رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخروج من «جنّة» دويتشه فيله!

فى فبراير ٢٠٢٠ قامت شبكة «دويتشه فيله»، الألمانية، بتوقيع اتفاقية شراكة مع قناة «رؤيا» الأردنية، بهدف، أو بزعم، «تطوير التغطية الإخبارية لكليهما». وفى مايو التالى، منحت جائزتها السنوية لصاحب ومدير القناة الأردنية، التى وصفتها بأنها رائدة. ثم فوجئنا، أمس الأول الأحد، بإعلانها عن إلغاء تلك الشراكة بعد اكتشافها «منشورات معادية للسامية» فى حسابات القناة الأردنية على شبكات التواصل الاجتماعى! 

شبكة «دويتشه فيله»، التى تصف نفسها بأنها «المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية»، قالت، فى بيان، إنها تنأى بنفسها، وبشكل قاطع، عن منشورات القناة الشريكة «رؤيا»، وتأسف على تقييمها الأوّلى لتلك القناة على أنها «غير معادية لإسرائيل». ونقل البيان عن جويدو باومهاور، المدير العام لقسم التسويق والتكنولوجيا بالشبكة: «نعتذر عن عدم انتباهنا لهذه الصور المثيرة للاشمئزاز». إضافة إلى تعهده بإجراء مراجعة داخلية عملية لكيفية انتقاء الشركاء، على نحو أكثر دقة، خاصة فيما يتعلق بمعاداة السامية.

تمويل مؤسسة «دويتشه فيله»، المعروفة اختصارًا باسم «DW»، يأتى رأسًا «من الخزانة العامة الاتحادية»: أكثر من ٣٢٥ مليون يورو سنويًا، تخصص ثلثها للدعاية لألمانيا، وثلثها الثانى للهجوم على مصر، أما الثلث الثالث فوضعته فى خدمة إسرائيل، متحللة من واجبها المهنى والتزامها الأخلاقى اللذين يفرضان عليها مناصرة العدل والحق، ومحاربة الاحتلال والتمييز العنصرى. ولن نتوقف عند ما ينشره موقعها العربى، مثلًا، أو قناتها العربية، مكتفين بتذكيرك بتدليسات وفبركات عديدة، سبق أن تناولناها، وطالبنا «الضابط الذى يحكم الإعلام الألمانى»، بأن يحاسب أو يراقب مرتكبيها، لاعتقادنا أن آخرين يسيئون استعمالهم.

المهم، هو أن القناة الأردنية، التى خرجت من جنة «دويتشه فيله»، تأسست فى أول يناير ٢٠١١، وتهدف، كما ذكر موقعها الإلكترونى، إلى إحداث تغيير جذرى فى نظرة المشاهد الأردنى والعربى للإمكانات المحلية، والمساهمة فى تكوين فكرة إيجابية لتغطية إعلامية عربية و... و.. وبعد أن تجولنا فى حسابها على تويتر، لم نجد ما يمكن وصفه بأنه معادٍ للسامية. فقط وجدنا أنها شاركت عدة أخبار وتقارير، نشرها موقعها الإلكترونى، تنتقد السياسات الإسرائيلية. والأرجح، أن إحدى الصور، التى أثارت اشمئزاز الأستاذ «باومهاور»، كانت تلك التى منحت إسرائيل جائزة عن لعبها «دور الضحية»، مع هاشتاج يطالبها بالتوقف عن لعب هذا الدور.

إلى جانب إلغاء الشراكة مع القناة الأردنية، قررت الشبكة الألمانية، أيضًا، إيقاف عدد من العاملين فى قسمها العربى، لأن تقريرًا نشرته جريدة «زود دويتشه تسايتونج» فى ٣٠ نوفمبر الماضى، اتهمهم بأنهم نشروا، خلال السنوات الماضية، تدوينات «معادية للسامية» فى حساباتهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعى، وحذفوها لاحقًا. وزعمت «DW» أنها فتحت «تحقيقًا مستقلًا» بهذا الشأن، وستقوم بمراجعة كل حسابات العاملين فيها، وأوضح بيتر ليمبورج، مديرها العام، أن المؤسسة لديها سياسة لا تتسامح أبدًا مع معاداة السامية. 

التحقيق «المستقل» المزعوم، ظهرت نتائجه قبل أن يبدأ، بإسناده إلى اثنين: أحمد منصور، وهو أخصائى نفسى، له كتاب عنوانه «تضامنوا ضد العنصرية ومعاداة السامية والكراهية». والثانية هى زابينه لويتهويزر شنارنبرجر، وزيرة العدل الألمانية السابقة، المعروفة بدعمها الشديد لإسرائيل، والتى تعمل الآن مفوضة متطوعة لشئون مكافحة معاداة السامية، لدى حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا.

لعلك توقعت أن أحمد منصور، ليس هو ذلك الإخوانى العفن، أو «المعفن»، الذى يعمل فى شبكة «الجزيرة» القطرية. وتأكيدًا لتوقعك، نوضح أنه فلسطينى، أو كان فلسطينيًا، يعيش فى برلين، و«كاد أن يصبح متطرفًا»، بحسب الشبكة الألمانية نفسها، قبل أن يتعاون مع الأجهزة الأمنية فى برامج لمكافحة التطرف ومعاداة السامية. وعليه، كوفئ بالعديد من الجوائز، ومنحته الطائفة اليهودية بمدينة دوسلدورف قلادة «يوزف نويبرجر» عن خدماته للطائفة. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن فارس الصايغ، مؤسس ومالك ومدير قناة «رؤيا»، أقام فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٠ مأدبة غداء حضرها رؤساء مجالس الاعلام المحلى الأردنى، والسفيرة الألمانية فى عمان وطاقم «DW». ولا نعتقد أن أحدًا سيلومه لو طالب الشبكة الألمانية بأن تدفع تكاليف تلك المأدبة وتحاسب على كل المشاريب!