رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سنوات التكوين «1»

وائل لطفي يحاور فيلسوف السينما داود عبدالسيد: لا أقدم فلسفة في أفلامي.. ولكن أحكي قصصا أحبها

 داود عبدالسيد
داود عبدالسيد

عاطف الطيب كان عظيمًا و«شعبويًا» وأفلامه تنفيس عن غضب المشاهد 

محمد خان أقرب هذا الجيل للواقعية ومصطلح «سينما الواقع» صحفى وليس فنيًا 

كنت أقدس جمال عبدالناصر وقررت مقاومة العدوان الثلاثى بـ«شاكوش» 

جيلى غيّر مفهوم الأفلام التسجيلية وجعل الناس تتحدث للكاميرا لأول مرة 

فيلمى الأول «الصعاليك» كان مستوحى من أوبرا لـ«بريخت» ولا أراه أقل أهمية من أفلامى الأخرى 

ظللت سنة كاملة لا أنام جيدًا حتى انتهيت من كتابة «البحث عن سيد مرزوق» 

فاتن حمامة لم تحب تجربتها معى لأنها كانت معتادة أن تأمر فتُطاع 

فى مارس الماضى، كنت قد انتهيت من كتاب عن دعاة السبعينيات، قلت لنفسى إننى قضيت عمرًا أطارد ما أكرهه، ولكننى لم أكتب عما أحبه، قفز إلى ذهنى الأستاذ داود عبدالسيد، كان فيلمه «البحث عن سيد مرزوق» أول فيلم مختلف أشاهده فى حياتى.. كنت فى السنة الأولى من كلية الإعلام، وعادل إمام هو بطل طفولتى.. أدركت أن للسينما دورًا آخر غير التسلية.. كنت مشغولًا بفكرة أخرى، وهى أن أجيالًا جديدة تتصدر المشهد تعويضًا عن ظلم تاريخى، ورغم تأييدى لهذا بكل قلبى إلا أننى أرى أننا يجب أن نكرّم الأجيال الأقدم، هم جزء من ثروة مصر الناعمة، بمعنى أصح هم جزء من ذاكرة الجمال التى يجب الحفاظ عليها.. كان آخر مشهد عام للأستاذ داود على منصة سياسية، كان يقف ضمن مجموعة يعلن بيانًا للمعارضة، شعرت بأن الرجل يقف فى مكان ليس مكانه، هو فيلسوف، والسياسة هى فن التفاصيل، هو كما أراه يبدو مترفعًا، والسياسيون يبحثون عن المكاسب طوال الوقت.. وهكذا.. بدا لى غريبًا على المشهد، لكننى بكل تأكيد احترمت موقفه الذى أختلف معه.. أذكر أننى وصلت مبكرًا عن موعدى معه عشرين دقيقة كاملة، وقلت له إننى قطعت الطريق من الشيخ زايد لمصر الجديدة فى أربعين دقيقة، بفضل المحاور الجديدة والكبارى.. قال إنه لا يرتاح لهذه المحاور! قلت له ما هو غير المريح فى أن يوفر الإنسان ساعات كان يقضيها من عمره على الطرق؟.. ضحكنا وبدأنا الحوار عن السينما وبعيدًا عن السياسة.. داود عبدالسيد واحد من مثقفى الستينيات العظام، وصانع «البحث عن سيد مرزوق» و«الكيت كات» و«أرض الخوف» و«أرض الأحلام» و«رسائل بحر».. فيلسوف السينما، وصاحب التساؤلات الكبرى.. اتفقت معه على أن يكون حوارنا قراءة فى سنوات التكوين، وتجربته فى صناعة الأفلام، وشهادته على ٥٤ عامًا مضت منذ تخرجه فى معهد السينما وحتى الآن.

■ أريد أن أبدأ بسنوات التكوين.. تكوين العقل أنت ولدت عام ١٩٤٦ وتخرجت سبعة وستين.. أنت من جيل الستينيات.. كيف كانت قراءاتك فى تلك الفترة؟

- فى فترة المراهقة كنت أقرأ ما يقرأه المراهقون، لم يكن هناك شىء فارق، لكن لا بد أن تعرف أننا كجيل كنا أبناء الناصرية، هذا تأثيره علىّ وعلى من كان فى سنى لم يكن مثل تأثيره على الجيل الأكبر منا، يمكن أن أقول لك إننى كنت أعبد عبدالناصر، لا أحبه كزعيم ولكن أقدسه. 

■ كنت ترى فيه صورة الأب؟

- هى مشاعر أكبر من التحليل، كنت أرى فيه رئيسًا عظيمًا لدولة عظيمة، يقوم بأعمال عظيمة.. المشهد مثلًا فى ١٩٥٦ حصل العدوان الثلاثى، وأذكر أنى أخذت أبحث فى بيتنا حتى وجدت «شاكوشًا» فأمسكت به وظللت أنتظر الجنود الإنجليز حتى أقاومهم.. كان إحساسًا ساذجًا، وفطريًا، وبريئًا.. إحساسًا ببلد يتعرض لعدوان خارجى.. لكن كل هذا كان متمثلًا فى أن عبدالناصر من وجهة نظرى وقتها هو أكبر زعيم فى العالم، العالم بالنسبة لى مختصر فى شخصه، وأذكر أننى فى هذه السن أبى رحمه الله كان له صديق موظف وفدى، وكان ضد عبدالناصر، وأنا كنت طفلًا فكنت أحتد عليه جدًا وأدافع عن عبدالناصر وعن النظام.. ولكن فجأة حدثت النكسة، وكانت بمثابة طعنة فى القلب، أو ذبح فى الرقبة.. كل هذا البناء انهار فجأة. عندما وقعت النكسة كنت على وشك التخرج، كنت أصور مشروع تخرجى أمام معهد السينما فى المساء، وكانت الدبابات تسير فى شارع الهرم، وهذا كان قبل الحرب بقليل، ولكن وقعت النكسة وكان لها تأثير مهم علىّ، وجعلنى أراجع أشياء كثيرة.

■ ما أهم تأثير للنكسة عليك شخصيًا؟

- أصبح لدىّ إحساس بأننى يجب أن أكون حذرًا، وألا أصدق كل شىء، وأننى يجب أن أسهم فى الإصلاح، وأن أعرف، تخيلت أن علىّ واجبات فى الإصلاح، مجرد إحساس دون أدوات حقيقية.. هذا الخط استمر مع التطورات.. مات عبدالناصر، وكانت جنازته أشبه بيوم الحشر، أنا كنت أسكن فى منشية البكرى وهو نفس الحى الذى كان فيه منزل عبدالناصر، نزلت للشارع، ورأيت الفتيات والسيدات يبكين فى البلكونات، كان حزنًا فطريًا وكبيرًا.. غير مرتب وغير مصنوع.. أنا أرى أن النكسة هى أكبر مؤثر فى حياتى، وأرى أنها أثرت علينا حتى الآن. 

فيلم رسائل البحر

■ هل دفعتك النكسة نحو مزيد من الفردية مثلًا؟ الرغبة فى النقد.. هل كونت لك وعيًا نقديًا؟

- كى يكون لك وعى نقدى، لا بد أن تكون لديك أدوات، كى تستطيع أن تفهم، وتنقد، هذا لم يحدث بين يوم وليلة، أنا أقول لك خطوطًا عريضة.

■ درست فى معهد السينما ولم تدرس الفلسفة؟

- لا.. سجلت فى كلية الآداب قسم فلسفة ولم أذهب.. تركتها والتحقت بمعهد السينما. 

■ ولكن أفلامك تقول إن اهتماماتك فلسفية فى المقام الأول؟ 

- أنا ضد هذه الفكرة، أنا أتحدث فى الأفلام عما هو بداخلى، أحاول أن أجسده فى فيلم، أو حكاية، هكذا ببساطة. 

■ أفلامك الأولى كانت تسجيلية.. ومنها اثنان عن الفن التشكيلى؟

- السينما التسجيلية وقتها كانت قديمة بعض الشىء، وكان فيها حس دعائى بعض الشىء، وكانت هناك فكرة التعليق بإلقاء معين، لكن كان صعبًا أن ترى فيلمًا عن قصة إنسان بسيط مثلًا، الآن هذا عادى جدًا.. جيلنا وقتها بدأ يقدم أفلامًا تسجيلية يتحدث فيها الناس.. عندما ترى الأفلام المبكرة لخيرى بشارة «طبيب فى الأرياف»، وأحمد راشد.. تجد ناسًا عاديين ويتحدثون للكاميرا، هذا لم يكن موجودًا قبل الأفلام التى صنعها جيلنا، وأنا كنت أسمى التعليق «الصوت الإلهى» لأنه كان يتم إلقاؤه بطريقة معينة، ويقول لك المعلومات كمسلمات، ولا يترك لك الفرصة كمشاهد للتفكير.. هذا كان مرتبطًا بالنظام السياسى وقتها.. هذا الجيل حاول أن يتحرر من هذا المضمون.. لكن من الناحية التقنية هذا كان صعبًا جدًا.. لأننا كنا نصور بكاميرا لا تسجل الصوت، ونسجل الصوت منفردًا، ونبذل مجهودًا كبيرًا حتى يكون الصوت متطابقًا مع حركة شفاه الذين يتحدثون أمام الكاميرا.. لذلك أول فيلم تسجيلى لى لجأت لفكرة التعليق الصوتى على الأحداث كما كان الحال فى الأفلام التقليدية، لكن مضمون التعليق كان مختلفًا كان التعليق الذى كتبته هو الصوت المعارض أو «صوت الشيطان» إن جاز التعبير.. الفيلم كان اسمه «وصية رجل حكيم فى القرية والتعليم» وهو يبدأ بتعليق هادئ، ولكن هناك حركة تعليم فى القرية، ويبدأ التعليق يعلو مع تطور الأحداث.. الخطوة التى حاولت أن أخطوها هى السخرية من هذا التعليق الملم بكل شىء.. المهم عندما قدمت أنا وجيلى أفلامًا عن قضايا اجتماعية يبدو أن ذلك لم يلق ترحيبًا من الدولة وقتها، كنا نعمل فى المركز القومى للسينما، لذلك طلبوا منا أفلامًا عن الفن التشكيلى.

■ تأخرت من ١٩٦٧ حتى ١٩٨٥ حتى قدمت فيلمك الروائى الطويل «الصعاليك» هل تعتبر أن هذا تأخيرًا كبيرًا؟

- هو كبير طبعًا، لكن لم تكن هناك فرص.. السينما المصرية قبل تأسيس المعهد العالى كانت تسير على نظام معين، وهو أنه عندما يموت مخرج، تمنح الفرصة لمخرج آخر ليحل محله، المجال كان ضيقًا، لم يكن سهلًا أن تجد فرصة سريعة وأنت ما زلت خريجًا حديثًا.. ولكن هذا لم يكن السبب الوحيد للتأخير. أنا عندما تخرجت كانت عندى شكوك.. كنت أقول لنفسى.. أنت حصلت على شهادة المعهد.. ولكن هذا لا يعنى أن لديك القدرة على تقديم شىء جيد. 

■ كان لديك نوع من الشك فى موهبتك؟

- نعم.. كيف أعرف أنى موهوب.. أنا تخرجت فى شهر يونيو.. وجلست أنتظر خطاب القوى العاملة شهورًا.. كنت فى البيت.. ماذا أفعل؟ جلست أفكر، وقلت إذا لن تستطيع تقديم إضافة ما للمهنة يجب أن تتركها، وهنا ظهر لدىّ سؤال.. ماذا أفعل إذا لم أعمل فى الإخراج، وفكرت أنى ممكن أن أفتح محلًا لبيع شىء ما.. لم تكن لدىّ خطة.. ولكن عائلتى كان بعض أفرادها قد بدأ فى الهجرة.. خالتى وابنها الذى تربى معى سافرا إلى كندا، وكانا يلحان فى أن أذهب لهما، ولكن قلت لنفسى لن أستطيع أن أصنع أى شىء سوى فى مصر، قلت لنفسى فلا بد بالكتابة.. إذا لم تكن تستطيع أن تعمل يمكن أن تكتب.. هذه مرحلة استمرت عشر سنوات، ظللت أكتب سيناريوهات وأضعها فى الدرج. 

■ لم تكن راضيًا عنها؟

- كنت مدركًا أنها نظرية، لا يمكن إنتاجها.. لم أحاول عرضها على منتجين.. كان فيها تجريب، وبعضها لا يمكن إجازته رقابيًا، خريجو معهد السينما يكتبون مشاريع تخرج، بعضها جيد، ولكنه لا يُنفذ، لأنه نظرى، لا يهم المنتج.. هذا موجود فى أى سينما فى العالم.. ظللت فى هذه المرحلة حتى توصلت لسيناريو اسمه «كفاح رجال الأعمال».

■ هل هو الذى خرج للنور باسم «الصعاليك»؟

- كفاح رجال الأعمال كان عن أوبرا لبريخت، هو كان عن بداية تكوين الرأسمالية فى إنجلترا، وبه طابع ساخر مثل أعمال «بريخت».. كان رواية، ومسرحية، وأنا اقتبست الفكرة، وقلت هذه فكرة قابلة للإنتاج، وفعلًا لاقى قبولًا ما من منتج معين، ولكن المنتج كان جديدًا، وأرسل الفيلم لعادل إمام.. وعادل لم يقبل.. حدث خلاف بينهما ربما على الأجر، وربما عادل رأى ببصيرته أن هذا الفيلم لن ينجح فرفضه.

فيلم الكيت كات

■ لم يحدث خلاف بينك وبين عادل إمام؟

- لا.. الخلاف كان مع المنتج. 

■ على عكس نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكى.. عادل إمام النجم الوحيد الذى لم تعمل معه؟

- عادل لا يحب نوع المخرجين الذى أنتمى له، هو عنده تجربتان فقط مع محمد خان فى الحريف، ومع رأفت الميهى فى الأفوكاتو.. وأنا أرى أن فيلم الأفوكاتو فيلم عظيم، ومن أفضل أفلامه.

■ أريد أن أسأل عن علاقتك بالمجموعة التى عرفت باسم «الواقعية الجديدة» خان والطيب وخيرى بشارة.. لم تكن قريبًا منهم؟

- إحنا جيل واحد، ولكن كانت هناك اتجاهات مختلفة داخل الجيل، فكرة «الواقعية الجديدة» هذه أتعامل بحذر معها.. لأنها مصطلح صحفى، أكثر منها أى شىء آخر. 

■ قيل إنهم تأثروا بالواقعية الإيطالية؟

- الواقعية الإيطالية نفسها تغيّرت، وظهر فيللينى، وأصبح المخرجون الإيطاليون «كريمة» السينما فى العالم، وأنتجوا أفلامًا بميزانيات ضخمة، وبالتالى لم يعودوا هم نفس المخرجين الذين يعملون بإمكانات قليلة، ويصورون أفلامهم فى الشارع لأنه لا توجد إمكانيات.. أنا لست ضد التسمية.. ولكن عندى تساؤلات.. مثل ما هى الواقعية؟.. أنا أعتبر أن محمد خان هو الأقرب لفكرة الواقعية.. عاطف الطيب له تصنيف آخر فى رأيى.. هو كان «شعبويًا»، وأقرب للتيار السائد فى المجتمع.. وهذا كان موجودًا وقتها.. دائمًا كنت تجد فى الأفلام رجل أعمال يشترى فراخًا فاسدة، وصحفية تكشف الفساد، ويقتل رجل الأعمال فى النهاية.. هذا نوع من التنفيس عن غضب الناس.. لماذا كانت الرقابة توافق؟ لأنه نوع من التنفيس.. أن آخذ غضبك كمشاهد وأخرجه فى مشهد النهاية.. طبعًا لا أقصد الإساءة لعاطف رحمه الله.. هو مخرج هايل.. لكن أنا أتكلم عن تيار كان موجودًا.. عندما أقارن بين هذا التيار، وبين بعض أفلام محمد خان مثل أحلام هند وكاميليا، وفارس المدينة.. هل هى موجة واحدة؟.. فى الحقيقة لا.. هم جيل واحد، ولكن هناك مسارات مختلفة.. رأفت الميهى مثلًا قدم أفلامًا واقعية، ولكن قدم «فانتازيا» فى المرحلة الثانية وبالتالى هى مسارات مختلفة.

■ ربما يجمع بينهم أنهم قدموا سينما جادة؟

- كثير منها كان أفلامًا تجارية.. أنت تتحدث عن جيل بتنويعات مختلفة، لا أريد أن أضعه فى قالب ضيق، هو جيل مهم جدًا، ومن أهم أجيال السينما المصرية، عندنا جيل مثل جيل الأستاذ صلاح أبوسيف، وتوفيق صالح، ويوسف شاهين.. وآخرين كمال الشيخ، وبركات.. لو عدت لجيلنا أقول لك إنه مهم وبه تنويعات مختلفة، خيرى بشارة مثلًا.. خيرى هو الذى افتتح مرحلة السينما التجارية، بأفلام مثل «آيس كريم فى جليم»، وأفلام أخرى.. وبالتالى هناك تنوعات داخل الجيل، وهناك عناصر مشتركة وهناك اهتمام بالمجتمع، كان هذا الجيل بعيدًا عن الميلودراما التى تقدمها السينما المصرية.. وهو يحتاج ناقدًا يدرسه، ويرسم الاختلافات بين أبنائه.

فيلم أرض الأحلام

■ عندى افتراض كمشاهد أن أول أفلامك «الصعاليك» ١٩٨٥ لم يعبر عن صوتك الحقيقى الذى ظهر وتأكد فى أفلامك التالية بدءًا من «البحث عن سيد مرزوق».. هل افتراضى صحيح؟

- هل أنا عندما عملت «الصعاليك» هل كان لدىّ صوت حقيقى؟ أو ما تسميه أنت صوت حقيقى؟ فى الحقيقة لا.. هذا الصوت ظهر فيما بعد، من خلال العمل، والتجارب، الصعاليك فيلم كنت راضيًا عنه، وسعيدًا به، وهو كان به أشياء مختلفة عما كان يقدم وقتها، لم يكن لدىّ قالب جاهز، هو قيل إنه كان عن الانفتاح، ولكن هو كان عن تطور «الرأسمالية» أو صعود «الرأسماليين» الذين ظهروا فى هذه المرحلة، أو صعودهم.. ويتحدث عن قضايا أخلاقية.. العلاقة بالصديق، العلاقة بالجنس، مفهوم الخيانة.. هذه كانت اهتماماتى وقتها، وما زالت اهتماماتى حتى الآن.. ولكن الفيلم ظهر فى هذا الشكل.. ثانى فيلم قدمته كان «البحث عن سيد مرزوق» وأنا أتفق معك على أنه مفتاح مرحلة جديدة، وأرى أنه فيلم مهم جدًا فى مسيرتى، هذا الفيلم ظللت سنة كاملة أسهر حتى الصباح وأنا أحاول كتابته.

■ ما الذى كان صعبًا فيه؟

- هو كله كان صعبًا.. وهذا معنى أن تتقدم من خلال شغلك، ليس بمعنى أن تقدم فيلمًا ناجحًا فيزيد أجرك، ولكن بمعنى أنك تتغير من داخلك وتبحث عن صوتك الحقيقى حتى تجده. أنا أحاول أن أحكى لك كيف جاءت المسألة.. لم يكن مشروعى فى البداية أن أقدم أفلامًا فلسفية مثل البحث عن سيد مرزوق، ولكن أنا وصلت له، ثم قدمت بعده «الكيت كات» الذى كان شيئًا مختلفًا. 

■ خلال هذه السنوات نما لديك حس فلسفى واضح.. هذا ما فهمته كمشاهد؟ 

- دعك من جزئية الفلسفة. أنا أحاول أن أحكى لك كيف جاء الأمر، لم يكن مشروعى أن أصنع أفلامًا مثل «البحث عن سيد مرزوق»، لكن أنت بتوصل لهذه المرحلة، ثم قدمت «الكيت كات» وهو شىء مختلف. 

■ ولكن كان فيه رؤية أيضًا؟

- والصعاليك أيضًا كان فيه رؤية، أنا لا أدافع عن فيلمى، هذا حتى أكون واضحًا، أنا لا أدافع عن شغلى.. لو أحد لا يحب فيلمًا معينًا هو حر. 

■ أنا شاهدت الصعاليك بعد أن كنت قد شاهدت أفلامك كلها.. ربما لهذا أراه مختلفًا حين أقارنه بأعمالك الأخرى نفسها؟ 

- الصعاليك أقرب لحاجة مثل «كفاح رجال الأعمال» التى كتبها بريخت، بعد هذا قدمت الكيت كات، ثم أرض الأحلام.. كانت عندى فرصة أن أقدم فيلمًا مع فاتن حمامة، وأنا اعتبرت هذا شرفًا كبيرًا، أن أعمل مع واحدة من أهم الممثلات فى تاريخ السينما المصرية، لذلك تجد أننى لم أكتب هذا الفيلم، بل كتبه هانى فوزى، وربما لو أتيح لى أن أكتبه، لم أكن أسند البطولة لفاتن حمامة، أنا عرضت عليها قصة يوسف إدريس «شى لله يا سيدة» فرفضتها، لأنها عن سيدة أولادها كبروا، وقرروا يحيلوها على المعاش، وقالوا لها يوم تزورى السيدة، ويوم سيدنا الحسين، وهكذا.. مرة تذهب للسيدة فتتعثر، فيساعدها شاب ويتعرف عليها وتنشأ بينهما علاقة.. أنا أفكر بهذه الطريقة، ولكن فاتن حمامة مستحيل تقبل، لأن القصة تخدش صورة السيدة المحافظة التى حرصت عليها فاتن دائمًا.

الصعاليك

■ هل اعتبرت العمل بشروطها نوعًا من التفكير العملى؟

- لا.. أنت تضع أفكارك ولكن بشكل آخر، فبدلًا من أن تقع البطلة ويلتوى كاحلها، تفقد «الباسبور»، وتقابل الساحر وتظل تطارده، لأنه يعنى لها الحياة، ولو لم تكن البطلة فاتن حمامة لانتهى السيناريو بلقاء حسى بينهما، البطلة فى أرض الأحلام أيضًا عندها أولاد، ويريدونها أن تذهب لأمريكا حتى تمنحهم حق الهجرة، فالفكرة هنا واحدة، ولكن تقولها بأى لغة هذه هى المسألة، هانى فوزى هو الذى كتب السيناريو، وتناقش طبعًا مع فاتن حمامة.

■ هل أحببت تجربتك مع فاتن حمامة؟

- أنا أحببتها، ولكن فاتن لم تحبها، لم تكن راضية، وأنا لم أسألها عن السبب، ربما بسبب طريقة تعاملى معها، فمثلًا لدى جيلى من المخرجين لا نوافق على حضور الممثل المونتاج، هذا مختلف عما تعودت عليه فاتن طوال حياتها، هى نجمة كبيرة، وكانت تشارك فى المراحل المختلفة، وكل شىء يتم بأوامرها أو إشرافها.

■ هل منعتها من حضور المونتاج؟

- لا لم يحدث منع.. ولكن كنا «بنشتغل» بهذه الطريقة، دائمًا كانت هناك سينما النجم، وسينما المخرج، هذا الفيلم كان فيه توازن بين الاثنين، ألا تطغى واحدة منهما على الأخرى.. هذا الفيلم كان فيه توازن.. 

الحلقة القادمة: تجربتى مع نور الشريف وأحمد زكى ومحمود عبدالعزيز