رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة المرأة العربية.. وما الحل؟

بدأت سلسلة محاضرات فى قناتى المتواضعة بعنوان «إكمال الناقصة»، وأعنى بها المأزق الأخلاقى، والمعضلة الثقافية التى تعانى منها المرأة فى ثقافتنا العربية الإبراهيمية.

فالمرأة العربية لقرون طويلة تعانى من صنوف من التمييز والاضطهاد المباشر وغير المباشر فى الوظائف والميراث والولاية، فينظر لها مجتمعيًا ككائن غير كامل حرى به أن يكون تابعًا للذكور اقتصاديًا واجتماعيًا.

قد يظن الظان أو الظانة أن الأمر يسير، وبخطاب ثقافى حقوقى نسوى تتحرر المرأة وتصبح عضوًا رشيدًا داخل المجتمعين المصرى والعربى.

ويا ليت الأمر كان كذلك، فالمشكلة ليست مجرد قوانين تستبدل أو تشريعات تلغى، ولكنه خطاب كامن فى الوعى واللاوعى لأعضاء المجتمع، ذكورًا وإناثًا، ولا أبالغ إذا قلت إن التشوهات الثقافية الذكورية المشينة للمرأة فى عقل الإناث كما هى فى عقل الرجال أو أشد.

ولأضربن على ذلك مثلًا بل أمثال من مدونة الوعى الجمعى المتجلية فى أمثالنا الشعبية الكثيرة وأقوالنا المأثورة شبه المقدسة.

فالمرأة فى منظورنا العام الغالب كائن عاطفى شهوانى لا بد من ختنه حتى لا يصبح رخيصًا متاحًا، فختان الأنثى من أجل عفتها بينما الختان للذكور متعلق بالنظافة والطهارة لا الشرف والفضيلة.

ونجد أيضًا فى أمثالنا، التى هى مرآة لوعينا وتجاربنا كشعوب، فنقول إنه إذا أحببت المرأة فعلت بك وفعلت، أما إذا فعلت بها وامتهنتها أحبتك وسلمت لك نفسها راضية، فالمرأة هنا كالحيوان الهمجى الذى تروضه بالحيلة دون الوقوع فى براثنه، وتستعمله فيما ينفعك ويسعدك، أما لو سلمته نفسك فإنه يفترسك بخسة وبلا رحمة.

ومن مأثوراتنا أيضًا قول القائل للمرأة التى أرادت أن تبدى رأيًا «مَن أنتِ حتى يكون لك رأى، فما أنتن إلا لعبة نلعب بإحداكن فسحة من الوقت طالت أو قصرت ثم نلقيكن، فهدف وجودكن هو إمتاع الذكر وخدمته وطاعته».

ومن مأثوراتنا القبيحة أيضًا القول المنتشر فى ثقافتنا والمنسوب للنبى الكريم زورًا وبهتانًا كما أظن وهو «شاوروهن وخالفوهن» وفيه إشارة واضحة لنقصان عقل المرأة وطيش لبها.

ومن مأثوراتنا أيضًا قول الشاعر «الغوانى يسرهن الثناء» فالمرأة عادة مستغنية بجمالها عن عقلها وعلمها وهى مفتونة بمن يغازلها ويمدحها بالصدق والكذب، وباقى أبيات أمير الشعراء معروفة حتى يقول «فلقاء يكون فيه شفاء ولقاء يكون منه الداء» وهو يسجل الوعى العام للمجتمع بشقيه رجالًا ونساء، وكذلك القول بأنه «لا يفلح ولا ينجح قوم ولوا أمرهم امرأة».

فالنساء لا يصلحن إلا توابع وخادمات لإمتاع الذكور وخدمتهم وإنجاب الأطفال وتنشئتهم، وغير هذا الكثير فى تراثنا الثقافى والدينى المشوه الذى يجعل المرأة شيئًا مسليًا وغرضًا تابعًا لا شريكًا مكافئًا أو كائنًا مستقلًا له شىء من الرشد.

وهنا نتساءل كيف نواجه ذلك فى وعينا العام؟ وهل من أمل فى تحرير المرأة وجعلها إنسان كامل؟

ونحاول الإجابة باقتضاب فنقول: على المرأة أولًا النهوض بالمرأة وكشف زيف الموروث الثقافى، ومعهن بالطبع المفكرون والمبدعون، نساءً ورجالًا، فيقوموا بالنقد والتفكيك والتحليل ثم إعادة صياغة الوعى بشكل أكثر إنسانية وعقلانية.

ولتعلم النساء والرجال أنهم يبيعون أنفسهم بالمجتمع كل يوم، فبائع نفسه فمعتقها ومنجيها أو مبخسها ومرخصها كما نسب ذلك للنبى العربى الكريم فقال «كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».

ونسب للمسيح العبرانى أن تشوه الوعى يجعل الإنسان يرى القبيح جميلًا فى البشر والثقافة والمجتمع، ولا يستطيع الإنسان نقد ذاته ووعيه وثقافته ومذهبه، بينما يجيد ذلك مع الغير، وذلك بالقول المنسوب للسيد المسيح «لماذا تنظر الْقَذَى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها؟».

ولا بد من بسط القول حول كيف يكون ذلك، وما هو دور الطليعة النسوية ودعاة تحرير المرأة، ولعل هذا موضوع مقالنا المقبل، ودمتم أحرارًا سعداء واعين جميعًا نساءً ورجالًا.