رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بلا طوارئ

بالطبع الإنسانى يتوق المرء إلى الفرحة عندما يتبين له انتصارًا ما فى أى مجال، وتزداد الفرحة حين يكون هذا الانتصار يعنى تحقيق مطالب أو رغبة كان يتوق لها، خاصة حين يتحول موقع الانتقاد إلى موقع الإنجاز، أتحدث هنا عن وقف العمل بقانون الطوارئ الذى عانى منه الشعب بكل أشكاله ومسمياته، ومنذ فرض الأحكام العرفية عام ١٩١٣ والتى فرضتها بريطانيا أيام الحرب العالمية الأولى حتى الآن باستثناء عدد قليل من السنوات فقد عشنا قانون الطوارئ، خاصة خلال زمن مبارك على مدى ثلاثة عقود، والذى كان يجدد كل عام.
حالة الطوارئ هى فى الغالب الأعم تكون حالة استثنائية ولظروف استثنائية تفرضها دول العالم فى حالات الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية أو فى مواجهة ظرف يهدد سلامة الوطن، ولذلك فقانون الطوارئ هو قانون وتشريع يدخل ضمن المنظومة التشريعية للدولة، وتطبيق الطوارئ لا شك يحتم إجراءات وقرارات تدخل فى إطار الاستثناء الذى يخص المجال العام والمجال الخاص مثل منع التجمهر لغير عدد محدود جدًا، تحديد الإقامة والتحرك، الاستيلاء على الملكية الخاصة إذا لزم الأمر، وضع قواعد للنشر وإبداء الرأى بما يتوافق مع المصلحة العليا للوطن فى تلك الظروف.. إلخ.
وهنا لا يزايد أحد على قرار الوقف، خاصة أن توقيت إصداره تواكب وتكامل مع إعلان الوثيقة الوطنية لحقوق الإنسان، كما أن مقولة الضغط الخارجى الذى حتم هذه القرارات نقول إن الضغط الخارجى لا ولن ينقطع على مصر أبدًا، ولكن هى الظروف الموضوعية التى ساعدت وأنجزت هذا الإنجاز كما جاء بإعلان القرار وهى دور الشعب العظيم الذى دفع الثمن من دمه وجهده وعرقه لمحاصرة الإرهاب، الشىء الذى دفع لاتخاذ القرار.
وهنا يجوز القول على المستوى العملى والواقعة أن الطوارئ بالنسبة للمواطن العادى لم تكن محل اهتمام للكافة ولكن للخاصة، فالمواطن العادى لا يريد غير الحصول على لقمة العيش وضمان حياة إنسانية له ولأسرته، ولذا الطوارئ كانت تعمل فى إطار مواجهة الإرهاب والإجرام الذى كان يقابل بقرار الاعتقال.
أما على المستوى السياسى فكانت هناك محاذير لا تترك الحرية الكاملة للممارسة السياسية والجماهيرية، وكذلك فى إطار إبداء الرأى، فكان هناك بعض الخلط بين العمل السياسى المعارض الشرعى وبين الأعمال غير الشرعية، والتى تهدد سلامة الوطن، وهذا كان عائدًا لما يسمى بثقافة الطوارئ نظرًا لطول الوقت الذى عشناه فى كنف هذه الطوارئ.
الشىء الذى يجعلنا ننبه إلى بعض الممارسات التى يمكن أن تتم نتاج هذه الثقافة التى يجب أن تستبدل بثقافة الوعى وحرية إبداء الرأى حتى نحقق فعل المشاركة فى اتخاذ القرار بعيدًا عن أشكال الرقابة الرسمية التى ألغيت والرقابة النفسية التى هى نتاج تلك الثقافة، وإسقاط ثقافة الطوارئ يتطلب فتح المجال العام لكل الآراء، حتى يكون هناك تنويع وتنوع فى الآراء السياسية وغير السياسية تساعد صاحب القرار فى اتخاذ القرار السليم الذى يعبر عن الجماهير فتتبناه الجماهير وتلتزم به. 
هنا فنحن نحتاج إلى تشريعات تساعد فى تغيير المناخ من الطوارئ إلى المناخ السياسى العادى، خاصة فى إعطاء الفرصة للرأى الآخر فى الإعلام بكل وسائله، وليس الاكتفاء على المؤيد فقط، كما نأمل بوضع حدود للحبس الاحتياطي حتى لا يتحول إلى غير هدفه القانونى مع إعادة النظر فى قضايا الرأى، والتى لا علاقة لها بالإرهاب أو العمليات الإرهابية، حتى يمكن أن نعيد تحالف ٣٠ يونيو مرة أخرى، وهذا بالطبع غير أى تعامل أو مصالحة مع من مارس ويمارس الإرهاب ويستنزف دماء الأبرياء تحت أى مسمى كان.
الآن وفى ظل ما يتمتع به الوطن العزيز من أمن وأمان وبناء وتعمير، يجب فتح النوافذ والأبواب لكل الاتجاهات السياسية الشرعية والوطنية حتى تتفتح ألف زهرة تنشر أريجها فى ربوع الوطن حتى يتنسم الشعب الحرية ويتمتع بالأمن ويعيش الأمان، الشىء الذى سيجعله أكثر حبًا وانتماءً وإخلاصًا للوطن لمصر الغالية.
حفظ الله مصر وحفظ شعبها العظيم الذى يحدث المعجزات فى التوقيت المناسب والمطلوب.