رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوعى وبناء الشخصية

فى خطاب للرئيس السيسى أمام البرلمان بعد إعادة انتخابه للرئاسة مرة أخرى، تحدث كثيرًا عن بناء الشخصية الوطنية، وكان الوعى أحد أهم المحاور لبناء هذه الشخصية، حتى إننا نستمع ونقرأ كثيرًا عن الوعى، فما هو هذا الوعى؟ 

ببساطة هو حالة عقلية تدرك الواقع وما يتم فيه وفى جميع مناحى الحياة، حتى تتكون رؤية متكاملة نحو هذا الواقع تمكن الشخص من تكوين رؤية تجعل لديه القدرة على المقارنة والمقاربة بين الأشياء، فيتم التعامل مع هذا الواقع بفكر وعقلانية تهدف إلى الصالح العام المجتمعى الذى هو صالح كل الأشخاص، وهذا هو الوعى الصحيح. 

والوعى قد يكون وعيًا حقيقيًا وصحيحًا يدرك القضايا المختلفة المطروحة حول الإنسان، إلا أنه قد يكون وعيًا مضللًا وزائفًا. 

والوعى الزائف هو ذلك الوعى الذى لا يدرك الأمور على حقيقتها، مما يجعل حكمه على مختلف القضايا والأمور المحيطة به حكمًا خاطئًا.

ويتشكل الوعى الزائف بالكثير من الطرق المحيطة بنا، حتى إنه يسيطر على العقل الجمعى، فلا يملك الشخص العادى غير السير فى طريق المجموع الذى ينتج ذلك الوعى الزائف. 

وهناك طرق كثيرة لتشكيل هذا الوعى، تلك الطرق التى يمكن أن تسهم فى خلق وعى حقيقى أو خلق وعى زائف، وهنا إشكالية تكوين الوعى.. وأهم هذه الطرق هى الخطاب الدينى والخطاب التعليمى والخطاب الإعلامى، وقد بدأنا بالخطاب الدينى على اعتبار أنه الخطاب المؤثر دون باقى الخطابات، لما للدين من تأثير مباشر فى الفرد والجماعة. 

والخطابان الدينى والتعليمى لديهما القدرة التأثيرية على خلق حقائق أخرى لقلب الموازين وخلق رأى عام تجاه قضية بذاتها، الشىء الذى يسهم فى تشكيل وعى زائف تجاه قضية، ويكون هدف هذا الوعى مصلحة حزبية أو طائفية أو ذاتية، كما أن الإعلام بشكل عام دائمًا ما يكون إعلامًا منحازًا لصالح قضايا تهم صاحب الوسيلة الإعلامية فى المقام الأول، فلا يوجد ما يسمى الإعلام المحايد، ولذلك لو تابعت وسيلة إعلامية معينة فى قضية معينة ترى وجهة نظر تختلف كل الاختلاف مع وسيلة أخرى عالجت ذات القضية، ولكن من منظور المصلحة وليس الصالح العام، الشىء الذى يخلق وعيًا منحازًا غير موضوعى، فيسهم فى إيجاد محاور فكرية ومواجهات حزبية وصراعات طائفية وانتماءات قبلية لا تصب فى الصالح العام الوطنى الذى هو صالح الوطن، أى صالح الجميع. 

كما لا يمكن هنا أن نغفل دور الفن والثقافة والنخبة فى التأثير على تكوين الوعى.. فالفن بكل أنواعه- خاصة الدراما السينمائية والتليفزيونية- له تأثير كبير وخطير يمكن أن يفوق الخطابين الدينى والتعليمى، لما للدراما من تأثير مباشر تتجمع فيه الحواس والعاطفة والوجدان والعقل، لذا فكل منا يتذكر ولا ينسى موقفًا دراميًا أو مشهدًا سينمائيًا قد أثر فيه وما زال يؤثر عن طريق المخزون فى العقل الباطن، ناهيك عن حالة الغناء التى أسهمت فى تشويه الوجدان وتكوين إحساس غير سليم، مما يربى ويسهم فى خلق سلوكيات غير سليمة وغير سوية، إضافة إلى ذلك دور النخبة فى كل المجالات التى لها تأثير مباشر لما لهذه النخبة من مكانة بين الجماهير. 

هنا، هل سنظل نتكلم ونتكلم ونرفع الشعارات النظرية بعيدًا عن العمل والفعل على أرض الواقع حتى يمكن أن نربى وعيًا صحيحًا؟ 

فلا بد من تعليم عصرى يتواكب مع المتغيرات العالمية، وهنا سيظل دور المدرسة فاعلًا ومؤثرًا فى تكوين الوعى والشخصية مهما تعددت الأساليب.. كما أن تصحيح الفكر الدينى هو الباب الذهبى للقضاء على ذلك الوعى الزائف الذى يسيطر على البشر باسم الدين. 

أما الفن فلا بد من زيادة إنتاج الأعمال الدرامية الهادفة والتى تسهم فى خلق وعى صحيح وهو ما نراه يحدث الآن.. أما النخبة فبالقطع إن تفعيل كل هذه الوسائل المكونة للوعى ستسهم فى تجديد النخب، خاصة السياسية التى انتهى عمرها الافتراضى.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.