رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبور المانش!

منذ عبور ماثيو ويب لـ«المانش»، سنة ١٨٧٥، صار عبور ذلك الممر المائى، الفاصل بين فرنسا وبريطانيا، أحد أكبر تحديات سباحى المسافات الطويلة. وكان البطل المصرى إسحاق حلمى هو أول سباح عربى يتجاوز هذا التحدى، سنة ١٩٢٨، ثم تلاه حسن عبدالرحيم، سنة ١٩٤٨، ومرعى حسن حماد سنة ١٩٤٩، وعبداللطيف أبوهيف، سنة ١٩٥١، و... و... وصولًا إلى البطل خالد حسان، الذى تحدى إعاقته وعبر «المانش»، سنة ١٩٨٢، برجل واحدة، ثم خالد شلبى، الذى حقق الإنجاز نفسه، فى العام التالى، بذراع واحدة.

تحدٍ مختلف تمامًا، وأكثر قسوة، واجهه حوالى ٥٠ ألفًا، حاولوا عبور «المانش»، أيضًا، خلال العام الجارى، لكن على متن قوارب مطاطية صغيرة، أملًا فى الوصول إلى شواطئ بريطانيا، ولم ينجح غير نصفهم تقريبًا، والباقى فشل أو غرق. وكان حادث الغرق، الذى وقع الأربعاء الماضى، هو الأكبر من نوعه فى تاريخ ذلك الممر المائى، منذ بداية تسجيل منظمة الهجرة الدولية لهذا النوع من الحوادث، إذ راح ضحيته حوالى ٣٠ شخصًا، من بينهم أطفال ونساء، إحداهن كانت حاملًا، قبالة سواحل فرنسا الشمالية.

لم يتم تسريب أى معلومات عن جنسيات الضحايا، واكتفت الداخلية الفرنسية بتحديد جنسية الاثنين الناجيين من بين ٣٤ حملهم القارب: أحدهما عراقى والآخر صومالى. لكن بيانات سابقة لوزارة الداخلية البريطانية أشارت إلى أن الإيرانيين شكلوا العدد الأكبر، من بين الـ٢٥ ألفًا، الذين عبروا الممر المائى منذ بداية العام الجارى، يليهم العراقيون ثم الألبان والإريتريون والسودانيون والسوريون والأفغان. 

السياسة البريطانية إزاء الهجرة واللجوء، تناولتها بولى توينبى فى مقال نشرته جريدة «الجارديان»، أمس الثلاثاء، أكدت فيه أن بلادها تثير ضجة مفتعلة، غير متناسبة مع استقبالها ١٪ فقط من بين ٢٦ مليون لاجئ، تستقبلهم دول العالم. وأكدت أن عدد طلبات اللجوء فى بريطانيا منخفض جدًا مقارنة بألمانيا وفرنسا. وبعد أن طالبت بالسماح لطالبى اللجوء بالعيش والعمل والاندماج بشكل قانونى، شدّدت على أن تقليل أعداد اللاجئين يتطلب تعاونًا دوليًا، وليس خرقًا للمعاهدات أو الهجوم على فرنسا بوقاحة فى تغريدات غير دبلوماسية.

توينبى، Polly Toynbee، ٧٤ سنة، التى تكتب فى الجارديان بانتظام، منذ سنة ١٩٩٨، كانت مرشحة الحزب الديمقراطى الاجتماعى فى انتخابات مجلس العموم، سنة ١٩٨٣، وتنتمى الآن إلى حزب العمال. والأرجح، أنها كانت تشير إلى التغريدة التى كتبها بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى.

فى حسابه على تويتر، نشر «جونسون»، الجمعة الماضى، تغريدة، أو رسالة، وجهها إلى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، يطالبه فيها باتخاذ خمسة إجراءات: تسيير دوريات مشتركة فى بحر المانش، استخدام تكنولوجيا، تعاون أقوى بين أجهزة مخابرات البلدين، إضافة إلى المراقبة الجوية، والتفاوض حول اتفاقية ثنائية لإعادة المهاجرين إلى فرنسا، واتفاقية شبيهة مع الاتحاد الأوروبى.

هذه التغريدة أغضبت الرئيس الفرنسى، الذى شدد على أن التواصل بين مسئول وآخر، بشأن أمور كهذه، لا ينبغى أن يكون عبر تويتر. وبسببها، بسبب التغريدة، قامت الحكومة الفرنسية بسحب الدعوة التى كانت قد أرسلتها إلى بريتى باتيل، وزير الداخلية البريطانية، لحضور جلسة محادثات طارئة استضافتها فرنسا، الأحد، بشأن أزمة المهاجرين، شاركت فيها ألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، والمفوضية الأوروبية. وطلب خلالها جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسى، من بريطانيا إنشاء قنوات هجرة شرعية للاجئين وعدم تسهيل عثورهم على عمل.

قانون الاتحاد الأوروبى المعروف بقانون «دبلن الثالث» يسمح بإعادة طالبى اللجوء إلى أول دولة عضو فى الاتحاد يثبت أنهم دخلوها. لكن بعد الـ«بريكسيت»، أو مغادرتها للاتحاد، لم تعد بريطانيا جزءًا من هذا الترتيب. وطبقًا لما قاله توم برسجلاف، وزير الهجرة، لمجلس العموم «البرلمان»، فى ١٧ نوفمبر، فإن السلطات البريطانية لم تتمكن من إعادة غير خمسة مهاجرين إلى البر الأوروبى، خلال العام الجارى!

.. وتبقى الإشارة إلى أن حادث الأربعاء المأساوى لم يوقف تدفق القوارب المطاطية من الشواطئ الشمالية لفرنسا، وقبل مرور ٢٤ ساعة، استقبل جنوب شرق بريطانيا أربعين شخصًا على متن قاربين