رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سنوات التكوين 2»

وائل لطفي يحاور فيلسوف السينما داود عبدالسيد: أشاهد الأفلام التي صنعتها وأسأل نفسي كيف صنعت هذا الفيلم؟

داود عبدالسيد
داود عبدالسيد

ثقافة نور الشريف كانت تدفعه للاستجابة لكل رغباتى ولكن يبدى رأيه كواحد من أسرة الفيلم 

محمود عبدالعزيز كان يمارس بعض الدلال أحيانًا لكن فى النهاية لم يحدث بيننا خلاف كبير 

«البحث عن سيد مرزوق» يروى قصة الطبقة الوسطى خلال أربعين عامًا وهى قصتنا كلنا 

تعلمت من والدى أن أستمع لإذاعة القرآن الكريم لأن التلاوة منتج ثقافى مصرى

علاقات الزواج فى «مواطن ومخبر وحرامى» تعبير عن فكرة التواطؤ وأنه سيستمر ويزداد

كنت أظل عشر سنوات دون تصوير فيلم جديد حتى لا أقدم شيئًا لا يعجبنى  

فى مارس الماضى، كنت قد انتهيت من كتاب عن دعاة السبعينيات، قلت لنفسى إننى قضيت عمرًا أطارد ما أكرهه، ولكننى لم أكتب عما أحبه، قفز إلى ذهنى الأستاذ داود عبدالسيد، كان فيلمه «البحث عن سيد مرزوق» أول فيلم مختلف أشاهده فى حياتى.. كنت فى السنة الأولى من كلية الإعلام، وعادل إمام هو بطل طفولتى.. أدركت أن للسينما دورًا آخر غير التسلية.. كنت مشغولًا بفكرة أخرى، وهى أن أجيالًا جديدة تتصدر المشهد تعويضًا عن ظلم تاريخى، ورغم تأييدى لهذا بكل قلبى فإننى أرى أننا يجب أن نكرّم الأجيال الأقدم، هم جزء من ثروة مصر الناعمة، بمعنى أصح هم جزء من ذاكرة الجمال التى يجب الحفاظ عليها.. كان آخر مشهد عام للأستاذ داود على منصة سياسية، كان يقف ضمن مجموعة يعلن بيانًا للمعارضة، شعرت بأن الرجل يقف فى مكان ليس مكانه، هو فيلسوف، والسياسة هى فن التفاصيل، هو كما أراه يبدو مترفعًا، والسياسيون يبحثون عن المكاسب طوال الوقت.. وهكذا.. بدا لى غريبًا على المشهد، لكننى بكل تأكيد احترمت موقفه الذى أختلف معه.. أذكر أننى وصلت مبكرًا عن موعدى معه عشرين دقيقة كاملة، وقلت له إننى قطعت الطريق من الشيخ زايد لمصر الجديدة فى أربعين دقيقة، بفضل المحاور الجديدة والكبارى.. قال إنه لا يرتاح لهذه المحاور! قلت له ما هو غير المريح فى أن يوفر الإنسان ساعات كان يقضيها من عمره على الطرق؟.. ضحكنا وبدأنا الحوار عن السينما وبعيدًا عن السياسة.. داود عبدالسيد واحد من مثقفى الستينيات العظام، وصانع «البحث عن سيد مرزوق» و«الكيت كات» و«أرض الخوف» و«أرض الأحلام» و«رسائل بحر».. فيلسوف السينما، وصاحب التساؤلات الكبرى.. اتفقت معه على أن يكون حوارنا قراءة فى سنوات التكوين، وتجربته فى صناعة الأفلام، وشهادته على ٥٤ عامًا مضت منذ تخرجه فى معهد السينما وحتى الآن.

■ تحدثنا فى الحلقة الماضية عن فاتن حمامة ورغبتها فى التدخل فى تفاصيل الفيلم، هل واجهت هذه المشكلة مع محمود عبدالعزيز أو نور الشريف؟

- لا، هما كانا جيلًا ثانيًا، نور ذكى ومثقف وممثل عظيم، ومحمود عبدالعزيز بالنسبة لى كان اكتشافًا فى الصعاليك، أحيانًا محمود كان له بعض «الدلع» لكن كنت أستوعبه.

■ هل كان يصمم على تنفيذ وجهة نظره مثلًا؟

- لا لا.. لا هو ولا نور.. أنا أذكر فى «الصعاليك» هناك مشهد يضعان فيه التراب على بدلة رجل ثرى يلعب دوره خيرى بشارة، أثناء سيره فى شارع فى الإسكندرية، صورت المشهد، ثم عندما جئت لتصوير الفلاش باك صورته فى شارع آخر.. نور الشريف قال لى «الفلاش باك» يجب أن يكون فى نفس الشارع.. بمعنى أن نعيد المشهد حرفيًا، قلت له: لا.. وشرحت له، أنك عندما تتذكر مشهدًا.. عقلك لا يعيده لك حرفيًا بشكل فوتوغرافى.. ولكن عقلك يلقى ظلالًا عليه، لم يقل شيئًا ووافق. هو يقول رأيه كواحد من الفيلم، أو كصديق، أى فنان من حقه أن يقول رأيه، ولكن المخرج له الرأى النهائى.

■ أريد أن أسأل عن أهم ما قرأته فى الفلسفة؟

- يضحك.. ولا قرأت فى الفلسفة ولا أى حاجة!.. قصدى أن ما قرأته فى الفلسفة، مثل ما قرأته فى أى مجال آخر، أنا أبحث عما بداخلى وأحاول أن أعبر عنه.. ما هى الفلسفة فى النهاية؟، نظرتك للحياة قد تكون فلسفة.. هل ستمنع أى أحد فى الدنيا أن تكون له نظرة للحياة.. أو أن يحاول أن يفهم تجربته؟.. إذا كانت هذه الفلسفة فلا بأس.. هناك أحداث تؤثر فيك، فتقتنع بما تفعله، وليس بما كنت تنوى أن تفعله.. دائمًا كنت أقول إن يد عازف البيانو ليست مثل يد النجار، لأنها تتشكل بما تفعله، وأنت تتشكل بما تفعله، وبالتالى الحل عندك أنت، لو لم تعجبك حياتك غيرها.. وادفع الثمن.. كن على قدر المسئولية.. أنت لا تحتاج أن تقرأ الفلسفة حتى تصل لهذا المعنى.. أنا مثلًا فكرت أنه لو لم أستطع أن أكون صوتًا مميزًا فى السينما، فلا داعى لأن أصبح مخرجًا.. هذا ليس قرارًا فلسفيًا، ولكنه قرار حياتى ومزاجى. 

■ هل هذا نابع من رغبة فى التميز؟

- ليس فى التميز.. لو لديك فى منزلك عشرة كراسى.. لماذا تشترى كراسى أخرى؟.. ما قيمتها؟.. إذن الفكرة فى ماذا تضيف؟ ماذا تريد؟ هل تريد أن تكسب نقودًا؟.. عمرى ما كان هدفى من العمل فى السينما هو النقود، رغم أنى لست غنيًا، ولم أرث نقودًا من أسرتى، ولكن عمرى ما كان هدفى أن تكون لدىّ ثروة.. الحمد لله أنا لا ينقصنى شىء حاليًا، لكن لم يكن هذا هدفى من الأساس.. هدفى أن أحصل على أجر جيد، فى الحقيقة طوال عمرى لم أحصل على أجر مرتفع جدًا. 

■ لكنك حققت ما تريد؟

- نعم بالضبط.. أحيانًا كنت أبقى بين كل فيلم وآخر خمس سنوات، وأحيانًا عشر سنوات بلا عمل.. كنت أقلق، ولكن من المستحيل أن أخرج فيلمًا لا أحبه.. كنت أختار البقاء بلا عمل. 

■ قرأت لك تصريحًا تقول فيه «أنا كسول»؟

- كسول بأى معنى؟ أنا مزاجى.. لا أستطيع أن أخرج فيلمًا لا أحبه، أنا أتحرك عندما تستفزنى فكرة معينة، هناك كاتب سيناريو أو مخرج يكتب ما يطلب منه، أو يعمل فى المتاح أمامه، يريد أن يعمل كل يوم، ويكسب كل يوم، أنا لست هذا الشخص، ولكن هذا ليس كسلًا، لأنه لا يوجد شىء قدمته ولم أتعب فيه جدًا.. أنا كنت أنتهى من عمل لأبدأ التفكير فى العمل الذى يليه، ولم أكتب أى سيناريو بسرعة باستثناء سيناريو واحد.. هو «الصعاليك».

محمود عبد العزيز

■ ماذا كنت تفعل فى الوقت بين كل فيلم والآخر؟

- أقرأ.. بشكل عادى.. أو أفكر فى مشروعى القادم.. أو أكتب.. أمارس الحياة بشكل بسيط، ولم يكن لدىّ أبدًا ضغط مادى.. لم أكن غنيًا أبدًا، ولكن أيضًا لم أكن فقيرًا لدرجة العوز، كنت موظفًا.. أحصل على ١٧ جنيهًا فى أول التعيين، لم يكن مبلغًا كبيرًا، ولكن كانت له قيمة شرائية، ودائمًا كنت أقول إن مصر فيها معجزة، وهى أنك تستطيع أن تعيش بأى مبلغ.. والأمور تسير دائمًا.. هناك فترة كنت أعزب والحياة بسيطة.. ليس معنى هذا أنى أكره النقود.. ولكن الموضوع هو كيف ستأتى بها؟ ممكن شخص يحب النقود فيسرق.. وواحد آخر يعمل حتى يحصل عليها، وعندما تزوجت كان مرتبى نصف مرتب زوجتى «كريمة كمال»، لأنها صحفية، والصحفيون وقتها كانت مرتباتهم جيدة، كنا نعيش بشكل عادى، وفى فترات كنت أقترض من أصدقائى، أو من والد زوجتى، حتى نعيش.. كنا سعداء، وليست لدينا مشاكل، وزوجتى تفهم هذا، وليس عندها استعداد لأن تدفعنى لتقديم تنازل.. كانت لدينا سيارتان «نصر» هى سيارتها طراز ١٢٨ وأنا سيارتى ١٢٧، قلت لها سنظل نقترض حتى تصبح الديون مساوية لثمن سيارتى، وقتها نبيعها ونسدد الديون، لكن لم تصل المسألة أبدًا لهذا الحد، ولم يكن هناك شىء صعب جدًا ولا شىء سهل جدًا، وعندما وصل ابنى يوسف لسن المدرسة، كانت زوجتى تريد أن تلحقه بمدرسة من مدارس اللغات الحديثة، ولكنى قلت لها سندخله مدرسة من المدارس القديمة، لأن المدرسة الحديثة سترفع السعر فجأة، وبالفعل دخل إحدى مدارس الرهبان وتعلم تعليمًا جيدًا جدًا.

■ بشكل ما أنت تمردت على الشكل الفنى السائد.. هل عوقبت على هذا التمرد؟

- أنت لا تعاقب، ولكن هناك من لا يريد «شغلك» أو إنتاجك، هو كمنتج يريد ما يتوافق مع التيار الرئيسى، ويحقق له أرباحًا كصناعة، وهذا هو عقابك، ممكن أن تكون ذكيًا بعض الشىء وموهوبًا وعندك حسن حظ، وبالتالى تستطيع أن تنتج عدة أعمال، وممكن ألا تسمح الظروف فتنتج فيلمًا وتتوقف.

■ مَن أشهر من تمرد فى تاريخ السينما، أو قدم شيئًا خارج السياق؟

- أى فيلم جيد فى تاريخ السينما هو خارج السياق، سواء نجح أو فشل، كنت أحدثك عن «الأفوكاتو» لرأفت الميهى، يفترض أنه فيلم ناجح، إنما هو خارج السياق بشكل ما، ولا يعرض فى القنوات، نفس الأمر بالنسبة لأفلامى، لا يوجد منها ما يعرض فى قناة مصرية، ربما باستثناء «الكيت كات»، وكل ما قدمته لم يعرض، ربما فى قنوات الأفلام العربية يعرض بعض الأفلام، هناك منصة لسينما المؤلف تعرض أفلامى، وكذلك منصة «نتفليكس» تعرض لى فيلمين أو ثلاثة.. هذا ليس عقابًا مقصودًا، لا يوجد قاضٍ يحكم بعقابك، ولكن هذا هو حكم السوق.. مرة أحد الصحفيين كان يهاجم السينما التجارية المصرية، فقلت له السينما التجارية المصرية تعرض لأن الجمهور يريدها، ولو الجمهور يريد أفلامًا لـ«كيروساوا» مثلًا، فالمنتجون والموزعون سيقدمون أفلامه، ولكن الجمهور لا يريد هذا.. هذا أحد الجوانب، وهناك جانب سياسى، وجانب ثقافى، العروض فى التليفزيون ليست لها علاقة قوية بشباك التذاكر، وهنا تظهر السياسة، أو سياسة المحطة.. ماذا تريد أن تعرض.

 

■ ما الذى كان يشغلك وأنت تقدم «البحث عن سيد مرزوق»؟

- «البحث عن سيد مرزوق» هو فيلم عن تاريخنا، تاريخ الطبقة الوسطى، أين كانت وكيف أصبحت، حتى عام١٩٥٢ كانت تلك الطبقة تقود المجتمع، عندما قامت ثورة يوليو، تبنى جمال عبدالناصر خطة لإنعاش الطبقة الوسطى عبر التوسع فى التعليم، هو أنعشها فعلًا ومنح أبناءها فرصًا للترقى، لكنه حرمها من القيادة، فأصبح لديك وضع شبيه بشخص جسده يكبر ولكن عقله لا ينمو بنفس المعدل، وهكذا بدأت تظهر عندك أنماط تدين شكلى لأنك صنعت طبقة وسطى بدون تقاليد الطبقة الوسطى، وهى فى الأساس مرتبطة بالمدينة، حدث عندك نوع من ترييف المدينة، أو أن المدينة تحكمها أخلاق الريف، عبدالناصر صنع حراكًا اجتماعيًا، كان لديه مشروع للطبقة الوسطى، ولكن هل هذا المشروع تم تنفيذه بالطريقة الصحيحة؟ 

البحث عن سيد مرزوق

■ فترة الصعود الإسلامى فى سبعينيات القرن الماضى كيف كان يراها المثقفون وقتها؟ هل كانت النظرة إليها كما هى النظرة الآن أم ماذا؟

- أنا ليبرالى إضافة إلى أننى مسيحى، ولكننى أبدعت كمصرى فى تناول هذه الظاهرة، وليس لى نفس نظرة الأقباط للصعود الإسلامى، الأقباط ضخموا الأمر لما ذاقوه من هذا التيار، أنا أنظر للموضوع كمصرى، لديك أناس سافروا لدول معينة وعادوا يحملون أفكارًا معينة، كانت خلطة من الثروة، والأفكار الرجعية، والمزاج غير المدينى، هذا ساعد عليه أن التعليم لديك لم يتطور، لم يشجع الناس على التفكير النقدى، الأمور لم تأت فجأة، ولكن هى تراكمات، أنا كنت أحب أن أسمع القرآن بأصوات مصطفى إسماعيل والشيخ رفعت، وهذا الأمر تعلمته من والدى، الآن انتشرت الطريقة الخليجية فى التلاوة وأصبحت فى المقدمة، لأن شرائط هذا النوع من التلاوة كان يتم توزيعها مجانًا فى مصر، أبى كان يقوم فى الصباح فيفتح الراديو صباحًا ويسمع القرآن بأصوات كبار المقرئين، هنا القرآن هو جزء من الثقافة، والموسيقى عند هؤلاء المقرئين مصرية، وتشعر أنها جزء منك، ليست للأمر علاقة بدينك، ولكن لها علاقة بثقافتك، والسؤال: هل تغير هذا فجأة؟، لا بالطبع، هو بدأ بالتدريج منذ عام ١٩٦٧، البنات بدأن يرتدين الحجاب، والإسلاميون يظهرون، لكن السادات حول هذا الرجوع لصفقة مع السعودية وقتها، وتم ضخ أموال سعودية لتمويل الإسلاميين، وهناك من يقول إن عبدالناصر نفسه فكر فى المصالحة مع الإخوان بعد النكسة.

■ «البحث عن سيد مرزوق» هل هو تلخيص لمسيرة المصرى منذ الستينيات؟

- أنا لا أقول لنفسى سأصنع فيلمًا عن المواطن المصرى، أنا ألعب لعبة بسيطة فى الأفلام، أفترض أننى فى موقف معين، فما الذى سأقوم بعمله، لو تعرضت لهذا الموقف؟، سيد مرزوق شخص ظل يذهب لعمله كل يوم لمدة عشرين عامًا، وفى يوم ذهب فوجد أنه يوم إجازة، فقضى اليوم فى الشارع ودارت أحداث الفيلم. إذن أنت تتحدث عن شخص بعينه، له قصة معينة، ولكن هو يشبهنى ويشبه غيرى، شخص ليس له أى خبرات سياسية أو اجتماعية، ولا يفهم شيئًا فى السياسة ويمشى بجوار الحائط سنوات طويلة، أنا أسأل لو فهم أو عرف ما الذى سيحدث؟، ربما سوف يكتسب وعيًا ما ويتمرد. الناس أنواع منهم المتمردون ومنهم الذين يمشون فى ظل الحائط، هكذا هى الأمور، أنا أناقش ما يشغلنى أنا شخصيًا، أفترض أننى هذه الشخصية وأكتب الفيلم.

■ فى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» تنبأت بحالة «اللخبطة». فالروائى يتزوج من الخادمة والحرامى يتزوج من الناشطة النسوية فى مشهد يبدو سيراليًا، لكن الواقع أثبت أنه حقيقى جدًا.. هل كانت هذه إدانة مبكرة للنخبة؟

- هو أحد السيناريوهات التى كتبت على المدى الطويل، وبالنسبة لى فإن التيمة أدهشتنى بالمعنى الحرفى، وبعد أن أنهيت الفيلم قلت متعجبًا ما هذا؟، هل كتبته على نمط المسرح «البريختى»؟، أنت لا تتوحد هنا مع البطل عاطفيًا، ولكنك تراقبه، لا توجد عواطف، وبالتالى تتحول مراقبتك للأبطال للسخرية، وصوت الراوى فى الفيلم يشرح كل شىء بشكل تعليمى تقريبًا، والموسيقى فى الفيلم وعناصر الفرجة من أغانٍ وغيرها تدعم هذه السخرية، وأنا شخصيًا لاحظت كل هذا بعد أن انتهيت من الفيلم، ولكن حين كنت أعمل لم ألاحظ كل هذا. بعض الأفلام حين أنتهى منها تدهشنى، وأقول من الذى صنع هذا الفيلم؟!، بالتأكيد هو شخص آخر، وليس أنا، والسؤال الذى يدور فى رأسى: كيف استطعت أن أصنع هذا؟، كيف استطعت تجميعه على بعضه؟ «سيد مرزوق» من هذا النوع، و«مواطن ومخبر وحرامى» من هذا النوع، هى شخصيات تختمر داخلى وتخرج هكذا، حدث هذا فى «سيد مرزوق» و«مواطن ومخبر وحرامى» و«رسائل البحر».

 

مواطن ومخبر وحرامى

■ ولكن هذا التزاوج بين المواطن والحرامى والناشطة والخادمة.. هذه «اللخبطة» كانت نتيجة لماذا؟

- هذا ما حدث فى المجتمع، سياسيًا أنت تعرف، فالحرامى أصبح رجلًا مهمًا ويشجع ويقود الفن، والمخبر أصبح رأسماليًا ومنظمًا، والمواطن تحول لحالة امتثال، وهناك سؤال مهم، السؤال هو: لماذا كان المواطن والمخبر والحرامى رافضين فكرة زواج الولد ابن المواطن والشغالة من البنت ابنة الحرامى؟ السبب الحقيقى، هو شكهم فى أن يكونا أخوين نتيجة خيانة كل الثنائيات لبعض، ولكنهما تزوجا وأنجبا، وهذا استمرار لحالة اللخبطة، والتحالف بين كل الأطراف، وعلاقة الخيانة هنا دليل على اندماج الجميع مع الجميع وأنا وضعت تلميحات لها.

■ هل واجهت مشاكل مع الرقابة؟

- ليس بالمعنى إطلاقًا، أحد الأفلام واجه اعتراض رئيس الرقابة، ولكن لأسباب شخصية، أو بيروقراطية، وهى قصة لا أريد أن أخوض فيها لأن الرجل توفى، «مواطن ومخبر وحرامى» قدمته حين كان د. مدكور ثابت رئيسًا للرقابة، وشكل لجنة من كبار المثقفين والنقاد للبت فى أمر الفيلم، إنما الموظفون رفضوه، ولكن فى النهاية تمت إجازته دون مشاكل. 

وأذكر أننى فى أحد أفلامى وجدت هناك رقيبة تلطم على خدها وهى تشاهد الفيلم ولكن رئيسها أجازه، أنا فى الحقيقة لا أصطدم أبدًا بالرقابة، ولدىّ دائمًا قدرة على المواءمة، عندما قدمت سيناريو «سيد مرزوق» للرقابة، جاءنى استدعاء من جهة خارج الرقابة للاستفسار عن مضمون الفيلم، فذهبت أنا والمنتج الشاب ودخلنا مكتب المسئول وجلسنا وهو كان مشغولًا وتركنا وقتًا طويلًا، هذه الطريقة قد تدفعك للتوتر، ولكن بدأت أنا والمنتج فى الحديث بصوت عالٍ وكأننا نجلس على المقهى ونتناقش، فأدرك المسئول أننا لسنا قلقين، وانتبه لنا وقال لى «ممكن تقولى أنت عاوز تقول إيه فى هذا الفيلم؟»، المشكلة أنه قرأ السيناريو بناء على أن أحدًا لفت نظره، ولكن هو لا يجد شيئًا مخالفًا، لذلك يريد منى التوضيح لكى يجد سببًا للرفض، فقلت له هذا فيلم عن «مواطن»، واكتشف أنه لن يستطيع أن يأخذ منى شيئًا، فذهبنا إلى حال سبيلنا. وتم إنتاج الفيلم.

الكيت كات

■ هل واجهت مشاكل إنتاجية.. «سيد مرزوق» تم تمريره بسبب نور الشريف، هل كان «الكيت كات» له نفس هذه الظروف؟

- فيلم «الكيت كات» ظللت لمدة خمس سنوات أحاول العثور على منتج له، وكان محمود عبدالعزيز معى، أكثر من منتج يقول أين ستصورون الأحداث؟ فأقول له لا بد من بناء ديكور لحارة، المنتج بالطبع يريد التوفير فيقول لى نصور فى حارة استديو الأهرام، فتجد نفسك «تشد فى شعرك»، لأن حارة استديو الأهرام بناها أحمد بدرخان زمان وهى حارة إسلامية وشىء مغاير تمامًا لحارة «الكيت كات»، فهذه كانت مشكلة مع المنتج، أما الرقابة فقالت: «الفيلم متشائم.. والبطل أعمى»، فقلت لها «الشاعران الشهيران أبوالعلا المعرى والجاحظ» كانا أعميين فهل نمنع أشعارهما»؟ طبعًا هذا كلام اتضح أنه أبله بالمعنى الحرفى، لأن الفيلم يحتفى بالحياة، وهكذا.. ولكن بشكل عام رفض الرقابة كان نوعًا من «التقل»، وكنا ننتهى دائمًا إلى حلول.

الحلقة السابقة:

وائل لطفي يحاور فيلسوف السينما داود عبدالسيد: لا أقدم فلسفة في أفلامي.. ولكن أحكي قصصا أحبها

الحلقة المقبلة: سر تغيير تسمية أبطال أفلامى

من «يوسف» إلى «يحيى»