رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفكير النقدي والتربية الإبداعية

 

ونحن بصدد الاحتفاء بمناسبة ذكرى ميلاد عميد الأدب العربي ووزير المعارف ( التربية والتعليم حاليًا ) الأهم والأعظم في تاريخنا الحديث الدكتور طه حسين ( 15 نوفمبر 1889 ) ، نتذكر له مقولة  "..ليس التلاميذ ليمونًا ولا برتقالًا ، وليسوا بطيخًا ولا شمامًا نفحصه أشد الفحص قبل أن نشتريه ، وإنما هم ناس مثلنا "..
وعليه ، أرى أهمية توجه الدولة وبعزيمة صادقة ومستنيرة وعملية للتأكيد على أن التعليم ملف حقوقي تجاه فلذات أكبادنا .. نعم ، رأت دولة 30 يونية أن التعليم والصحة والسكن والحياة بكرامة إنسانية جميعها ملفات حقوقية ينبغي التفاعل معها برؤية آدمية قدمها بتفرد للمجتمع العالمي الرئيس عبد الفتاح السيسي وعبر منظومات يتم تطبيقها بالفعل على الأرض ، و نراها مشاريعًا على الأرض في مشاهد الافتتاحات والتشغيل بعد أن عانينا أزمنة صعبة تقودها أجهزة تقليدية كسولة تعتمد أشكال من الدعائية المدغدغة والمؤثرة على مشاعر البسطاء منا بالاكتفاء بعرض متابعات مشاهد وضع حجر الأساس وقص الشريط على فترات متباعدة.. 
نعم ، ولأول مرة ونحن نضع أسس بناء جمهورية جديدة تقدم فيها الدولة إنجازاتها كاملة على الأرض عاملة وبضمانات ومواصفات علمية قابلة للاتجاه للمستقبل بنجاح مشهود له .. إنجازات قابلة للاستمرارية والنمو والقدرة على صياغة نظم وآليات قادرة على المنافسة على المستوى العالمي .. وباختصار بات لمصرنا العظيمة مايمكن أن نطلق عليه المشروع القومي الأهم عبر التاريخ الحديث ..
على سبيل المثال ، وفي مجال مواجهة مشاكل المنظومة التعليمية ، لايمكن التقليل من الجهود التي تبذلها الدولة بشكل عام وجهود وزارة التربية والتعليم الحالية بشكل خاص في مجال تطوير الآليات والنظم والأهداف والرؤى المعالجة لثغرات العمل التعليمي والتربوي والانفلات من المسلمات التقليدية التي تجاوزتها كل أنظمة التعليم المتقدمة في العالم والكفيلة بتوفير جودة التعليم ، بل والذهاب إلى تحقيق مشاريع تكفل متعة التعلم ..
ولاشك أن الصعوبات التي تواجه تطبيق بعض آليات التطوير ، والتي تعود لتراكم تكلسات سلبية إدارية وتربوية واجتماعية وثقافية على مدى مايقارب نصف قرن من أزمنة الاستقرار المظهري البليد وتداخلات رجعية من قبل جماعات التديين المظهري المُضلة روحيًا وتربويًا وثقافيًا واجتماعيًا ، فضلًا عن مقاومة أصحاب المصالح المادية التي تمكنهم من رقاب أولياء أمور الطلاب وإمكاناتهم المادية والاجتماعية .. ( ممالك إنتاج وطباعة الكتب الخارجية / مراكز للدروس الخصوصية / بعض المدارس الخاصة التي لا يشغلها غير تحقيق الأرباح التجارية ، وغيرها ..)..كما أن ظروف اجتياح جائحة "كوفيد" وما فرضته من نظم للتباعد الاجتماعي قد ساهمت  في إنشاء حالة ارتباك مباغتة  ( ولعل الإفادة من نظم التعليم "أون لاين" التي قطعت أجهزة الوزارة شوطًا في تطبيق آلياتها وتوفير الأجهزة وبرامج التطبيقات الالكترونية ، كان لها الأثر الطيب في التخفيف من تبعات " الجائحة" وأثرها على النجاح في تواصل العملية التعليمية  ).. 
وأذكر أن المطالبة بتطوير نظم التعليم حدوتة تجدد الكلام عنها عبر العديد من الحقب الماضية  ، ولعل أحدثها التقرير الدولي للتعليم الصادر عن هيئة اليونسكو 1998م، والذي وصف التأثيرات الجوهرية التي يمكن أن تلعبها التكنولوجيا في تطوير أساليب التعليم والتدريس التقليدية، وللاستفادة من إمكانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة في مجال تنمية مهارات التفكير عند الطلاب، الأمر الذي استدعى الاهتمام بمجموعة شروط أستأذن القارئ العزيز في عرض بعضها لعل في التذكير بها ما يفيد :
• إتاحة الفرصة للمعلمين والطلبة للوصول إلى الأدوات الرقمية والتكنولوجية والإنترنت للاستفادة منها في الفصول والمدارس والمعاهد.
• أن يتوفر لكل من الدارسين والمعلمين على حد سواء محتوى على درجة عالية من الجودة والوضوح والتفاعل الثقافي.
• توفر المعرفة والمهارات اللازمة لاستخدام الأدوات والمصادر الرقمية الجديدة من أجل مساعدة جميع الطلبة في تحقيق معايير أكاديمية عالية.
وللاستفادة القصوى من وسائل التكنولوجيا والاتصالات في تطوير التعليم يتحتم إثراء المتعلمين والمعلمين بكفاءات ومهارات خاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووضع برامج تأهيل وتدريب، وإنشاء أدوات تعليمية وعلوم جديدة في أصول التدريس، إضافة إلى وضع برامج تعليمية خاصة لتوفير توجيهات محددة للاستغلال الأمثل للتكنولوجيا الحديثة في إطار الثقافة والاحتياجات والظروف الاقتصادية وتطوير استراتيجيات وخطط العملية التعليمية لتتناسب مع التطور التكنولوجي الحاصل في العالم، ورصد الإمكانات المادية اللازمة لذلك مع تعاون المؤسسات الخاصة والعامة بعضها مع بعض لخدمة الوظيفة التربوية التي ستنهض بالمجتمع في جميع وظائفه.
وهنا ، أرى أهمية الاعتماد وتفعيل والدفع بآليات التفكير النقدي وأهمية بث مفاهيمه لدى أطفالنا وشبابنا في كافة مؤسسات التنشئة والتعليم والرياضة والتثقيف ودور العبادة ، فضلًا عن اعتماد نهجه في البيت المصري ..
ولعلنا نرى  في كل ممارسة حياتية ، وتفاعلًا مع ما نشهده من تبعات التطوير المادي والمعنوي على الأرض سلبية كانت أم إيجابية ، فقد تكون لهذه التبعات والتداعيات آثارًا على الكثير من المتغيرات النفسية لدى الطلاب كالإقبال على التجريب بدافعية ، والتوافق النفسي مع الذات ومع الغير ، وقدراتهم على التفكير، فكلما شغلتهم قضايا ثانوية تقليدية تراجعت قدراتهم على التفكير ، وانخفضت درجات جاهزيتهم للانتاج ، الأمر الذي يتطلب معه أن تعمل كل المؤسسات السابق الإشارة إليها لدعم تنمية قدرات ذهنية وعقلية لتوفير مستويات عقلية وأنماط من التفكير الناقد أكثر رقيا من قبل.
وفي النهاية ، ينبغي التركيز عبر تنفيذ برامج خطة ( 2020 / 2030 ) لتقديم كوادر مهنية محترفة على وعي بمتطلبات العصر المعرفية والتقنية ( موجه ومعلم و مرشد تربوي ..وإداري ورائد أنشطة ) لإثراء  الأجيال الطالعة بملكات الحس الإبداعي ودعم مواهبهم الفنية ، وتمكينهم من تطوير وتنمية التفكير النقدي لديهم باعتباره هدفًا ومطلبًا تربويًا للطالب بشكل عام، والطالب المعلم بشكل خاص ..