رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالله العلى: تيارات الإسلام السياسى فى طريقها للزوال (حوار)

الدكتور محمد عبدالله
الدكتور محمد عبدالله العلى

المتطرفون تغلغلوا فى دول أوروبا تحت غطاء المظلومية وضحايا «الإسلاموفوبيا»

توجد لوبيّات أكاديمية أوروبية تسعى لنشر حالة من الفوضى المعرفية حول الإخوان

جماعات الظلام تتآكل من الداخل بفعل الانقسامات وحظر أنشطتها فى عدة دول

أكد الدكتور محمد عبدالله العلى، الرئيس التنفيذى لـ«مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، أن تيارات الإسلام السياسى، خاصة الإخوان، فى مرحلة احتضار ومحاصرة من معظم دول العالم، وستنهار تمامًا مع المزيد من تشديد الخناق عليها إقليميًا ودوليًًا، وتجفيف منابع تمويلها على المستويين الإقليمى والعالمى.

وقال فى حواره، لـ«الدستور»، إن مجابهة الخطاب الإخوانى فى أوروبا تتطلب تفكيك الأفكار المؤسسة لأيديولوجية جماعة الإخوان وتعريتها، وتبيان خطورتها على المجتمعات الأوروبية، إلى جانب ضرورة تفكيك الخطاب المتعاطف معها فى أوروبا ونقده للحد من تأثيرها فى المجتمعات الغربية.

وأضاف أن تجفيف مصادر تمويل تلك التيارات مهم جدًا لمواجهة انتشارها السرطانى، خاصة أنها تعتمد على مشروعاتها واستثماراتها فى التجارة المشروعة للحصول على التمويل الكافى لتنفيذ أجندتها الأيديولوجية والسياسية.

وأشار «العلى» إلى أن «مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، الذى يتخذ من أبوظبى مقرًا له، أَوْلى برنامج دراسات الإسلام السياسى أهمية خاصة، نظرًا إلى خطورة هذا التيار وفكره الهدام، حتى أصبح المركز مرجعية عالمية بارزة فى المجال.

أمينة ذكى

■ انكسرت شوكة «الإخوان» وأعوانها على المستوى العربى والإقليمى، لكن يبقى حضورها فى أوروبا والغرب عامة مؤثرًا، فما تفسيرك؟

- تسعى الجماعة منذ بدايتها إلى التمدد والانتشار وتحصيل النفوذ. كما تدرك الجماعة أهمية أوروبا فى العلاقات الدولية، فاستهدفت زرع نفسها فى تلك المنطقة الجغرافية لأسباب عدة، منها نشر ما تقول عنه إنه «دعوتها»، والانطلاق من أوروبا لمناكفة الدول العربية وحكوماتها، وأخيرًا ما تسميه فى أدبياتها «تدمير الغرب من الداخل».

الحقيقة أن جماعات الإسلام السياسى نجحت إلى حد كبير فى التغلغل داخل المجتمعات الأوروبية، مستندة إلى استراتيجية مدروسة، تعتمد فيها على مجموعة متنوعة من الأدوات؛ من بينها الأداة الدينية، والأداة الإعلامية، والمنصات الرقمية، والتطبيقات الإلكترونية.

وتعتمد فى تمويل أنشطتها على عدد من المصادر من بينها جمع التبرعات واشتراكات الأعضاء، والاتجار فى العملات، التى من الصعب تتبعها ومعرفة مصادرها.

كما توظف «الإخوان» العديد من المجالس الإسلامية المنتشرة فى دول أوروبية لنشر أيديولوجياتها بين صفوف الجاليات الإسلامية، ومن أهمها المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، والمجلس الإسلامى فى بريطانيا. 

■ هل ترى أن الإجراءات الأوروبية فى بعض الدول كفيلة بمواجهة سرطان الإخوان الإرهابى؟

- يبدو أننا نشهد اليوم تحولًا مهمًا فى مقاربة الظاهرة الدينية الإسلاموية وفى القلب منها جماعة الإخوان، وذلك فى بعض البلاد الأوروبية وعلى رأسها النمسا وألمانيا وفرنسا، بسبب تنامى ظاهرة التطرف باسم الإسلام وتنامى السلوك الانفصالى عند إسلامويى أوروبا، مما يصعّب أكثر فأكثر عملية اندماج المسلمين فى نسيج المجتمعات الأوروبية، ويشكل خطرًا على السلم والترابط المجتمعى.

من أجل تفادى الوصول إلى هذه المرحلة، بادرت النمسا وألمانيا بالتحرك لمحاصرة ظاهرة التطرف الدينى وممثليه من الجماعات الإسلاموية الشمولية الحركية وأذرعها الثقافية والاجتماعية والسياسية وفى القلب منها جماعة الإخوان.

أعلنت النمسا فى يوليو من عام ٢٠٢٠ عن إنشاء مركز توثيق الإسلام السياسى التابع لوزارة الاندماج للكشف عن أيديولوجيات الجماعات الإسلاموية وشبكاتها واستراتيجياتها، وعلى رأسها جماعة الإخوان.

واتخذت ألمانيا خطوات مشابهة للتى قامت بها النمسا، فأسست هيئة استشارية تابعة لوزارة الداخلية لبحث وتفكيك الإسلام السياسى وذلك فى شهر يونيو من العام الجارى ٢٠٢١.

تلك الإجراءات ليست كافية وحدها، حيث إن باحثى مركز «تريندز» يرون أنه لمواجهة فعالة للأيديولوجية الإخوانية فى أوروبا يجب تفكيك الأفكار المؤسسة لأيديولوجية الإخوان وتعريتها، وتبيان خطورتها على المجتمعات الأوروبية.

من شأن أى تحليل نقدى للنصوص التأسيسية للإسلاموية أن يُظهر ما يطلق عليه «متلازمة الإخوان»؛ التى تُلازم أى وجود لها فى الفضاء العام وتتنافى مع القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك.

كما أن مجابهة «الإخوان» تتطلب تفكيك الخطاب المتعاطف معها فى أوروبا ونقده ولكن بأساليب عملية ومنهجية، للحد من تأثيرها فى المجتمعات الغربية، وذلك فى ظل وجود لوبيّات أكاديمية تسعى إلى نشر ما يمكن تسميته حالة من الفوضى المعرفية، تهدف إلى فرض تفسير يتوافق مع مصالح الجماعات الدينية وحلفائها الاستراتيجيين.

كما يجب تجفيف مصادر تمويل الإخوان فى أوروبا أيضًا، خاصة أن الجماعة تعتمد على مشروعاتها واستثماراتها هناك فى «تجارة الحلال» للحصول على التمويل الكافى لنشر مشروعها الأيديولوجى والسياسى.

أيضًا فرض المزيد من الرقابة على الجمعيات الخيرية التابعة لها، مع العمل على سد الثغرات القانونية والمالية التى تستغلها الجماعة فى بناء شبكتها المالية والاقتصادية.

وأخيرًا يجب العمل على وجود اتفاق أوروبى يلقى الضوء على خطورة تلك الجماعة على مجتمعاته قبل كل شىء، حيث إن الخطوات المتخذة إلى وقتنا الحاضر لا تتعلق سوى بثلاث دول أوروبية فقط.

■ بعد سقوط تنظيم الإخوان فى مصر وتونس والمغرب يدور الحديث حول قرب نهاية تيارات الإسلام السياسى فى العالم أجمع، ما تعليقك؟

- تيارات الإسلام السياسى، خاصة الإخوان، فى مرحلة احتضار ومحاصرة من الكثير من دول العالم، وستزول قريبًا مع المزيد من تشديد الخناق عليها إقليميًا ودوليًا، وتجفيف منابع تمويلها على المستويين الإقليمى والعالمى.

والدليل على ذلك أن الشعوب العربية فقدت الثقة بأيديولوجية جماعات الإسلام السياسى وشعاراتها، إلى جانب ذلك لم تعد فكرة المظلومية والاضطهاد تلقى قبولًا أو تعاطفًا لدى الشارع العربى، خصوصًا بعد انكشاف خطورة أيديولوجيتها على المواطن والدولة وعلى الدين نفسه. 

من جانب آخر، بدأت تيارات الإسلام السياسى تتآكل من الداخل، واشتعلت فى صفوفها الانقسامات والأزمات والاستقالات الجماعية، ما يؤكد الخلل البنيوى والمشكلات التنظيمية التى تعانيها هذه التيارات، ناهيك عن قرارات الدول التى تصدر تباعًا بحظر أنشطة تيارات الإسلام السياسى وكياناتها. 

■ ما تفسيرك للجوء الإخوان للعب دور الضحية فى المجتمعات الأوروبية؟

- الحكومات الأوروبية لم تدرك خطر الإخوان إلا فى السنوات الأخيرة، عندما بدأت تعانى تبعات موجة التطرف والإرهاب التى تغذيها تيارات الإسلام السياسى عامة.

تأخرت القارة العجوز فى إدراك حقيقة الخطر الإخوانى بسبب عاملين أساسيين: الأول يرتبط بسياسة التَّقِيَّة التى يتبنّاها التنظيم الإخوانى، والتى تعد من أهم نقاط قوة المشروع الإخوانى وإحدى أدواته الرئيسية فى اختراق المجتمعات، والثانى عدم وجود أدلة مباشرة تربط الجماعة بأحداث العنف والإرهاب التى شهدتها المجتمعات الأوروبية فى السابق. أما بشأن مخاطر الإخوان فى أوروبا، فهناك ما نطلق عليه «متلازمة الإسلاموية»، أى مجموعة من العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة مع بعضها تلازم وتنتج عن أى وجود لهم فى الفضاء العام وتتنافى مع القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك:

احتكار الإخوان الحقيقة والدين، حيث تقدم الإسلاموية تفسيرًا واحدًا للدّين وللتاريخ الإسلامى على أنه من الحقائق الثابتة، بل وتسعى لفرض هذا التفسير- دون غيره- بالقوة على المجتمع، عزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع.

أيضًا الاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع، وسيادة شعار «أينما تكون مصلحة الجماعة فثم وجه الله» فى ممارستها السياسية. 

كذا تحويل المجتمع إلى حالة الصراع الدائم، ليصبح مجتمعًا منقسمًا على نفسه وصولًا إلى الحروب الأهلية، ومفهوم المواطنة فى نصوصها التأسيسية وفى ممارستها، سيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة وامتداداتها العابرة لحدود الدولة الوطنية، وسيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف فى نهجها السياسى للوصول إلى الحكم، مستندة إلى الاعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين.

حصر التفكير فى القضايا «العقائدية» الخلافية القديمة، ما يجعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة وبمعزل تام عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشرى. الخلط بين الدين والسياسة، فيدنس الدينى بإنزاله لمستوى السياسى ويرفع من شأن السياسى بتقديسه، فتنتج خلطة أيديولوجية يختلط فيها الرأى والتفسير بالنص المقدس، فيتداخلان ويكونان تدينًا جديدًا ينفجر إن عاجلًا أم آجلًا فى وجه كل من لن ينضوى تحت لوائه.

كيف استطاعت الجماعة اختراق المجتمعات الأوروبية؟

- اهتمام الإخوان بالغرب ليس حديثًا، بل يعود إلى خمسينيات القرن الماضى، حيث إنها تستهدف التمدد والانتشار ونشر ما تسميه «الدعوة»، وبعد ذلك طورت الجماعة رؤية استراتيجية لغزو بقية الدول العربية وصولًا إلى أوروبا، التى شكّلت صمام أمان لمشروعها الشمولى مستفيدة من توظيف خطاب براجماتى يستوعب هوامش الحرية فى الديمقراطيات الغربية وينشد ترسيخ جذورها فى الجاليات المسلمة المقيمة بمجتمعاتها، كما شكّل الاستثمار الاقتصادى أحد مداخل الجماعة الأساسية لتحقيق أهدافها فى التمدد عبر تشكيل نخبة اقتصادية نافذة، وإنشاء مؤسسات مالية فى الدول الغربية.

■ لماذا يصعب إدراج «الإخوان» ضمن قوائم الإرهاب فى أوروبا مثلما حدث فى الإمارات ومصر؟

- لأنها نجحت، حتى الآن، فى استجرار تعاطف الغرب معها من خلال تصدير خطاب المظلومية والاضطهاد فى مجتمعاتها الأم للمجتمعات الغربية، ما جعل العديد من التيارات فى تلك المجتمعات تقف معها وتقدم لها أشكالًا متنوعة من الدعم والمساندة، ما يجعل صانعى القرار الأوروبى فى حالة تردد لاتخاذ قرار حازم وصارم بتصنيف جماعة الإخوان إرهابية.

ولكن فى المقابل يجب ألا ننسى أن تيارات الإسلام السياسى تستخدم كأداة استراتيجية فى العلاقات الدولية والصراعات منذ نشأتها، فلنتذكر أفغانستان بعد عام ١٩٧٩ والربيع العربى عام ٢٠١١ وكيف تم توظيف تلك التيارات لهدر عقود من الزمان من تاريخ الشعوب العربية وإعادة بعضها الآخر قرونًا إلى الوراء. فمن الصعب اعتبار هؤلاء، بمنتهى السهولة، منظمة إرهابية.

■ فى رأيكم.. من هم أبرز رجال الجماعة فى أوروبا؟

- جماعة الإخوان تمددت فى أوروبا بالاستناد إلى أعمال وشركات نخبة اقتصادية إخوانية، إلى جانب نخبتيها الدينية والسياسية التى اجتهدت الجماعة فى تشكيلهما لصياغة خطاب أيديولوجى يوظف الدين فى خدمة السياسة، حيث برعت فى تشكيل نخبة اقتصادية قادرة على استثمار المال والأعمال فى تعزيز قوتها ونفوذها، ومنهم: رجل الأعمال المصرى يوسف ندا، وكان يشغل منصب المفوض لجماعة الإخوان فى الخارج، ويتم تقديمه على أنه وزير مالية الإخوان. وهناك إبراهيم الزيات المصرى الأصل والحامل للجنسية الألمانية أيضًا، ويعد أحد أعمدة التنظيم الدولى للإخوان، ترأس التجمع الإسلامى فى ألمانيا والذى يعتبر من أهم التنظيمات الإسلامية فى أوروبا.

وعصام الحداد، الذى تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية للشئون الخارجية فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، وينظر إليه على أنه إحدى أهم الشخصيات فى تمويل الإخوان فى لندن، وغيرهم الكثير من الشخصيات الداعمة لتنظيم الإخوان، فضلًا عن المؤسسات المالية الإخوانية المنتشرة فى أوروبا.

والأمثلة كثيرة ولكن الأهم هو معرفة أبرز من يساند الإخوان ويسعى إلى تحقيق أهدافها كأنه منها، وربما أكثر من الباحثين الغربيين وذوى الحظوة فى المجتمعات الغربية. فهؤلاء يطابقون بين الإسلام والإخوان تحديدًا.