رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحثة الجزائرية رزيقة عدنانى: «الإرهابية» تريد العودة للحكم الدينى الثيوقراطى

الباحثة الجزائرية
الباحثة الجزائرية رزيقة عدنانى

قالت رزيقة عدنانى، الباحثة فى الفكر الإسلامى عضو المجلس التوجيهى لمؤسسة «إسلام فرنسا»، إن تجارب جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، فى الحكم بدول الشرق الأوسط، كشفت عن عدم قدرتها على تسيير أمور الدول، وجعلت الناس يدركون الفارق بين الشعارات والعمل الميدانى. وأضافت الباحثة الجزائرية، فى حوارها مع «الدستور»، أن جماعات الإسلام السياسى لم تخدع الغرب، لكنها عرفت كيف تستخدم قيمه الأخلاقية والسياسية مثل الحرية والمساواة والديمقراطية لصالحها، كما أن مصالحها توافقت مع التيار اليسارى، وقبول المجتمعات الأنجلوساكسونية للطائفية باسم الحرية الفردية.

وأشارت إلى أن تنظيمات الإسلام السياسى تتلاعب بالكلمات، وتدعى الإيمان بالحريات والديمقراطية والدولة المدنية، لكنها فى الواقع تريد احتكار السلطة والعودة إلى نمط السلطة الدينية الثيوقراطية، مؤكدة أنه لا يمكن التصدى لذلك إلا عبر تجديد الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى، وفصل السياسة عن الدين، بالشكل الذى يعيد للإسلام قيمه الروحية التى أفرغتها تلك الجماعات من مضمونها.

■ بداية.. ما تقييمك لأفكار جماعة الإخوان وطريقة عملها فى العالم الإسلامى والغرب؟

- الأيديولوجية الإخوانية تقوم على الإيمان بأن الحكم يجب أن يمارس باسم الدين وتطبيقًا لقوانين الشريعة، ورغم أن هذا التصور يتوافق مع رؤية كثير من المسلمين، إلا أن المشكلة هى أن الإخوان يعتبرون أنفسهم، وهم فقط، من يعرف الإسلام الحقيقى، ويريدون احتكار السلطة، وينشطون كمنافسين وخصوم سياسيين للأنظمة والدول الإسلامية نفسها. 

أما على المستوى العالمى، فإن الإخوان ينشطون على أساس أن الإيمان بأن العالم كله يجب أن يكون مسلمًا، وأن الإسلام يجب أن يسود، ويتحركون فى كل مكان لتحقيق ذلك، والمشكلة كما قلت هى أنهم يعتبرون أنفسهم هم الإسلام، لذا أسسوا منظمة لا تعرف الحدود الجغرافية.

■ كيف نجحت هذه الجماعة فى اختراق المجتمعات فى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة؟

- الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى لم تغير أساليبها فى الغرب عما تمارسه فى الشرق، فهى تستخدم نفس الأساليب التى استعملتها دائمًا فى اختراق المجتمعات، وعلى رأسها بسط النفوذ على المدارس والمؤسسات التعليمية، لأن طفلة وطفل اليوم هما امرأة ورجل الغد.

كما تنشط الجماعة فى السيطرة على وسائل الإعلام، مثلما رأينا فى سنوات الثمانينيات فى الجزائر، حيث كان الإخوان يسيطرون على التلفزة الوطنية، وإلى جانب ذلك فإنهم يخترقون الأحياء الفقيرة عن طريق الأعمال الخيرية ومساعدة المستضعفين ما يسمح لهم بتمرير أيديولوجياتهم. ‏

وتتضمن أساليبهم أيضًا التأثير على المرأة بصفتها نصف المجتمع، مع دعوتها لارتداء الحجاب، خاصة أن الإخوان، مثل كل الجماعات التى تمارس الإسلام السياسى، ترى فى الحجاب راية خارجية لانتصار مشروعها السياسى، لذلك تركز دعايتها عليه. 

ويعنى ذلك أن طريقة الإخوان وأفكارهم واحدة، لكن ما جدد فيه الإخوان هو اللغة التى يستعملونها، لا فى الغرب فقط ولكن فى المجتمعات الإسلامية نفسها، ‏فكثير منهم يصرح اليوم بأنهم ديمقراطيون ويحترمون حقوق المرأة، لكن الحقيقة أنهم لا يعترفون بالديمقراطية بالمعنى الحقيقى لهذا المفهوم، وإنما يستعملونها وسيلة للوصول إلى الحكم. 

كذلك تزعم جماعات الإسلام السياسى أنها تريد دولة مدنية، لكنها لا تعنى الدولة المدنية بالمعنى الحديث، وإنما ‏تريد حاكمًا لا يكون من المنظمة العسكرية، ولكن يمارس الحكم باسم الدين، كما يجعل السلطة الحقيقية فى يد رجال الدين، من الجماعة، الذين يراقبون الحكم، مما يعيدنا إلى نمط الحكم الثيوقراطى.

أما بالنسبة لحقوق المرأة، فهم يؤكدون ضرورة ضمانها، لكنهم يذكرون دائمًا بأن ذلك سيكون ضمن حدود الشريعة، وفق تفسيرهم الذى لا يعطى المرأة نفس حقوق الرجل.

■ ما الآليات التى استخدمتها الجماعة لخداع الغرب؟

- جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى لم تخدع الغرب، لكنها عرفت كيف تستخدم قيمه الأخلاقية والسياسية مثل الحرية والمساواة والديمقراطية لصالحها، وهذا ما فعلته فى فرنسا مثلًا. 

وسبق أن صرح قادة التنظيم ورموزه فى مناسبات عديدة بأنهم لا يؤمنون بهذه القيم الأخلاقية والاجتماعية الغربية، لكنهم يستفيدون منها لترسيخ أيديولوجياتهم وسياساتهم فى الغرب‏.

المشكلة هى أن الغرب، وتحديدًا التيار اليسارى فيه، لم يرد أن يرى ذلك، فهو تحت اسم مساعدة المستضعفين ساعد جماعات الإسلام السياسى على حساب المجتمعات الغربية وقيمها.

وكذلك، فإن قبول العالم الأنجلوساكسونى للطائفية ‏باسم الحرية الفردية ساعد الإخوان بشكل كبير على القيام بأنشطتهم باعتبارهم يمثلون المسلمين. 

ويجب ألا نغفل حقيقة أن المجتمع الأوروبى، من أجل مواجهة مشكلة شيخوخته وبحثًا عن توفير اليد العاملة الرخيصة، استورد شبابًا من دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وكثير من هؤلاء الشباب هاجر إلى الغرب وهو متشبع بأفكار الإسلام السياسى السائد فى المجتمعات الإسلامية.

■ هل هذا ما ساعد رموز الإخوان مثل طارق رمضان على التسلل للنخب الغربية؟

‏ - طارق رمضان، حفيد مؤسس الإخوان حسن البنا، يزعم أن هناك إمكانية لقيام إسلام غربى خاص فى أوروبا، ويقول إن الدين الإسلامى يتلاءم مع الحداثة والحضارة الغربية، ويدعى أنه يريد إصلاح الإسلام وتجديده، ما جعل وسائل الإعلام الفرنسية تمنحه مساحة كبيرة للحديث، وهو ما وظفه لخدمة أغراض التنظيم.

وفى الحقيقة، فإن تصور طارق رمضان، وأعضاء التنظيم، لا يتلاءم مع الحضارة الغربية وقيمها، كما أنهم لا يعملون على أى إصلاح، وإنما يتلاعبون بالكلام فقط، مثلما نلاحظ فى كتاب «رمضان»، الذى حمل اسم «الإسلام: الإصلاح الراديكالى». 

■ فى تقديرك.. أترين أن جماعات الإسلام السياسى تعانى من الضعف حاليًا بعد فضح أهدافها وأجنداتها فى الشرق الأوسط وسقوطها فى تونس والمغرب مؤخرًا؟

- السبب الأول الذى جعل جماعة الإخوان، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، تضعف هو انتشار صور المجازر والأعمال الإرهابية التى قامت بها عناصرها فى الشرق الأوسط وأوروبا، خاصة بعدما أوصلت بعض وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعى الحقيقة للجمهور، ما جعل المسلمين أنفسهم يسحبون الثقة من هذه الجماعات.

أما السبب الثانى، فهو أن تقنيات التواصل الاجتماعى الحديثة مكنت الخطاب الناقد للإسلام السياسى من التعبير عن نفسه، وهو ما يختلف عما كان سائدًا فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، عندما كانت الجماعات تسيطر على الإعلام.

السبب الثالث هو أن وصول جماعات الإسلام السياسى إلى السلطة فى عدة دول، وعدم قدرتها على تسيير أمور الدول، جعلا الناس يدركون أن الإخوان والجماعات المتربطة بها ليست الحل للأزمات السياسية والاجتماعية، وأدركوا أيضًا أنه لا يكفى القول إن «الإسلام هو الحل» لتحل كل المشاكل، فهناك فارق كبير بين الشعارات والعمل فى الميدان.

■ كيف تقيمين الإجراءات التى اتخذها بعض دول الغرب لمواجهة نفوذ هذه الجماعات؟

- ‏هذه إجراءات لها تأثير على المدى القريب لا البعيد، فالإجراءات التى اتخذتها فرنسا هذا العام، رغم أنها ضرورية، ومنها اعتماد قانون ضد الانفصالية، والمعروف بقانون «تدعيم مبادئ الجمهورية»، إلا أنها لا يمكن أن تعطى النتائج المرجوة منها على المدى البعيد.

وإذا أردنا أن نغير الأمر على المستوى البعيد، فيجب العمل على تطوير الخطاب الدينى نفسه، وهذا ما يجب أن يقوم به المسلمون أنفسهم، عن طريق إعادة النظر فى فهمهم وتطبيقهم الدين، وعلاقتهم بالنصوص الدينية، وعلاقتهم بالآخر، لأن هنا تكمن المشكلة فى الحقيقة، خاصة أن جماعات الإسلام السياسى أقحمت الدين فى أمور السياسة إلى درجة أنها أفرغته من محتواه الروحى.

ولذلك تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الإسلام السياسى ظهر فى سبعينيات القرن الماضى واستخدمه المفكرون الفرنسيون لأول مرة، للإشارة إلى الجماعات التى تنشط باسم الدين الإسلامى من أجل الوصول إلى الحكم، وذلك تمييز لعناصر هذه الجماعات عن بقية المسلمين، الذين يؤمنون بالإسلام باعتباره دينًا وحياة روحية لا وسيلة سياسية. 

■ هل يمكن لتلك الجماعات أن تستعيد نفوذها فى البلدان التى لفظتها أم أنها ستتوجه لدول جديدة لنشر أجندتها؟

- ما دام الحل لا يتعدى المستويين السياسى والأمنى، فإنها بالتأكيد ستعود، فلا يجب أن ننسى أن الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر واجه الإخوان فى مصر، لكنه لم يقض عليهم، لأن الحلول السياسية لا تقضى على وجود الجماعة اجتماعيًا وفكريًا، لذا ستكون هناك دائمًا فرصة لعودة الجماعات التى تريد الوصول إلى الحكم عن طريق استعمال الدين، سواء الإخوان أو غيرها من جماعات الإسلام السياسى.

■ ما مقترحاتك للتصدى لذلك؟

- لا يمكن وقف نفوذ الإخوان وجماعات الإسلام السياسى فى الغرب إذا لم يكن هناك حل لهذه التنظيمات فى العالم الإسلامى، وسبق أن قلت ذلك فى فرنسا، عندما أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن رغبته فى إصلاح «إسلام فرنسا»، مع العلم بأن ما أراده فعلًا هو إصلاح الشئون الإدارية للإسلام فى فرنسا، وليس الإسلام نفسه. 

وعلى ذلك، يجب إصلاح الخطاب الدينى وتجديده لينظر إلى المستقبل لا إلى الماضى، مع بناء إسلام جديد من نفس النصوص يكون متكيفًا مع القيم الجديدة للعصر الذى نعيش فيه، فلا شىء يمنع ذلك، ولا شىء يقول إن الأولين امتلكوا الحقيقة المطلقة.

ولا بد أيضًا أن يكون الفصل بين السياسة والدين هو إحدى غايات هذا التجديد، لأن ذلك هو ما يجعل السياسة سياسة وليست دينًا، ويجعل الإسلام دينًا وليس سياسة، وهذا الفصل هو ما يمكن الدولة من تحقيق أهدافها كدولة عصرية، فمن مصلحة الإسلام أن يتحرر من السياسة التى تستخدمه، حتى يعود دينًا يستجيب لحاجات الإنسان الروحية، وليس لرغباته فى السلطة السياسية أو الاجتماعية، لأن الجماعات التى تستخدم الإسلام لأغراض سياسية أو اجتماعية غايتها ليست الدين ولا الله، ولكن السلطة.

والمشكلة هنا هى أن فكرة فصل الدين عن السياسة تخيف كثيرًا من الناس الذين يعتقدون أن الدين يحتاج إلى سلطة الدولة كى تحميه، وما يغفلونه هو أن الدين يقوم على الإيمان الذى هو قناعة داخلية وشخصية بحتة، والدولة لا يمكن أن تحميه لأنها لا تستطيع أن ترغم الإنسان على الإيمان، مثلما لا يمكنها أن تمنعه عنه إذا أراد أن يؤمن. 

وعندما يحتاج الدين إلى الدولة، التى هى قوة خارجية، كى تحميه، فمعنى ذلك أنه لم يعد دينًا بل أصبح سياسة، كما أن هذه الفكرة تتعارض مع النصوص الدينية التى تدعو إلى حرية الفرد فى الإيمان وعدم الإيمان.