رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. «الكوميسا».. وإفريقيا

استكمالًا لعودة القارة السمراء إلى حضن مصر، وتحت عنوان «تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الاقتصادى الرقمى الاستراتيجى»، استضافت العاصمة الإدارية الجديدة، أمس الثلاثاء، قمة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، «الكوميسا»، بحضور رؤساء، ورؤساء حكومات الدول الأعضاء، وعدد من رؤساء التجمعات الاقتصادية الإفريقية، فعليًا أو افتراضيًا.

القمة الحادية والعشرون لـ«الكوميسا» شهدت تسُلم مصر الرئاسة الدورية للتجمع، وأطلق خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى خطة العمل الاستراتيجية للفترة من ٢٠٢١ إلى ٢٠٢٥، التى تهدف إلى تعميق الاندماج الاقتصادى والتكامل الإقليمى بين دول التجمع، بالتوافق مع «اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية»، التى دخلت حيز التنفيذ فى يناير الماضى، إضافة إلى تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد الرقمى وتعزيز قدرة الدول الأعضاء على مواجهة التداعيات السلبية لوباء «كورونا المستجد» وتغير المناخ على اقتصاداتها. 

يضم تجمع «الكوميسا» ٢١ دولة إفريقية، يتجاوز تعداد سكانها ٥٥٠ مليون نسمة، ويقترب ناتجها المحلى الإجمالى من التريليون دولار، وكان متوسط معدل النمو الاقتصادى للتجمع قد بلغ ٥.٦٪ خلال سنة ٢٠١٩، لكنه شهد تراجعًا كبيرًا خلال السنة الماضية بسبب تبعات الوباء على معظم اقتصادات الدول الأعضاء. 

مصر، كما قال رئيسها، فى الكلمة الافتتاحية للقمة، تؤمن بأهمية التكامل الاقتصادى بين دول القارة، وتشجع كل المبادرات الهادفة إلى تسريع بيئة الأعمال، و... و... وعليه، استهدفت الرؤية المصرية لرئاسة «الكوميسا» طرح عدد من المبادرات، فى عدد من القطاعات الاقتصادية، ذات الأولوية، على الأجلين القصير والمتوسط، من بينها مبادرة للتكامل الصناعى الإقليمى، تتوافق مع الاستراتيجية الصناعية للكوميسا ٢٠١٧- ٢٠٢٦، وأجندة التنمية الإفريقية ٢٠٦٣، وتهدف إلى دراسة الموارد المتاحة لدى دول التجمع، والوقوف على المزايا النسبية المتاحة لديها، لدمج القطاعات الصناعية المستهدفة، فى سلاسل القيمة الإقليمية والدولية.

خلفًا لـ«منطقة التجارة التفضيلية»، تم إنشاء «الكوميسا»، سنة ١٩٩٤، كمنطقة تجارة تفضيلية تمتد من ليبيا إلى زيمبابوى. يهدف التجمع إلى الاستفادة من الحجم الكبير لأسواقها عن طريق تنمية التجارة والموارد الطبيعية والبشرية، وتحقيق المصالح المتبادلة للدول الأعضاء، والحصول على وضع أفضل فى المفاوضات مع الغير. ومنذ انضمامها للتجمع، فى ٢٩ يونيو ١٩٩٨، تلعب مصر دورًا محوريًا فى تفعيل وتطوير آليات عمله، وتشارك فى أنشطته وبرامجه، وتستضيف مقر الوكالة الإقليمية للاستثمار التابعة له. 

المادة ١٥٨ من اتفاقية «الكوميسا» تنص على تشجيع حركة الاستثمارات بين دول التجمع. غير أن ذلك، كما قال الرئيس السيسى، يتطلب بذل مزيد من الجهود لاستغلال المقومات الفريدة التى تحظى بها تلك الدول. ولأن نقص البيانات اللازمة للفرص الاستثمارية كان، ولا يزال، يشكل عقبة أساسية، تعهد الرئيس بأن تعمل مصر، خلال رئاستها التجمع، على دعم وتشجيع الأمانة العامة والدول الأعضاء، لإعداد قائمة بفرص استثمارية واضحة، على أن يتم عرضها على مجتمع الأعمال ومؤسسات التمويل، للعمل على تنفيذها، بما يسهم فى زيادة معدلات النمو الاقتصادى وتوفير مزيد من فرص العمل لمواطنى دول التجمع.

بدأت مصر تطبيق الإعفاءات الجمركية، مع دول التجمع، فى ١٧ فبراير ١٩٩٩، على أساس مبدأ المعاملة بالمثل. وإيمانًا منها بأهمية إقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء، كمقدمة لإنشاء السوق المشتركة، سارعت بالانضمام لمنطقة التجارة الحرة لـ«الكوميسا»، التى تم الإعلان عن إنشائها فى أكتوبر ٢٠٠٠. وتعهدت، أمس، بالعمل على إزالة أى عقبات، تحول دون تقديم الإعفاءات اللازمة، واقترحت وضع آلية لمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، بشكل دورى، وستسعى، كما أكد الرئيس السيسى، إلى متابعة هذه الآلية، بالتعاون مع الأمانة العامة والدول الأعضاء. خلال رئاستها التجمع، ستعمل مصر، أيضًا، على تشجيع جميع المبادرات التى تسهم فى تيسير بيئة الأعمال وتشجيع حركة الاستثمارات البينية للقطاع الخاص، فى القطاعات الإنتاجية المختلفة. وإلى جانب مشروع «القاهرة- كيب تاون»، الذى يربط دول القارة بشبكة سكك حديدية، ويمر بأغلبية دول «الكوميسا»، وعد الرئيس بالعمل على الانتهاء من دراسة جدوى مشروع الربط بين البحر المتوسط وبحيرة فيكتوريا، لتسهيل حركة التجارة، وانتقال الأفراد. كما تعهد الرئيس بالعمل على نقل الخبرات المصرية فى قطاع الكهرباء والطاقة للدول الأعضاء، وتشجيع جميع المبادرات الرامية لمواجهة التحديات المتعلقة بعجز الطاقة.

منذ استردت عافيتها، أثبتت مصر، بشكل عملى، ارتباطها الوثيق بواقعها الإفريقى، وأظهرت حرصها على دعم أمن واستقرار دول القارة، وتكاتفت معها للتغلب على جميع التحديات التى تواجهها، بدءًا من الإرهاب والنزاعات المسلحة، وليس انتهاءً بالتداعيات السلبية لوباء «كورونا المستجد» وتغير المناخ. والمؤكد، أنها ستعمل خلال رئاستها لـ«الكوميسا» على تنفيذ خطتها، استراتيجيتها، مبادراتها وتعهداتها، وتلبية تطلعات شعبها، وشعوب دول التجمع والقارة السمراء، إلى السلام والتنمية والتقدم والرخاء.