رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طريق الآلهة والجمهورية الثانية

 

أنظار القارة السمراء وأجزاء من العالم، توجّهت إلى العاصمة الإدارية الجديدة، التى جرى إنشاؤها فى القرن الجارى، القرن الحادى والعشرين بعد ميلاد السيد المسيح، صباح الثلاثاء الماضى، لمتابعة فعاليات قمة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، «الكوميسا». وإلى العاصمة الإدارية لمصر القديمة، التى تبوأت مكانتها الرفيعة فى القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد، انتقلت أنظار القارة والعالم كله، لتشاهد افتتاح، أو إعادة افتتاح، طريق الآلهة، المعروف باسم «طريق الكباش»، أو طريق المواكب الكبرى. 

من الصرح العاشر لمعبد الكرنك، مركز الثقل السياسى والدينى فى عصر الدولة الحديثة، بدأ إنشاء ذلك الطريق فى عهد الملك أمنحوتب الثالث، تاسع ملوك الأسرة الثامنة عشرة، لكنه لم يكتمل ويصل إلى بوابة معبد «موت»، ملكة الآلهة وسيدة السماء وزوجة الإله آمون رع، إلا فى عهد الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين. وكما طالت فترة إنشاء الطريق، طالت أيضًا فترة اكتشافه وإعادة افتتاحه.

يبدأ العد منذ سنة ١٩٤٩، السنة التى اكتشف فيها الأثرى زكريا غنيم ٨ تماثيل، ثم تواصلت الاكتشافات بتوصل الدكتور محمد عبدالقادر إلى بداية الطريق عند معبد الأقصر، بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، وبداية الجمهورية الأولى، وكذا باكتشاف الدكتور محمود عبدالرازق أجزاء أخرى من الطريق. وبعد فاصل طويل، قام الدكتور محمد الصغير، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، بالكشف عن أجزاء مختلفة من منتصف الطريق وعند بدايته، وتبعته اكتشافات الدكتور منصور بريك، منذ سنة ٢٠٠٥ حتى توقفت فى ٢٠١١، إلى أن صدرت تعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى سبتمبر ٢٠١٧، باستئناف العمل فى المشروع.

أكثر من ٧٢ سنة، إذن، تفصل بين اكتشاف الطريق وترميمه وإعادة افتتاحه، سقطت خلالها الملكية وقامت الجمهورية الأولى، التى حكم مصر فى ظلها تسعة رؤساء، لو أضفنا المؤقتين والانتقاليين: محمد نجيب، جمال عبدالناصر، زكريا محيى الدين، محمد أنور السادات، صوفى أبوطالب، محمد حسنى مبارك، محمد حسين طنطاوى، عدلى منصور، وعبدالفتاح السيسى. ولن نختلف لو أضفت محمد مرسى العياط، لو وجدت له تصنيفًا، إذ لم يكن رئيسًا فعليًا أو انتقاليًا أو مؤقتًا. لكن ما لا يمكن أن يختلف عليه اثنان، أو «يتناطح فيه كبشان»، هو أننا نعيش، الآن، فترة اكتمال المشروعات، أو الأحلام، التى بدأت وحالت عقبات دون تحقيقها.

المسافة الزمنية الطويلة، الطويلة جدًا، بين الصرح العاشر لـ«الكرنك»، وبوابة «معبد موت»، قطعتها مصر بالعكس، خلال السنوات الثمانى الماضية، وهى تنزف دمًا وتعمل ليل نهار، حتى استطاعت أن تطوى صفحة الجمهورية الأولى، التى شاخت، بمفاهيم التأسيس وتاريخ الميلاد، لتعلن قيام جمهورية ثانية، شابة قوية تعتز بحضارتها، تعهد الرئيس بأن تكون «دولة جديدة، من شمال مصر لجنوبها»، خلال الندوة التثقيفية الثالثة والثلاثين، التى عقدتها قواتنا المسلحة، فى ٩ مارس الماضى، احتفالًا بيوم الشهيد. ولعلك تتذكر، أن الرئيس قام، قبلها بسنتين، خلال الندوة التثقيفية الحادية والثلاثين، بتشخيص وتلخيص ما تفعله مصر، منذ توليه الحكم، فى خمس كلمات: «بتحارب الإرهاب.. بتنزف دم.. وبتشتغل».

بثورة مجدية استرد المصريون دولتهم، وبسياسات جديدة وخطط جدية، قام الرئيس السيسى بتثبيت مؤسساتها وحافظ على استقرارها، وواجه الأزمة الاقتصادية المزمنة، مبتعدًا عن أسلوب المسكنات، الذى كان معتادًا، وحقق قفزات تنموية وإنجازات فى مختلف القطاعات. والأهم، هو أنه استعاد هوية مصر، وانتقل بها، واقعيًا وليس مجازًا، من التحرير إلى التعمير إلى الحضارة.

من التحرير إلى الحضارة، أيضًا، أو من «المتحف المصرى» بميدان التحرير إلى «المتحف القومى للحضارة المصرية» بالفسطاط، انتقلت فى أبريل الماضى، مومياوات ٤ ملكات و١٨ ملكًا، فى موكب مهيب، أزيح خلاله الستار عن تماثيل أربعة كباش، تم نقلها من معبد الكرنك، لتُزين قلب العاصمة. وقريبًا، سنشهد افتتاح المتحف المصرى الكبير، الذى يتضمن أكثر من ١٢ ألف قطعة أثرية، تستعرض حضارتنا القديمة، فى تأكيد جديد، ولن يكون الأخير، على أن الأحفاد يسيرون، وهم يعيدون بناء دولتهم، على خطى الأجداد.