رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجميل التدين.. كيف يكون؟

كما ذكرنا سابقًا الظاهرة الدينية لها الكثير من الوجوه الجميلة المحبة المسالمة، ولها أيضًا الكثير من الوجوه القبيحة البغيضة العدوانية، ويوجد العديد من الوجوه بين ذلك سبيلًا. فهل للمجتمع والدولة دور فى تجلية الوجوه الجميلة وإشاعتها فى المجتمع والناس ومكافحة الوجوه البشعة للتدين؟ لا شك سيكون الجواب نعم، فالظاهرة الدينية كلها هى تجلٍ وممارسة الإنسان معانى كامنة بذاته، وبغض النظر عن كون الدين منسوبًا للسماء كمعظم أديان الإنسان أو منسوب للأرض فكل مظاهر التدين هى بشرية بحتة لا سيما أننا نعيش عصر انتهت فيه ظاهرة النبوة والأنبياء فأضحت الأديان قاطبة فى عنق الإنسان يفسرها ويؤولها كيفما شاء. ولهذا كان لزامًا على النظام الاجتماعى والسياسى لعب دور هام فى ترشيد الظاهرة الدينية وجعلها جميلة ودودة مسالمة تنشر الحب والخير والجمال وتحض الإنسان على مكارم الأخلاق، وهنا يأتى سؤال كيف يا ترى يتحقق ذلك؟ نحاول الإجابة معًا فنقول:  أولًا: دعامة لذلك هى التعليم وتطويره ولا بد أن يدرس الطالب منذ نعومة أظافره هذا المفهوم حول التدين بما يلاءم مرحلته العمرية ويبث فى نفسه تعقد وتراكب وتعدد الظاهرة الدينية وكثرة وجوهها ويكرس فى وعيه قيم الحق والخير والجمال لكل البشر ليس لأبناء جنسه أو عرقه أو وطنه أو طائفته، بل للبشر جميعًا وأن هذا هو جوهر التدين الجميل النافع الكريم وغيره دون ذلك. ثانيًا: لا بد من الانتقاء من التراث الدينى الكثير المتناقض المشحون بالحب والطمأنينة والسلام كما هو مشحون بالكراهية والغضب والإرهاب، فلا بد من إشاعة النوع الجميل ونشره ولا بد من إقصاء النوع البغيض ونفيه ونقده نقدًا عقلانيًا رصينًا حتى لا يكون رائجًا إلا عند من فسدت فطرته وتشوهت نفسه مع محاولة لعلاج وتأهيل هؤلاء الشواذ البشريين حتى يكونوا عناصر صالحة مفيدة بالمجتمع. ثالثًا: لا بد من تضافر هيئات الدولة والمجتمع على توقير التراث الإنسانى كله شرقية وغربية شمالية وجنوبية ووضع هذا الميزان الذهبى فى نقده وتقييمه القائم على قيم الحق والخير والجمال لكل بنى الإنسان والتى تجلت فى قيم الإنسانية المعاصرة خصوصًا تلك التى وقع عليها كل الدول بما فيها دولتنا الحبيبة. رابعًا: لا بد من عمل دورات تقوم عليها هيئة وطنية مستقلة للنقاش بين النخب المختلفة الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية حول تلك المفاهيم الإنسانية الجامعة. خامسًا: عشرات المؤتمرات الشبابية فى كل أرجاء الوطن وتوظيف قصور الثقافة والمدارس والجامعات فى النقاش حول ذلك.  سادسًا: لا بد من تدريس مادة فى المدارس والجامعات لدارسة ونقد الظاهرة الدينية عالميًا قديمًا وحديثًا من أيام أديان العصور القديمة لأجدادنا العظام بناة الأهرامات مرورًا بأديان العصور الوسطى والحديثة وكذلك دراسة الفلسفة الإنسانية ونظرية الأخلاق وتطورها. ولعله من الضرورى قبل أن أختم مقالى أقول بدون ذلك المشروع الوطنى لمواجهة الوجوه البغيضة للظاهرة الدينية وتشجيع الوجوه الجميلة سنظل فى عجلة مفرغة ندور بلا نهاية. وستظل مفرخة الإرهاب خصبة منتجة وستبقى دولنا منهكة تزداد تأزما بسبب ما تواجهه من أفكار لا إنسانية.  وأقول أيها السادة الحل الأمنى لمواجهة وجوه التدين البغيض المجرم ضرورى ومفيد على المدى القصير، لكنه ليس حلًا على المدى الوسيط فضلًا عن المدى الطويل وستظل مؤسساتنا الأمنية والقضائية تحت ضغط وأزمات لا نهائية طالما نتوجه دومًا لعلاج الأعراض ونترك جوهر المشكلة وأس الفساد والإرهاب.  وسنظل نفقد الضحايا من المدنيين والعسكرين من أبناء الوطن فى مواجهة دونكشوتية مضحكة مبكية، فلا أمل إذا كنت تبنى وخلفك من يهدم ويدمر، فكيف إذا كان الهادم والمخرب والمجرم ليس واحدًا، بل ألف هادم لا يؤمن بالإنسان ولا الوطن ولا القيم الأخلاقية العليا الشاملة للبشر جميعًا وليس للأهل والعشيرة فقط.