رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأستاذ عبدالغفار شكر

فى مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات اتصل بى الأستاذ عبدالغفار شكر يطلب أن ألتقيه فى اليوم التالى فى المقر المؤقت لحزب التحالف الشعبى الاشتراكى فى وسط البلد، لم أسأل عن السبب، ولكنى كنت سعيدًا لأننى سألتقى رجلًا له منزلة كبيرة فى قلبى، رغم عدم تعارفنا من قبل.

ذهبت قبل موعدى بربع الساعة، كان المكان مزدحمًا بالأصدقاء والحماس، وكان يجلس إلى صديقى الكبيرين مدحت الزاهد وطلعت فهمى، وهو كان سعيدًا لأننى أعرف كل الموجودين تقريبًا وهم يعرفوننى، سألنى عن مكان سكنى وعن بلدى الأصلى، وهل أنا متزوج وعندى أولاد؟، الحميمية فى الحوار وابتسامته الودودة جعلتنى أسأله: أنا تحت أمر حضرتك ولكنى لا أعرف لماذا أنا هنا؟، أجاب: «عايزينك معانا فى الحزب.. هنا فى المقر أو فى الهرم أو فى بركة السبع».

حاولت أن أقول له إننى سعيد بظهور حزب يسارى يضم كل هذه الوجوه النقية وعلى رأسه شخص مخلص ونبيل عف اليد والقلب واللسان، ولكنى لست مؤهلًا للعمل الحزبى، وحكيت له واقعة فارقة فى حياتى، وهى تركى «أو طردى» من عمل اشترط القائمون عليه انضمامى لحزب ما حتى يتم تعيينى، وأننى تحت أمره فيما يطلبه منى ولكن دون عضوية، خصوصًا فيما أعرف فى المجال الثقافى الذى استثمرت عمرى فى خدمته.

ورغم هذا، جاءوا لى باستمارة عضوية، كتبت فيها البيانات المطلوبة، ولكنى لم أكمل بقية الإجراءات، أكثر من مرة يطلب منى حضور اجتماعات، ذهبت مرتين أو ثلاثًا، ولم أكن مستمتعًا بسبب الكلام الكثير وتباين وجهات النظر، ومع هذا كنت معجبًا برحابة صدره ومحاولاته التقريب بين المختلفين، لم أشارك بكلمة واحدة، ولم أصبح عضوًا فى الحزب، ولكن كبرت المودة بيننا.

كان يعتقد فى بعض اللحظات أننى صاحب نفوذ ما فى مكان عملى بالأهرام، ويطلب تدخلى لمساعدة شخص فى البحث عن وظيفة أو خدمة، كان مشغولًا بمساعدة الآخرين، وحين أقول له إننى لا أستطيع ولا أملك أى سلطات فى الموضوع الذى يهاتفنى بسببه، يسأل عن رقم الشخص الذى بيده الأمر، ويواصل جهوده وينجح أحيانًا، كنت منبهرًا بشخصيته وسيرته وتاريخه وتواضعه وعلمه الغزير.

أنت أمام رجل لم يتغير رغم تعاقب الأنظمة، يسارى يرفع لافتة العدالة الاجتماعية، ولد فى ٢٧ مايو ١٩٣٦ بقرية تيرة مركز نبروه محافظة الدقهلية، لأسرة وفدية، جده كان عمدة القرية، وورث والده هذه العمودية، دعمت أسرته مرشح الوفد فى انتخابات مجلس النواب سنة ١٩٤٦، واستقبلت فؤاد باشا سراج الدين، سكرتير الحزب، نكاية فى حسن باشا عاشور، نجل عميد الإقطاع فى القرية، وبسبب هذا تمت إقالة والده من العمودية، وإقالة كل أقاربه من وظائفهم، ليموت والده بالسكتة القلبية بعدها بعام واحد، كان عمر الأستاذ عبدالغفار ١١ عامًا، ورأى بعينيه البريئتين المظالم الواقعة على أسرته، وعلى الشعب كله.

لم يجد ضالته عند الإخوان ولا غيرها، ولكنه استقر على تبنى الأفكار الاشتراكية بعد أن دله عمه عليها سنة ١٩٥١، انضم إلى هيئة التحرير عام ١٩٥٣، ثم إلى الاتحاد القومى عام ١٩٥٨ عقب تخرجه فى الجامعة فى كلية الآداب جامعة القاهرة فى العام نفسه، ثم الاتحاد الاشتراكى عام ١٩٦٣، قبل أن يتولى أمين التثقيف فى تنظيم الشباب الاشتراكى عام ١٩٦٤، إضافة إلى الانضمام إلى التنظيم السرى الطليعى، كان باستطاعته أن يعوم على عوم الرئيس السادات ليصبح مثل رموز زمنه وزمن مبارك، ولكنه انحاز للطبقات الفقيرة.

شارك فى إنشاء حزب التجمع فى السبعينيات، وأسهم فى التأريخ لتجربته من خلال كتابيه: منظمة الشباب الاشتراكى: «تجربة مصرية فى إعداد القيادات ١٩٦٣- ١٩٧٦»، والطليعة العربية «التنظيم القومى السرى لجماعة عبدالناصر ١٩٦٥»، كان مهمومًا بعدة قضايا بينها قضايا التطور الديمقراطى، المجتمع المدنى بالوطن العربى، قضايا العولمة والرأسمالية وتأثيرها على العرب، قضايا وخبرات العمل الحزبى والسياسى، وأيضًا تجربة جيل السبعينيات فى النضال السياسى، وبالطبع دعمه للقضية الفلسطينية.

ومن خلال موقعه كنائب لرئيس مركز البحوث العربية والإفريقية دعم نضالات شعوب القارة السمراء، ودافع قدر استطاعته عن الحريات الخاصة والعامة للشعب المصرى من خلال منصبه كنائب لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، الأستاذ عبدالغفار شكر الذى رحل عن دنيانا الأحد الماضى، أحد أعمدة الوطنية المصرية، الذى كان وجوده بيننا يشعرنا بالطمأنينة.. ألف رحمة ونور عليه.