رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محرك «جوجل» يحتفل بذكرى مولده.. كيف تحرر محمد الفيتوري من هواياته القاتلة؟

الفيتوري
الفيتوري

في كتابه "الهويات القاتلة" يقول الروائي اللبناني الكبير أمين معلوف: "نظرتنا هي التي غالبا ما تسجن الآخرين داخل انتماءاتهم الضيقة، ونظرتنا كذلك هي التي تحررهم"٬ وبين ملايين البشر الذين خاضوا معاناة تجربة صراع الهويات في حياتهم، ثمة عدد ضئيل جدا حوّل هذه التجربة إلى مختبر للتفكير والتأمل العلمي والإبداعي٬ كان منهم شاعر إفريقيا محمد مفتاح الفيتوري، والذي يحتفل محرك البحث العالمي جوجل بذكري ميلاده، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1936.

العاشق الإفريقي محمد الفيتوري لم تشغله كثيرًا مسألة هويته ولم تمثل له مدينته الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان حنينًا خاصًا رغم إنها كانت مسقط رأسه فلم يلبث الأب ذو الأصول الليبية الشيخ مفتاح رجب الفيتوري أن شد الرحال وهاجر إلي الأسكندرية المدينة الكوزموبوليتانية حيث نشأ الفيتوري بين مناخ المدينة وفضائتها المفتوحة علي كل الأجناس والأديان والألوان٬ فلم تمثل له مسألة "من أنا" هما يذكر وسط مدينة يسودها التسامح وقبول الآخر، حفظ القرآن الكريم في مراحل تعليمه الأولى، ثم درس بالمعهد الديني حيث سجل نفسه كطالب سوداني وانتقل إلى القاهرة حيث تخرج في كلية دار العلوم بالأزهر.

كان الفيتوري يتنقل بين مصر والسودان وهو يحمل الجنسيتين المصرية والسودانية في آن لذا لم يكن من المستغرب أن يكون شعره بحجم القارة الإفريقية العذراء وقضياها المصيرية التاريخية الموضوع الأبرز والهم الشعري الأكبر في أشعاره ودواوينه عشقه لإفريقيا وتعلقه بها انعكس على تشكيلته فهو منازع بين السودان وطنه الأصلي ووطن والده وبين ليبيا التي ترجع له أصول والده وبين مصر التي نشأ ودرس فيها والمغرب التى تزوج منها ومات فيها.

صارت قصائد محمد الفيتوري سجلًا وديوانًا لكل أشكال الحركة المعاصرة بترسباتها وسباتها وثوراتها ومخاضها، وكأنما سكنت روحه شجر النيل أو خبأ ذاته في نقوش تضاريس أمته: "أنا زنجي قلها ولا تجبن لا تجبن! قلها في وجه البشرية أنا زنجي أنا اسود". في تلك الأبيات ينعتق الفيتوري من شعور الدونية وعلاقة الاستلاب التي تحكم جل أبناء القارة السمراء نتيجة لتاريخ استعبادها واستغلالها من الرجل الأبيض المحتل الغازي الذي نهب خيراتها وانتهك أبنائها عبيدًا وخدمًا له تحت دعاوى كثيرة زائفة عن عبء الرجل الأبيض في نشر المدنية والحضارة الغربية وانتشال الأفارقة من ظلمات الوثنية والهمجية "جبهة العبد ونعل السيد وأنين الأسود المضطهد تلك مأساة قرون".

تجسدت هموم محمد الفيتوري الإفريقية التي طرحها في دواوين: أغاني إفريقيا الصادر في عام 1955، عاشق من إفريقيا وصدر في عام 1964، أذكريني يا إفريقيا ونشر في عام 1965، ديوان أحزان إفريقيا والصادر في عام 1966.

يعتبر الفيتوري، جزءًا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وواحدًا من رواد الشعر الحر الحديث، يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها وغالبًا ما يركّز شعره على الجوانب التأملية، ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدماً أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية .

درست بعض أعمال الفيتوري الشعرية ضمن مناهج آداب اللغة العربية في مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان٬ كما عمل محررًا أدبيًا بجريدة الجمهورية حينما تبناه الشاعر كامل الشناوي بعدما ذاع صيته٬ وبعد انتقاله إلى السودان عام 1958 ترأس تحرير أكثر من مجلة وجريدة ومن أبرزها مجلة الإذاعة والتلفزيون السودانية وفي لبنان عمل محررًا أدبيًا في مجلة الأسبوع الأدبي ومحررًا في جريدة بيروت وشارك في إصدار مجلة الديار كما أسند إليه مهام رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية الليبية.

عمل الفيتوري خبيرًا للإعلام بجامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة ما بين 1968 و 1970 ثم مستشارا للشؤون السياسية والإعلامية بسفارة ليبيا في المغرب حيث قضى نحبه الأخير بعدما رفضت زوجته المغربية "رجاء" طلبًا للحكومة السودانية بنقل جثمانه ليدفن في موطنه.