رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الحضارى والتنمية السياسية

لا شك، سعدنا كمواطنين بمتابعة جهود الدولة فى الفترة الأخيرة، فى مجال دعم التنمية بشكل عام وما يدعمها من إصدار قرارات لتوطيد أشكال التنمية السياسية بشكل خاص، التى من أهمها صدور استراتيجية الدولة فى مجال حقوق الإنسان، ثم قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإلغاء حالة الطوارئ الذى يشير إلى حالة من السلام والأمن الاجتماعى والإنسانى، رغم كل التحديات الهائلة التى نواجهها، فضلًا عن قرارات صدرت وتم تنفيذها وإقامتها على الأرض بتعمير المحروسة بالكثير من المشاريع المساهمة فى إقامة عدالة اجتماعية «سكن- صحة- كفالة اجتماعية..» بروعة ووطنية.

وعليه، فإن أمر تطوير الخطاب الثقافى الذى يدعو إلى تطويره وتفعيله الرئيس السيسى كخطاب حضارى على المستوى الداخلى وفى بُعده الخارجى ونحن على عتبات جمهورية جديدة يتطلب منا ومن كل الأجهزة والمؤسسات المعنية المزيد من الجهود.. نأمله خطابًا متجددًا عصريًا، وأن تتم مراجعة ذلك الخطاب ورسائله وفحص مصادره ودعم مقارباته الفكرية الإيجابية لإقرار صلاحية اعتماده لتمثيل وطن قرر فيه الشعب أن يعيش المستقبل.

وعليه، فإن دعم جهود الدولة وكل مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم الوعى وتنمية الثقافة السياسية بات مسألة ملحة وضرورية، حيث لم تعد الثقافة السياسية نتاج تعبئة وحشد وصناعة حزبية أو أيديولوجية فقط، فقد صارت بشكلها الأشمل طريقة أو أسلوبًا لنقل مجموعة من المعارف والمواقف والمهارات إلى أن تشكل أرضية لسلوكيات الفرد فى علاقته بالإدارة السياسية وبعملية صنع السياسة العامة، وعليه فإن الاهتمام بتربية الأجيال القادمة على الوعى بحقوق الإنسان بإطاراتها العامة التى تدعم قيم وسلوكيات صناع الغد من المتطلبات الحيوية الوطنية. 

وكلما ترسّخ ذلك التوجه فى وجدان وعقول فلذات أكبادنا فى مراحل التنشئة، تم الاطمئنان على أننا فى سبيلنا لبناء ثقافة سياسية على المستوى المجتمعى تحترم مختلف حقوق الإنسان، ولعل من أبرزها حق المشاركة فى بناء الوطن، وحق اتخاذ المبادرة والتفكير والمشاركة التى تكفل وتدعم قدرتهم على تحمّل المسئولية وحق الاختلاف.

نتحدث عن الثقافة وأهمية دعم مفاهيمها ودورها فى مراحل التربية؛ لأنها ليست ترفًا أو وسيلة تجميل، بل هى إعلاء للحكمة فى المواقف والرؤى، وأسلوب للحياة ونسق للتعبير، فى زمن نتابع فيه اشتعال ألوان من صراع الحضارات والثقافات، وعليه كان الصراع باسم الأديان ومذاهبها ومناظرات الأيديولوجيات والمعتقدات والأفكار المختلفة يشكل معطيات ينبغى التعامل معها بشكل مناسب.

كما أن التربية على أساس دعم ثقافة حقوق الإنسان ينبغى ألا تكون مجرد شكل مظهرى كفاترينة لعرض ثقافات حقوقية، فالأهم هو الذهاب إلى تنمية ثقافة المواطنة لا ثقافة الاتباع لمفاهيم أزمنة التراجع الفكرى.

ينبغى السعى إلى بناء ثقافة سياسية ديمقراطية من خلال الدعوة للمشاركة الفعالة فى تكوين المواطن القادر على ممارسة مختلف أدواره بفاعلية، وفى إطار ذلك السياق تكمن ضرورة العمل على إرساء مقاربة بيداغوجية «وتعنى العِلم المعنى بأصول وأساليب التدريس مشتملةً على الأهداف والطرق الممكن اتباعها؛ من أجل تحقيق تلك الأهداف»، تيسر للمتعلم، ليس فقط مجرد دعم اكتساب معارف، إنما توظيف تلك المعارف فى واقعه اليومى، أى تمكينه من ممارسة تلك الحقوق فى الفصل كما فى النادى، ومن ثم فى باقى مؤسسات المجتمع، وفى هذا الإطار أرى أهمية دعم جهود وزارة التربية والتعليم فى مجالات تطوير عمل المنظومة التعليمية؛ لتتجاوز إدارتها كل أشكال المقاومة السلبية ودعوة المجتمع للتفاعل مع آلياتها الجديدة.

وهنا تبرز أدوار تفعيل الثقافة والمثقفين للعمل على الخروج من أزمات التراجع المعرفى والثقافى، فشيوع ثقافة الموت عبر اتباع تعاليم حسن البنا ونهجه الظلامى، أو الامتثال لثقافة الأجنبى الذى يدعى أنه واهب الحرية، التى جربت فى العراق وليبيا فشلت وأصابت تداعياتها السلبية المواطن والأوطان بخسائر فاقت كل تصور، وما علينا سوى الذهاب لمدارسنا الوطنية وإعمال العقل الوطنى.

وهنا تكمن أهمية تجديد وتطوير الخطابات التربوية والدينية والإعلامية والثقافية فى مواجهة سلطة مراكز التضليل، وسد الفجوة بين الأجيال بعد أن كسرت العولمة كل الحدود.

ولا بد من إدراك أن المعرفة المنقولة لا يمكن أن تحرر الفكرة «أى فكرة»، وإنما لا بد من التجدد الذى يعمل فى أعمق المستويات على تعزيز التبادل الفكرى.. نحن فى حاجة إلى نظرة حرة داعمة للكشف عن قيم وهويات حضارية تقدمية وطنية.

ولا ينبغى أن يعانى المثقف نوعًا من العزلة والابتعاد عن مواطنيه، فالمطلوب تحفيزه للانخراط الإنسانى والمجتمعى للتواصل والمشاركة فى البناء والترقى بأحوال مجتمعهم.

أيضًا، لا بد من مواجهة قضية صناعة الوعى المزيف على مواقع التواصل الاجتماعى عبر النصوص والصور المزيفة واستخدامها ضمن الأخبار المضللة، بما تمثله باعتبارها أهم ملامح الخطاب الإعلامى والثقافى السلبية عبر كل الوسائط الإلكترونية.

نحن نعانى بالفعل من أخطار التعامل مع تبعات الإنترنت كبيئة مستباحة ببساطة خطيرة بعيدًا عن الالتزام بضوابط أخلاقية داعمة لإثارة الغرائز وتشجيع «الخناقات» الإلكترونية بين الأفراد والجماعات ومحاولة هدم المجتمعات والدول، سواء بفكر مؤامراتى موجه أو بالامتثال لفكر مضلل يتبنى شعارات التدين الشكلى والزائف.