رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرح لكل قرية

تسعدنى وتثلج قلبى أخبار العروض المسرحية فى قرى مصر المختلفة، هذه العروض جزء لا يتجزأ من مشروع حياة كريمة، طالبت فى بداية إطلاق المشروع بأن يكون لدينا «مسرح الشارع» و«مسرح الجرن» وهى تجارب قام بها مثقفون مصريون وأخرجت لنا مواهب كبيرة.. اتضح أن كل شىء مخطط له.. لم يمر وقت حتى انطلقت عروض مسرحية فى قرى مختلفة ضمن مفهوم «العدالة الثقافية».. هذا الحماس شجعنى على أن أفكر فى ضرورة أن يكون لدينا مسرح فى كل قرية.. لا أقصد أن نبنى مسرحًا بعشرات الملايين.. ولكن أن تكون لدينا فرقة مسرحية فى كل قرية، فرقة صغيرة، تستقبل المواهب.. المسرح هو أبوالفنون.. يقدم لك رؤية للعالم.. يتحدث عن المعانى الكبرى فى قالب ما ويختصر لك معانى كبيرة فى دقائق.. هذه الفكرة مرتبطة بفكرة أخرى وهى أن تكون لدينا «مبادرة ثقافية» فى كل قرية.. ليس بالضرورة أن يكون لدينا بيت ثقافة فى كل قرية، ولا قصر ثقافة، نحن نريد مبادرة ثقافية اسمها «ثقافة كريمة» أو «عقول كريمة» يديرها فى كل قرية مثقف موهوب، يتولى تنظيم الأنشطة، واكتشاف المواهب، والتواصل مع العاصمة، وتحديد الاحتياجات، هذه المبادرة أقرب إلى العمل الأهلى، يتم تمويلها من جهات مختلفة، مثل رجال الأعمال المحليين، وميزانيات المحافظات، ووزارة الثقافة، وجمعيات المجتمع المدنى.. ليس مطلوبًا ميزانيات كبيرة.. المطلوب فقط منافسة التطرف، والظلام.. التطرف ينجح لأنه يقدم للشاب الصغير رؤية للعالم، يشعره بأنه جزء من معنى كبير، وأنه مدعو لدخول الجنة، وإقامة الخلافة، وأستاذية العالم.. يشيطن له الواقع، ويعطيه دليلًا من واقعه نفسه، يقول له إن الحكومات تهمله، لأنها حكومات فاسدة وتسرق عائدات البلاد وخيراتها، وإنها كافرة أيضًا.. هو لن يخبره عن معضلات التنمية فى مصر والعالم الثالث، ولن يقول له إن علينا أن نعمل لكى نتقدم، ولن يقول له إن ثقافة الخرافة ومعاداة العلم هى سبب تأخرنا.. الإرهاب يسرق وعى الناس، ومبادرة «عقول كريمة» دورها أن تستعيد هذا الوعى، رائد المبادرة سيكون أقرب لكشافى كرة القدم، دوره البحث عن المواهب، تقديم الحد الأدنى من المعرفة، الموهوبون سيعرفون طريقهم بعدها جيدًا.. هذه الفكرة هى فكرة موازية لاستعادة قصور الثقافة المصرية لدورها.. وهو دور عظيم.. هذه الهيئة أسسها أبوالثقافة المصرية ثروت عكاشة، عهد بإدارتها لمثقف كبير يسارى هو سعد كامل، بسبب تغيرات السياسة تم التفكير فى تخريب الهيئة تعبيرًا عن العداء للفترة التى أسست فيها، كان هذا أكبر أخطاء الرئيس السادات، كان يخرب المؤسسات التى يشعر أن لليسار نفوذًا فيها بدلًا من أن يستعيدها لسيطرة الدولة، فعل ذلك مع منظمة الشباب، ومع هيئة قصور الثقافة، ومع مجلة الطليعة.. التصرف الصحيح هو الحفاظ على المؤسسات مع تغيير الأشخاص والسياسات، لعبت الهيئة أدوارًا مهمة مع رؤساء مثل سعدالدين وهبة وآخرين، وفى التسعينيات كانت سلاسل النشر فيها أكثر من مهمة، لكنها تخلت عن دورها الأساسى وهو العمل وسط الناس فى الأرياف، والقرى، الهيئة الآن تعانى من مشاكل كثيرة، وترقد فى ثناياها تيارات ظلامية، وتعانى من عقود من الإهمال، لكن استعادتها واجبة وممكنة، نريد أن يعود العمل الثقافى للقرى، أن نكتشف مواهب الناس فى الكتابة، والتمثيل، والرسم، والنحت، نريد أن تكون هناك كتب معروضة للناس، ليخرجوا من ضيق التطرف إلى رحابة العالم الواسع، عدد قصور الثقافة يزيد قليلًا على خمسمائة.. هذا الرقم لا يغطى احتياجات مائة مليون مصرى.. الحل هو مبادرة ثقافية فى كل قرية، تبدأ بها مؤسسة حياة كريمة، وتلعب كل هذه الأدوار.. والنتيجة ستكون رائعة، بحجم هذا البلد الملىء بالمواهب والعقول.