رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الجبن والشجاعة.. لماذا لم يدافع الرجال عن قتيل الإسماعيلية؟

مذبحة الاسماعيلية
مذبحة الاسماعيلية

في مشهد تقشعر له الأبدان، شهدت مدينة الإسماعيلية، منذ أيام، حادث ذبح أحد الأشخاص في وضح النهار وفصل رأسه عن جسده، لخلق حالة من الجدل حول موقف المواطنين الذين وقفوا شاهدين على الحادث دون أن يتدخل أحدهم لإنقاذ الموقف، ودرء الأذى عن الضحية، فيما عدا رجل بسيط يصطحب دراجته التي استخدمها لمنع المتهم مؤقتًا للوصول إلى المجنى عليه.

سيل من الاتهامات وجهت إلى هؤلاء المواطنين، أقلها وصفتهم باختفاء الرجولة والشهامة من الدماء التي تجري بعروقهم، بينما اعتبر البعض أن هذا الأمر سُبه في جبين أهالي الإسماعيلية، بل امتد ذلك الوصف إلى الشعب المصري بأكمله.

هل تغيّرت تصرفات الشعب المصري مع مثل تلك الجرائم البشعة؟، وما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟.

الشيخ أحمد ترك: الحادث صعب الاستيعاب

ردًا ربما يكون غير متوقعًا أدلى به الشيخ أحمد ترك أحد علماء وزارة الأوقاف لـ«الدستور»، على اتهام المواطنين الشاهدين على مذبحة الإسماعيلية بانعدام الرجولة، نتيجة عدم دفاعهم عن القتيل، قائلا: «المواطنون في هذه الواقعة تحديدًا معذرون، لأنها كبيرة على استيعابهم، كما أنه وفي حال تدخلهم أكثر من ذلك كان من الممكن وقوع العديد من الإصابات»، مشيرًا إلى أن القاتل هنا ليس بمجرمًا عاديًا، وليس بحالة طبيعية كما أن الأمر ليس بهين وهو ما يدفع الكثيرين بالطبع إلى التوقف أكثر من مرة قبل الإقدام على المساعدة، خشية من وقوع المزيد من الأرواح وبهذه الطريقة البشعة التي لا يتمنى أحد أن يراها لنفسه أو لغيره.

الشيخ أحمد ترك

 

 رئيس لجنة الفتوى الأسبق:لهم العذر وغير آثمين

بينما التمس كذلك الشيخ عبد الحميد الأطرش العذر للمواطنين الذين وقفوا موقف «المتفرج» ولم يحرك لهم ساكنًا وسط وقوع مذبحة نكراء بهذا الشكل قائلًا: «كانوا في حالة ذهول من هول الموقف، وهذا حقهم»، موضحًا أن هذه الجرائم غريبة على مجتمعنا المصري، ولم يعتادها من قبل لذا، فلم يعرف كيف يمكن التصرف معها، مشيرًا إلى أن حتى فرعون هذا الملك الظالم بكل جبروته لم يرتكب جرائم بمثل هذه البشاعة، لذا أوضح أنهم غير آثمين لكون الذهول كان مسيطرًا عليهم. 

الشيخ عبد الحميد الأطرش

وأكد الأطرش لـ«الدستور» أن الشعب المصري ما زال بخير ولم تغب عنه الشهامة والنخوة والرجولة كما يدعي البعض، وهناك الكثير من المواقف اليومية التي تشهد على ذلك، مؤكدًا أن العديد من أحداث الشجار تحدث بالشارع المصري ونجد من يساند ويدافع، ويحاول منع تفاقمها.

استشاري الطب النفسي:  موقف المتفرجين طبيعي 

وفي ذات السياق، أكد الدكتور هشام ماجد، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان أن المواطنين الشاهدين على الواقعة أصيبوا بحالة من الذهول التام، وكان من الطبيعي جدًا وقوفهم دون التحرك، مضيفًا أن ذلك الحادث إذا كان قد وقع في أي مكان سيكون الموقف والتصرف واحد.

وأكمل هشام لـ «الدستور» أن الشعب المصري معروفًا بطيبته وعاطفته وكذلك شهامته، ولكن مثل هذه الجرائم ربما لم يسبق وأن رآها من قبل سوى كمشاهد فقط في بعض الأفلام الأجنبية، ولا يتصور أن تحدث أمامه في الواقع.

هشام ماجد استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان

وأضاف: «أي محاولة للتعامل مع هذا المتهم في مثل الحالة ستمثل مخاطرة كبيرة وتهورًا»، مؤكدًا أن أكبر دليل على ذلك ما تسبب فيه المتهم من إصابة أكثر من شخص آخرين بإصابات بالغة لمجرد فقط أنهم كان يمرون جانبه، فما بالنا وقد حاول هؤلاء الأشخاص التدخل؟، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع إلى أن هذا المتهم قد غيبته تمامًا المخدرات وجعلته في عالم آخر،  لا يدري ماذا يفعل، لذا التصرف السليم في هذه الحالة  فقط هو سرعة إبلاغ النجدة.

وتابع «ماجد»، أنه من بين أسباب عدم تحرك المواطنين كذلك ما يُعرف بظاهرة المتفرج السلبي، وهي تعني أنه كلما زاد عدد المتفرجين قلّ عدد المتدخلين لفض المشاجرة، والعكس صحيح.

وتُفسَر هذه الظاهرة بأنه كلما كان العدد كبيرًا يشعر كل فرد من المتفرجين بأن هناك من هو أقدر منه للمساعدة والتدخل وينتظر إقدام هذا الشخص، وينتج عن هذا أن لا أحد يتدخل، بالإضافة إلى أنه في هذه الظاهرة أيضًا يخشى الأفراد التدخل خوفًا على مظهرهم أمام الحشد الكبير في حال فشلهم في منع المشاجرة.

واختتم استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن انتشار الجرائم بشكل عام في الشارع المصري، وارتفاع معدل عنفها يرجع إلى عدة عوامل، ولعل أهمها انتشار المخدرات.

جمال فرويز:  لا يمكن أن تنبع هذه التصرفات إلا من مدمن

أما عن التحليل النفسي للمتهم، أوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي أن التصرف الذي جاء به مرتكب جريمة الإسماعيلية لا يمكن إلا أن ينبع من شخصًا مدمنًا للمخدرات، وليس من شخصًا سويًا على الإطلاق، مشيرًا إلى أن أي  شخص قد يحمل جينًا وراثيًا لمرض عقلي وتعرضه لتعاطى المخدرات أو للضغوط نفسية شديدة يجعله يواجه ما يعرف بالاضطراب الزهاني.

دكتور جمال فرويز

ما هو الاضطراب الذهاني؟

وفسّر «فرويز» الاضطراب الذهاني بأنه عرض يواجه المريض وينتج عنه ضلالات في التفكير مثل أن يكون هناك أفكار خاطئة مسيطرة على عقله، كالظنون السيئة بالأشخاص وبناء قصص خيالية تربطه بهم، ومن ثم التصرف على أساسها.

ويسبب الاضطراب الذهاني الهلاوس السمعية والبصرية، والتي من شأنها أن تخدع المريض بأشياء تحدث حوله كأن شخص يتتبعه ويراقبه، وتملي عليه هذه الهلاوس ما يجب فعله من ردود أفعال شيطانية ردًا على ما ملأت عقله به، بالإضافة إلى أنها قد تلجأه إلى التصرف بأشياء غريبة مثل أن يمشي  يكلم نفسه ويهذي بأقوال غير مفهومة.

وهذا ما حدث في واقعة الإسماعيلية، حسب فرويز، مشيرًا إلى أن الانتقام من شخص نتيجة ارتكابه أي جريمة مهما كانت صعوبتها لا يمكن أن يتم بهذه البشاعة إلا وإذا كان الشخص المنتقم مهزوزًا نفسيًا وبالأغلب ينتج هذا الاهتزاز النفسي نتيجة تناول الأقراص المخدرة مثل الترامادول وما شابه، وهنا يستدعي أكثر للمشاهد العدوانية التي يراها، على سبيل المثال ما يفعله أعضاء تنظيم داعش من ذبح مواطنين، لذا فقد حاكى هذا المتهم شكل الزي الذي يرتدونه فظهر مثلهما.


أما عن علاج هذه الحالات النفسية فأوضح «فرويز» أنه ينبغي في البداية اعتراف أهل المريض بمرضه، وألا يتم التعامل معه على أنه مسحورًا كما يحدث في الكثير من الحالات والتي ترفض أن تذهب بذويها إلى الطبيب النفسي، وهو ما يجعل الأمر يزداد سوءًا وتحدث جرائم بمثل هذه البشاعة، بل يجب سلك العلاج النفسي القويم الذي يتدرج مع المريض للخروج به من هذا المأزق.
أحد شهود العيان: اعتقدنا أن الجاني يضرب الضحية بيده

وكان قد كشف أحد شهود العيان، كواليس ابتعاد الناس عن القاتل في حادث الإسماعيلية الذي وقع صباح الاثنين الماضي، موضحًا أنه كان يمر في الشارع وقت حدوث الجريمة، واتصل بمدير أمن الإسماعيلية فور وقوع الحادث، ليتواجد الأمن خلال 5 دقائق من الواقعة، مشيرًا إلى أن الجاني شاهد المجني عليه يستقل تروسيكل فأوقفه، وتحدث معه 5 دقائق قبل الصدام.

وأضاف، أن شهود العيان اعتقدوا أن الجاني يضرب الضحية بيده، ثم فوجئوا أنه أصابه بسلاح أبيض صغير في رأسه وصدره ورقبته، ثم استخدم الساطور حينما حاول المجني عليه الجري.

وتابع أن بعض الحضور حاولوا إنقاذ المجني عليه في حادث الإسماعيلية، لكن الجاني اعتدى على أكثر من شخص ليصيب 4 أشخاص، بينهم مواطن تعرض لإصابة بالغة في قلبه.

 

البطل صاحب الدراجة: قولتله «يا ابني كده غلط» 

بينما روى بطل مذبحة الإسماعيلية، إسماعيل يوسف عبدالسلام، أحد سكان شارع دمنهور بحي السلام  وصاحب الدراجة الهوائية، والذي تدخل بشكل فعلي لإنقاذ قتيل حادث الإسماعيلية أنه كان ذاهبًا لقضاء طلبات المنزل من السوق الصغير وفوجئ بشخص يصرخ وينزف الدماء، وشخص آخر يضربه بالساطور في جسده وسط تجمع الناس: قولتله «يا ابني كده غلط»، وحمل العجلة لحمايته ولكن المتهم لم يلمس العجلة-حسب وصفه- ورد عليه قائلًا: «سيبني ده اغتصب أمي واختي».

وتابع «إسماعيل» أن الناس لم تتحرك وقتها وتفعل أي شيء لإنقاذ القتيل، مضيفًا أنه عندما عاد للمنزل وشاهد الفيديو أصيب بالذهول، موضحًا أنه لو تدخل الناس كان ممكن أن لم يتم فصل الدماغ.

بطل مذبحة الاسماعيلية

صاحب محل عمل المتهم: لو موجود كنت ضربته

بينما قال صاحب محل السمك الذي كان يعمل فيه المتهم محمد عبد الرحمن الشهير بـ«دبور» إنه لو كان موجودًا بين الحاضرين ما كان يترك المتهم ليفعل فعلته في القتيل،  بل كان سيمنع ذلك بإلقاء أي شيء عليه: «حتى لو كنت حدفته بطوبة أو إزازة»، موضحًا أنه لو كان اجتمع الحاضرين على ذلك ما كان وصل الأمر إلى هذه البشاعة.
وفي الوقت ذاته شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الانزعاج الشديد من ردود أفعال المواطنين الصامتة، وتبادلت أقاويل المتابعين حول القلق من المجتمع، بعد أن أصبح بهذا الشكل من «الجُبن» والسلبية، على حد قولهم.

تعليقات المتابعين

 داليا أحمد، أحد رواد «فيسبوك» تقول: «مشهد فرجة الناس علي جريمة الإسماعيلية ومحدش اتحرك يخليني ويخلي أي بنت تترعب إن لو اي حد اتعدى عليها في الشارع محدش هينقذنا وهيقفوا يتفرجوا ويطلعوا لايفات ويتصوروا سيلفي.. هي النخوة والإنسانية راحت فين يابشر؟.. انتم يا بشر تستحقوا إيه؟». 

بينما علّق محمد إبراهيم قائلًا: «لما جريمة تحصل قدام أكتر من 200 فرد في عز الضهر، وما حدش يتحرك ده اسمه منتهى السلبية وانعدام الشهامة واللي بيدافعوا عن كدة يبقى لما حد ييجي بيته ويتهجم عليه وعلى أولاده ياريت مايقولش ألحقوني».

وأخيرًا، يظل الأمر بين مؤيد ومعارض لموقف المواطنين محيرًا يطرح السؤال هل كان هنا الجبن سيد الأخلاق، أم كان من الممكن أن تصبح الشجاعة هي البطل الخالد في هذا الحادث الذي ربما من بشاعته لن يمحوه التاريخ.