، ليكون أول مسئول أمريكى بارز يزور القاهرة، بعد تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، أو تخليه عن الحكم.

كان «بيرنز»، أيضًا هو أول مسئول أجنبى يستقبله محمد مرسى العياط بقصر الرئاسة، فى ٨ يوليو ٢٠١٢. وخلال مؤتمر صحفى، عقده بعد اللقاء، تحدث عما وصفه بالإنجاز التاريخى، الذى أسفر عن انتخاب «أول رئيس مدنى»، وأكد أن بلاده ستعمل كل ما فى وسعها لمساعدة ذلك الرئيس على إكمال ما وصفه بـ«التحول الديمقراطى». وتأسيسًا على ذلك، كان طبيعيًا، أن يقوم بزيارة مفاجئة إلى القاهرة بعد أيام قليلة من قيامنا بكنس الإخوان، وأن يلتقى خيرت الشاطر، نائب مرشد الإخوان، داخل سجنه، فى ٤ أغسطس ٢٠١٣، ويجتمع بوزير الخارجية القطرى، الذى كان يزور مصر وقتها، ثم بمحمد البرادعى، الذى كان وقتها نائبًا للرئيس.

بعد سنة تقريبًا من سقوط الإخوان، أو كنسهم، تقاعد «بيرنز» من عمله بوزارة الخارجية، ليواصل عمله المخابراتى تحت ستار «رئيس مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى»، التى من المفترض أنها مؤسسة بحثية، مستقلة وغير ربحية، فى حين أنها تضم باحثين، أو عملاء، تنتقيهم المخابرات الأمريكية بعناية شديدة، وتلقت سنة ٢٠٢٠ نحو ٢٦٣ مليونًا، من الولايات المتحدة، بريطانيا، قطر، سويسرا، ألمانيا وخمس دول أخرى، لم يذكرها تقرير الموقف المالى الصادر عن المؤسسة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن نظريات أو تنظيرات حديثة زعمت أن الإنسان قد يصبح مثل «الحرباء»، التى تغير لونها عند الخطر، موضحة أن الإحساس الزائد بالخوف يتسبب فى تشنج الأوعية الدموية، التى تغذى الشعر، ويمنعها من توصيل مادة «الميلانين»، وبالتالى يشتعل الرأس شيبًا!.