رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد فضل شبلول يروي تفاصيل «الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ»

أحمد فضل شبلول
أحمد فضل شبلول

بعد روايته "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" يقدم الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول روايته "الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ"، الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة.

وفي تصريحات خاصة لــ"الدستور" قال “شبلول”: تدور أحداث الرواية، في الغرفة رقم 612 بمستشفى الشرطة بالعجوزة، عندما استدعى نجيب محفوظ – أثناء مرضه الأخير - الكاتب، ليملي عليه بعض وقائع حياته، وبعض تفسيرات أعماله الروائية وبعض ما قيل عنها بأقلام النقاد والقراء، ابتداء من أول عمل صدر له وهو "رادوبيس" وانتهاء بكتابه "أحلام فترة النقاهة" بالإضافة إلى شرح علاقاته بالكتاب الآخرين سواء المصريين أو العرب أو الأجانب.

وتابع "شبلول": قد بلغ عدد الشخصيات الحقيقية في رواية "الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ" أكثر من 400 شخصية، فضلا عن الشخصيات الروائية المحفوظية التي يمتلأ بها العمل، وكانت أكثر الشخصيات الحقيقية دورانًا في الرواية هي: جمال عبدالناصر وأنور السادات وتوفيق الحكيم وأم كلثوم وسعد زغلول ومحمد سلماوي.

وأوضح: تتوقف رواية "الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ"، عند الكيفية التي كان يكتب بها نجيب محفوظ أعماله، وآليات قراءاته المختلفة والمتنوعة، وتعرض لآرائه في الثقافة والسياسية والاقتصاد والمجتمع والعلم والرياضة والفن والسينما والصحافة، كما تعرض الرواية لأهم حدثين في حياة نجيب محفوظ وهما: جائزة نوبل التي حصل عليها عام 1988، ومحاولة اغتياله عام 1994، وأصداء هذين الحدثين محليا وعربيا وعالميا.

ويرى شبلول أن من لا يعرف شيئا عن نجيب محفوظ، سيعرف من خلال الرواية كل شيء عنه، خلال 95 عامًا عاشها صاحب "الثلاثية" (1911 – 2006).

تقع رواية "الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ"، في 362 صفحة، وجاءت في 32 فصلا، وهي تعتبر العمل الروائي السادس في مسيرة الكاتب، بعد "رئيس التحرير أهواء السيرة الذاتية" و"الماء العاشق" و"اللون العاشق" و"الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" و"الحجر العاشق".

يختتم المؤلف روايته: نهض الأستاذ من فوق سريره واخترق الجميع قائلا بصوت جهوري: لا حديث بعد اليوم عن الموت، يجب أن تسير الحياة سيرتها المألوفة، وأن يعود الناس إلى الإحساس الطيب بالحياة. وتساءل: أين الحوض الذي كانت تُسقى منه بغال عربات الرش؟ أين كُشك الحنفية العمومية؟ أين النافذة التي تطل على ميدان بيت القاضي؟ أين منظر عمارات النبي دانيال، وسعد زعلول، وزرقة البحر على مرمى البصر وهواء الإسكندرية النقي؟ (الفضا حارةٌ مُقفلةْ .. والبيوتُ العتيقةْ .. تحت كفِّ الحقيقةْ .. نملةٌ فائتة). وأخشى أن يتلاشى ما أقول.

-لن يتلاشى يا أستاذنا .. أنا أسجل كل حرف وكل حركة وكل لون وكل شهقة.رأيتُ الموتَ يباشر مهمته في جسد الأستاذ - الذي هلهله الضعف - في ثقة وطمأنينة. أخذتُ أدقّق كما أوصاني في بداية الرواية. شاهدت نسمة الحياة المقدسة تذعن لمشيئة الله، فتفارق القدمين والساقين والفخذين والبطن والصدر، والدم من ورائها يجمد، والأعضاء تهمد، والقلب يسكت، حتى غادرت الفم المفغور في زفرة عميقة. 
سكن جسد الأستاذ، وصمت إلى الأبد، ولم يعد من أهل الدنيا.

لا هنا .. لا هناكْ .. بل أنا .. ساجدٌ عند نهر الزمانْ .. والهوى راكعٌ تحت جفن السؤالْ .. والزوالْ .. مات عند اندياح الجمال).حدَّقتُ في وجه الموت، وقلتُ له: منك لله. فكاد يضحك. غمره إحساس بالأمان، لأنه يعمل – فعلا - وفق أوامر إلهية. قال لي: أشد ما يخوفني هو النكوص والتخلي عن إنجاز ما أُكلف به.
الغريب أن الأستاذ سبق له أن وصف ملك الموت – في إحدى قصصه - بأنه "نحيل، غامق السمرة، ذو أنف يذكر بمنقار الببغاء، وفي بصره حدة، ويرتدي بدلة سوداء". ولكني أراه الآن غير ذلك. فهل يتبدل ويتغيّر حسب الحالة؟

إنني أراه مثل مئذنة الزاوية، يعترض سبيل من يختاره من أهل حارتنا، ويحني قامته المديدة حتى يوازي وجهُه وجهَه، ويتفرس في أساريره بإمعان، كأنما يبحث عن سر دفين (ليتأكد من شخصه) ويمضي بعد ذلك نحو المقصد (قبض روحه) حتى يختفي.

بعد برهة صمت سمعت الأستاذ يقول دون أن أراه: هذا الوجود الجديد المحيط بي ينتفض بحياة غامضة! تمر الآن أمام ناظري مشاهد كثيرة من الأرض والسماء، لمستُ حقائقها جهرة، ونفذتُ إلى صميمها. رأيت ذلك جميعه في دقيقة من الزمان، واختلط في أذني بكاء الميلاد وشهقة الموت. ولا حقيقة في الكون إلا التغيُّر، وها أنذا أقتحم العالم الآخر. أموت هنا، وأحيا هناك.

في حنو بالغ سمعته يقول: انتهت مهمتك يا أحمد، مثلما انتهت مهمتي في الدنيا.. تستطيع العودة الآن إلى الإسكندرية. لا تسلني عمَّا وجدت في العالم الآخر، ولن أسألك عمَّا حدث بعد رحيلي. إنها رغبة ميت.
بينما أهمُّ بالانصراف، سقطت مني دمعتان عزيزتان. رأيت نملتين تسيران على حافة السرير، تصعدان، تمرحان في جسد الأستاذ.