رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بار الشيخ علي».. الصرخة الثالثة من ميسرة صلاح الدين لإنقاذ تراث الإسكندرية

ميسرة صلاح الدين
ميسرة صلاح الدين

أكد الكاتب المترجم والشاعر المسرحي ميسرة صلاح الدين، بعد أن انتهى من كتابه الثالث "بار الشيخ علي"، عن قيمة  المكان في الإسكندرية، أن للمكان علاقة مباشرة بالزمن والذكريات وتحديدا في مدينة المولد والعمل عاصمة الثغر (الإسكندرية).

وكتب  “صلاح البدين” أكثر من مرة في شبه صراخ مدوي ليستعطف ويحرك الساكن من قبل مسئولي الحفاظ على التراث والهوية وحضارة وإرث الأسكندرية بل ومصر كلها، وخرج عن صمته ليتحدث دون استعطاف يذكر.

وتحاور "الدستور" ميسرة صلاح الدين، الذي وجه نداءً إلى كافة المسئولين بمدينة الإسكندرية بجمعياتها المختلفة وقياداتها، وكذلك مكتبة الإسكندرية، في محاولة أخيرة للحفاظ على هوية وتراث عاصمة الثغر وعروس البحر المتوسط.

-في البداية..  كتبت وأصدرت عناوين ثلاثة فارقة عن كل من "جراج الأوبرا و "ترام الرمل" و"بار الشيخ علي" وغيرها من الأماكن الحميمية في الوجدان المصري وفى وجدان  المصريين في القاهرة والاسكندرية.. ماذا تمثل لك هذه الامكنة في ذاكرة الطفل والشاعر والمترجم ميسرة صلاح الدين؟

أشعر طوال الوقت أن هناك ارتباط بين الأماكن وبين مشاعر وسلوك الإنسان، وأن التأثير بين البشر والأماكن تأثير متبادل يترك كل منهم بصمة واضحة على الاخر، ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لي. فقد تركت العديد من الأماكن بصماتها في وجداني وذاكرتي  وخصوصًا الأماكن التي زرتها في الصغر وارتبطت معي بذكريات قديمة، وهو الأمر الذي دفعني للكتابة عنها من ناحية و لزيارتها مرة أخرى، والنظر إليها بعين مختلفة ربما كان ذلك بدافع تكوين ذاكرة بصرية جديدة وربما كان نوع من الإشتياق وربما كان نوع من الشعور بالفقد والإرتياب مما قد يحمله المستقبل.

   _هل هناك تعمد في القضاء علي كل تلك الأماكن التاريخية أو التراثية التي مثلت تاريخ ووجدان المواطن المصرية؟

تبدو الاجابة على مثل هذا التساؤل مربكة إلى أبعد حد، فالأمر معقد وشديد التشابك، فبعض الأماكن التراثية والتي تحمل جزء من ذاكرة ووجدان المصريين، يتم التعامل معها بمنتهى العنف والقسوة. ولكن العديد من هذه الأماكن لا تعود ملكيتها للدولة المصرية وتخص بعض الأفراد الذين يحاولون التلاعب بالقوانين ولا يهتمون إلا بالربح السريع، وذلك لا يمنع أن بعض الأماكن يتم " تطويرها" حسب رؤية لا تتفق مع هويتها التراثية وهو أمر غير مفهوم وخصوصا أنه يتم على نطاق واسع وبشكل سريع.

وأشارت العديد من الدراسات أن عملية تطوير المدن القديمة ذات الطابع التراثي، يجب أن تتم وفق نهج يتسم بتعزيز الهوية، وكذلك بمعدل يستطيع الوعي الجمعي أن يتحمله حتى ينصهر التطوير في الذاكرة والوجدان بشكل غير مؤلم وبما كان محببًا.

_بعدما كتبت ترام الرمل وجراح الأوبرا وانتقدت ما حدث في ميدان محطة الرمل ما هو الصدى المباشر الذي كان حصاد لما كتبت وهل هناك جدوى لما تكتب؟

أظن ان البعض يتعامل مع نماذج  لبعض المدن عربية شقيقة بانبهار شديد، ويطمح في أن يحاكيها وهو حلم مشروع لا غبار عليه، ولكن لا يجب أن ننسى أن ما تملكه المدن المصرية من مقومات حضارية ومعالم تراثية وأثرية تمثل الجزء الأكبر من قوة مصر الناعمة والسبب الرئيسي في توافد الزوار من كل الجنسيات إلى مصر لأغراض متعددة لا تقتصر فقط على السياحة، وهو ما يجب أيضًا الالتفات إليه وتنميته في كل شبر من أرض مصر سواء كان هذا الشبر في أحياء القاهرة الخديوية أو سور الإسكندرية القديم أو معبد الموتى في سبوة أو المنازل الأثرية بين حارات مدينة رشيد.

_  يقال من حين لآخر أن هناك عدم اهتمام من قبل المسؤولين التنفيذيين فيما يخص التفريط في الحفاظ على مقومات المدينة وبالتحديد مدينة الإسكندرية، عاصمة القدم للبحر المتوسط؟

الحقيقة أن العديد من القوانين التي صدرت مؤخرًا كانت في صالح الحفاظ على الهوية والتراث وخصوصًا فيما يتعلق بمنع الهدم وإصدار تراخيص البناء الجديدة.

والالتزام بهذه القوانين بشكل واضح لا خلاف عليه ولكن مقاولو الهدد وسماسرة المال انتهجوا نهج مختلف فيما يخص مدينة الإسكندرية، ويتضح ذلك في الاتجاه للاستيلاء على المحلات القديمة والمقاهي التراثية وصالات الشاي والمطاعم وغيرها وتحويلها إلي مطاعم للوجبات السريعة وفروع لشركات الاتصالات وسلاسل لبيع الخمور، وهو ما لا يخالف القانون بشكل حرفي ولكنه يهدر روحه ويهدر تراث المدينة.

_   هل هناك محاولات مدنية من خلال أي طرف ثقافي أو فني للحفاظ على الهوية السكندرية في المكان والزمان بصفتك فنان ومبدع سكندري؟

العديد من الجهات والأشخاص يهتم اهتماما شديدا بما يحدث في مدينة الإسكندرية وتمثل ذلك في حركات شبابية متنوعة، والعديد من أساتذة الجامعة والمتخصصين وعدد كبير من الكتاب والمثقفين . ويضيف الشاعر والمترجم - المسرحي “ ميسرة صلاح الدين، وربما كن القلم هو الدرع والسيف الذي يلجأ إليه المثقف والكاتب للتعبير عن رأيه كقوة فاعلة يأمل أن تساهم في التغيير إلى  الأفضل كما إنه الوسيلة الأجدر بحفظ هذا التراث في الذاكرة للأجيال التي تليه.

_  ما هو الشكل الأمثل الذي تقترحه فيما يخص الحفاظ على توثيق تلك الاماكن والحفاظ على الهوية المصرية والسكندرية أيضًا؟

 المؤكد أنني غير متخصص في عملية حفظ التراث ولكن أعتقد أن الأمر يحتاج إلى توازن دقيق بين الرغبة في تحقيق ربح وعائد سريع وبين القدرة على الحفاظ على ثروة مصر التراثية والحفاظ على قوتها الناعمة وما تمثله من مكتسبات للأجيال القادمة لا يمكن تعويضها بأي شكل من الأشكال.

 وربما كان النقد المجتمعي هو بوابة فك الإشتباك بين الحاجة الملحة للواقع الرأسمالي ومتطلبات العصر وبين الرؤية المستقبلية التي تقدر التاريخ، وتعرف كيف تستفيد منه وتسوق حضوره. يحتاج الأمر لقوة إرادة كبيرة وهو ما تملكه الدولة المصرية الآن أكثر من أي وقت مضى

_ هل هناك دور لمكتبة الإسكندرية في الحفاظ على هوية الاسكندرية  وتراثها وما هي علاقتها بالمبدعين والفنانين السكندريين؟

كان لمكتبة الإسكندرية دور كبير في عملية حفظ وتوثيق التراث السكندري وقد امتد هذا الدور في كثير من الأحيان ليشمل التراث المصري على نحو شامل متمثل في الحرف والأزياء وغيرها من الأشكال المتنوعة بالمعنى الأشمل.

لمركز المخطوطات و متاحف مكتبة الإسكندرية ومركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي وغيرها داخل المكتبة دور مشهود في ذلك

ولكن ربما تغيرت  أولويات مكتبة الإسكندرية في الفترة الاخيرة لسبب أو لآخر، وأصبح ذلك ملموس للجميع، وربما كانت الإجراءات الاحترازية تكبلها كما كبلت كل مكان في العالم كظرف استثنائي لا يمكن تجاهل تأثيرها على الجميع.