رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة الحدود بين بولندا وبيلاروسيا.. الخلفية والتداعيات

المهاجرين
المهاجرين

لا تزال مأساة آلاف المهاجرين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا متواصلة، وسط مخاف من أن تتطور إلى أزمة خطيرة في العلاقات بين الدول المعنية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من جهة، وكل من بيلاروسيا وروسيا من جهة أخرى.

أزمة لاجئين على الحدود

تدفق الآلاف من اللاجئين على حدود بيلاروسيا مع بولندا بهدف الوصول إلى أوروبا الغربية، وانتهى بهم الحال إلى الإقامة في مخيمات مؤقتة في برودة قاسية، بينما تراقبهم قوات الأمن البولندية من خلف سياج من الأسلاك الشائكة لمنعهم من دخول البلاد.

من جانبه اتهم الاتحاد الأوروبي رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، بالمساعدة في عبور الحدود بشكل غير قانوني انتقاما من عقوبات الاتحاد الأوروبي عليه في وقت سابق.

 يخشى مراقبون من أن تتطور الأزمة نحو صدام عسكري بين بيلاروسيا وبولندا، ومن خلفهما يقف كل من روسيا والاتحاد الأوروبي.

تحركات دبلوماسية

دعت بولندا أمس الأحد حلف شمال الأطلسي إلى اتخاذ "خطوات ملموسة" لحل أزمة المهاجرين العالقين على الحدود مع بيلاروسيا، وعلق رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي إن بلاده وليتوانيا ولاتفيا قد تطلب إجراء مشاورات بموجب البند الرابع من معاهدة حلف الناتو، مشيرا إلى احتمال فرض المزيد من العقوبات الأوروبية على بيلاروسيا بما في ذلك "الإغلاق الكامل للحدود".

وبموجب هذا البند يمكن لأي دولة عضو أن تطلب إجراء مشاورات إذا رأت أن وحدة أراضيها أو استقلالها السياسي أو أمنها عرضة للتهديد.

اتهامات لـ "روسيا".. ودعم وأمريكي لـ"بولندا"

من جانبه، اتهم رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي، بشكل صريح الرئيس الروسي بالوقوف وراء أزمة المهاجرين، فيما رفض الكرملين اتهامات رئيس الوزراء البولندي، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: "نعتبر تصريحاته بأن روسيا مسؤولة عن هذا الوضع غير مسؤولة وغير مقبولة على الإطلاق".

فيما ألقت روسيا باللوم على الاتحاد الأوروبي في أزمة المهاجرين المستمرة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا. بينما أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مكالمة هاتفية مع نظيره البولندي زبيجنيو راو مجددًا دعم الولايات المتحدة لبولندا فيما اسماه بـ"استغلال بيلاروسيا للمهاجرين المستضعفين".

ما وراء أزمة الحدود

التقديرات تشير إلى أن أزمة الحدود بين بيلاروسيا وبولندا هي مجرد إشارة على أزمة خفية أكبر، وأن  آلاف اللاجئين العالقين، وغالبيتهم من العراقيين، هم مجرد ورقة ابتزاز وتصفية حسابات بين بيلاروسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، لا سيما ليتوانيا وبولندا المجاورتين لها".

 يرى مراقبون أن اللعبة أكبر من اللاجئين العالقين هناك، وأن الأزمة هي صراعات نفوذ ذات أبعاد تاريخية وجيوسياسية معقدة، مثل الصراع التقليدي بين الناتو وروسيا، لا سيما في مناطق التماس الجغرافية الحساسة والرخوة بين الطرفين، مثل المنطقة التي علق فيها هؤلاء اللاجئون.

الخلفية تعود الاحتجاجات التي شدتها بيلاروسيا في أعقاب انتخابات أغسطس 2020 التي منحت الرئيس ألكسندر لوكاشينكو ولاية سادسة في منصبه، بينما رفضت المعارضة والغرب النتيجة ووصفوها بالخداع.

وردت السلطات البيلاروسية على المظاهرات بحملة قمع شرسة أدت إلى اعتقال أكثر من 35 ألف شخص، فيما رد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات على حكومة لوكاشينكو.

وتم تشديد هذه القيود بعد حادثة وقعت في مايو الماضي، عندما حولت بيلاروسيا طائرة ركاب كانت متجهة من اليونان إلى ليتوانيا إلى مينسك، حيث اعتقلت السلطات الصحفي المعارض رامان براتاسيفيتش، وهي الحادثة التي وصفها الاتحاد الأوروبي بالقرصنة الجوية ومنع شركات الطيران البيلاروسية من دخول أجوائها ووقف واردات أهم السلع في البلاد.

بينما جاء رد "لوكاشينكو" إنه لن يلتزم بعد الآن باتفاق لوقف الهجرة غير الشرعية، بحجة أن عقوبات الاتحاد الأوروبي تحرم حكومته من الأموال اللازمة لاحتواء تدفقات المهاجرين، وبعد ذلك بدأت الطائرات التي تقل مهاجرين من العراق وسوريا ودول أخرى في الوصول إلى بيلاروسيا، وسرعان ما اتجهت إلى الحدود مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا.

واتهم الاتحاد الأوروبي لوكاشينكو باستخدام المهاجرين كورقة ضغط ضد الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات، فيما أظهر الاتحاد الأوروبي تضامنًا قويًا مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا. ومن المتوقع أن يناقش مسؤولو الاتحاد الأوروبي جولة أخرى من العقوبات ضد بيلاروسيا، بينما تلقت بيلاروسيا دعماً قوياً من حليفتها الرئيسية، روسيا ، التي ساعدت في دعم حكومة لوكاشينكو بالقروض والدعم السياسي.

ماذا بعد ذلك؟

تشير التقديرات إلى أن بيلاروسيا تستضيف ما بين 5000 و 20000 مهاجر ولاجئ من الشرق الأوسط وأفريقيا، فيما يشعر سكان بيلاروسيا بعدم الارتياح بشأن وجودهم ، مما يزيد الضغط على السلطات للتحرك.

يتوقع بعض المراقبين أن يقوم “لوكاشينكو” بتصعيد الأزمة والضغط على الاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات التي وجهت ضربة موجعة للصناعات البيلاروسية الرئيسية".