رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حكايات عرَّاب الكاميرا».. على بدرخان يروى لـ«الدستور» أسرار مغامراته فى شوارع باريس

على بدرخان
على بدرخان

إذا تحدثنا عن المخرج الكبير على بدرخان، فنحن نتحدث عن التاريخ، ليس فى جوانبه الفنية فقط، بل بمعناه الشامل وبتفريعاته الإنسانية والاجتماعية والسياسية كذلك، لأنه ليس مجرد مخرج أو صانع أفلام فريد من نوعه، إنما «عرّاب» لزمن وحقبة مليئة بالزخم والريادة والتنوع فى كل المجالات.

وكرم مهرجان الإسكندرية لأفلام البحر المتوسط فى دورته الـ٣٧، مؤخرًا، المخرج الكبير على بدرخان، لإسهاماته البديعة فى السينما المصرية، من خلال أفلامه التى لا تزال فى ذاكرة ووجدان المشاهد العربى على اختلاف شرائحه.

وفى الحلقة الثالثة من حواره مع «الدستور»، يتحدث على بدرخان عن أسرار رحلته برفقة سعاد حسنى إلى فرنسا وجوانب من علاقته بها، وكواليس مثيرة من بعض أفلامه وتفاصيل أخرى.

سعاد حسنى أنقذتنى من خناقة مع إسرائيلى فى أحد بارات فرنسا

يحكى على بدرخان عن الأجواء المثيرة لرحلته إلى باريس رفقة والده المخرج الكبير أحمد بدرخان والفنانة الراحلة سعاد حسنى، التى كانت فى الأساس رحلة عمل، لكن تخللها الكثير من المواقف الغريبة والدرامية.

يروى مخرجنا الكبير ما حدث بعد وصولهم إلى باريس وأول المواقف الغريبة التى واجهها: «كنا فريق عمل، لكن كانت هناك فروق طبقية فى إقاماتنا، بمعنى أن والدى والمنتج وسعاد حسنى أقاموا فى فندق فخم، وأنا اعتبرونى من عامة الشعب وباقى فريقى».

ويكشف عن أنه فى إحدى المرات كان يواعد سعاد حسنى فى فندق إقامتها فى باريس، لكن تعرض لموقف أكثر غرابة، ويقول: «فى يوم تواعدنا وفى طريقى للدخول وجدت بوابة الفندق مغلقة، وكان الطقس شديد البرودة».

ويضيف أنه كان مُصرًا على الدخول إلى الفندق بأى شكل: «فكرت سريعًا وتجولت بعيونى أبحث عن طريق للدخول فما وجدت سوى شجرة من الممكن لو تسلقتها أن أصل لشباك غرفة مضيئة لا أعرف سكانها، ولاحظت وجودًا أمنيًا فى الشارع وأنا لا أجيد اللغة الفرنسية، فلم أستطع طلب المساعدة».

ويحكى كواليس دخوله الفندق: «غافلت رجال البوليس وطرت للشجرة أتسلقها وتعلقت بأحد فروعها حتى وصلت وطرقت على زجاج الشباك الذى اتضح أنه لغرفة المصور على خير الله الذى أيقظته من نومه ليلتها، وأنا معلق على فرع شجرة والبوليس خلفى فى الشارع، وكان يجب أن يفتح خيرالله النافذة سريعًا لكنه قال لى بهدوء: «مبتجيش من الباب ليه يا على؟».

ويتحدث عن أجواء باريس ولقاءاته مع سعاد حسنى فيها: «فرنسا بلد جميل أوى وصورنا أعمالًا كتيرة هناك، ومرة كنت فى طريقى لمقابلة سعاد، وهناك فتاة جميلة اعتدت مقابلتها كلما ذهبت إلى البار فى الفندق، فأرسلت لى دعوة شفهية لمشاركتها الرقص وطلبت ذلك باللغة الفرنسية، التى تعلم أننى لا أجيدها، ووجدت والدى يشجعنى على قبول الدعوة قائلًا إن المودموزيل تدعوك وسعاد للرقص والعشاء».

ويتابع: «فى الموعد المحدد جاءت الفتاة الفرنسية صاحبة الدعوة بصحبة صديقتها وصديق صديقتها، وكأنها رتبت الليلة على أن يتطابق العدد بنتين وولدين، ولا تعلم شيئًا عن أن سعاد بصحبتى، ولا أدرى مع من سوف أرقص وأيهما التى يجب أن أرافقها».

ويروى كيف تخلص من تلك المعضلة: «كنت أخترع الحجج للتملص منهم بحجة جلب مزيد من العصائر والمشروبات من القاعة المجاورة، كنت أتحدث باللغة الإنجليزية فى قاعة الرقص الصاخبة، فسألنى أحد الرواد إذا كنت أمريكى الجنسية، فنفيت وأجبت بأننى مصرى، ليرد الرجل: نعم نعم إنك مصرى يعنى إحنا جيران.. فقلت له منين أنت السعودية ولا الأردن؟.. ليرد قائلًا إنه إسرائيلى».

ويضيف: «تقبلت ذلك، فيما عدا أنه ضايق سعاد والفتيات الأخريات وبدأ يتطاول بالأيدى وكسر زجاجة بيرة ولوح بنصلها الحاد وأنقذتنى سعاد جاذبة إياى من وسط دائرة الزبائن الفضوليين».

حظر أعمال نجيب محفوظ فى بعض الدول أثر على توزيع «الجوع» 

يكشف على بدرخان كواليس جديدة عن فيلمه «الجوع» الذى كان إحدى العلامات الفارقة فى مشواره فى عالم الإخراج، ويحكى كيف اختار قصته المأخوذة من أحد فصول ملحمة «الحرافيش» للكاتب العالمى نجيب محفوظ.

يقول: «أى كاتب سيناريو وصانع فيلم لا بد أن يعتمد على موضوع ما، والموضوع هو عين القصة، والمخرج ليس المسئول عن كل ما يعرض فى الفيلم، فى حين يكون الكاتب أو المؤلف هو أساس الحدوتة، فالمخرج فقط قائد فريق الإبداع، والمصور قادر على ترجمة وجهة نظر المؤلف إلى صورة، وكاتب السيناريو لا بد أن يكون موجودًا وحاضرًا لمناقشة المخرج فى لب القصة».

ويكمل أنه استنادًا إلى هذه القاعدة قرأ رواية «الحرافيش» جيدًا لاستنباط قصة تصلح للإخراج فى عمل سينمائى، لكن حدث أمر ما، يكشف عنه بقوله: «فى أحد الأيام اتصل بى يوسف شاهين وقال لى: تعالى يا دوقدق، أبلغنى أنه اشترى حقوق رواية الحرافيش وعايز يعملها مسلسل، وكان يحتاج ثلاثين حلقة عن ١٠ قصص، وكتبت بالفعل بعض القصص».

ويكشف عن مفاجأة أخرى حدثت فيما بعد، وهى «أن يوسف شاهين باع بعض القصص، لذلك كان لا بد أن أصنع مطًا وتطويلًا وإعادة صياغة للقصص المتبقية، فأنقذت قصة (الجوع) واشتريت حقوقها فى أثناء عملى عليها، وجدت أن الحرافيش ملحمة لا يمكن تجزئتها؛ لأنها علاقة بين الناس والسلطة وأصحاب رأس المال والمستغلين».

ويتابع: «السلطة هنا متمثلة فى الفتوة، والحرافيش هم الخاضعون، فصنعت اقتباسًا من الملحمة الأساسية داخل القصة التى اشتريتها، وقال لى نجيب محفوظ إن فيلم الجوع أكثر الأفلام اقترابًا من روح الملحمة الكبيرة».

ويواصل: «دا صحيح لأن بداية الفيلم كانت بعبارة (القاهرة ١٨٩٨)، لكن فى الواقع إنها كانت ١٩٩٨، لأن رؤيتى كمخرج أن ما كان يحدث فى عصر قصة الحرافيش يشبه تمامًا ما يحدث فى مصر بعدها بـ١٠٠ عام».

ويقول: «حاولت أن أترجم رؤيتى عن الفيلم مقارنة بالوقت والزمن ووقت تنفيذ الفيلم، كان يجب إيجاد مكان يشبه الحارات التى تناولها نجيب محفوظ وتصلح للتصوير، ولم يكن هناك ما يصلح، لكن صنعنا الحارة القديمة بحذافيرها ومشربياتها وأزقتها وما إلى ذلك من ديكور».

ويتحدث عن العقبات التى واجهته عند التصوير: «واجهت أزمة اعتزال العمال الذين يجيدون صنع ديكورات كهذه ومعظمهم أجيال على المعاش، وبالفعل تعاقدت مع عمال ديكور على المعاش طلبتهم بالعمل من جديد واستعنت بطلبة معهد السينما الذين عملوا فى طلاء الديكور وتنفيذه مع الأساتذة القدامى».

ويضيف: «تكلف الأمر مبالغ طائلة فى هذا الوقت، استعنت بمدير استديوهات، الذى رفض الدعم، ولكن عرض التعاون بشرط أن نصبح شركاء فى الفيلم، بمقابل ٤٠٪ لى و٦٠ له».

ويتحدث عن أجواء التصوير ويقول: «بنينا الحارة وبدأنا التصوير قبل أن ننتهى من بناء الحارة كاملة، بل كان التصوير فى حدود ما تم بناؤه، لدرجة أن هناك «شوت» واحد فقط تم تصويره بعد البناء كاملًا، ربما هو مشهد البداية».

ويكشف عن مفاجأة أخرى حدثت خلال العمل، ويقول: «بعد انتهاء التصوير تغير مدير الاستديوهات الذى عقد الاتفاق معى، وبالطبع خسرت وطلعت (مديون)، ومن الناحية الأخرى كانت أعمال نجيب محفوظ قد تعرضت لحظر التوزيع فى الدول العربية وتأثر الفيلم بالتبعية».

وعن أزمة توزيع الفيلم، يقول: «كان فى السبعينيات ٧٥٪ من دخل الأفلام يأتى من التوزيع فى السعودية والكويت، لكن الفيلم بعد كل هذه التكلفة لم يتحصل على نصف الإيرادات التى كان يستحقها».

«الراعى والنساء» تفوق على «رغبة متوحشة» رغم أنهما قصة واحدة

يحكى على بدرخان عن فيلم آخر تعرض لتجربة مشابهة لتجربته فى فيلم الجوع، وهو «الراعى والنساء»، الذى أنتج باسم آخر هو «رغبة متوحشة» من إخراج خيرى بشارة.

ويكشف مخرجنا الكبير تجربته مع فيلم «الراعى والنساء» ويقول: «كنت فى الإسكندرية وقابلت صديقى، كاتبًا مسرحيًا، وبيعيد كتابة عمل اسمه (جزيرة الماعز)، فقرأتها وناقشتها وكان اعتراضى على إسناد الأحداث للقدر، ولم أشعر بالارتياح للفكرة بصورتها تلك؛ لأن من وجهة نظرى الإنسان هو القادر على التحكم فى مسارى الخير والشر وغريزة الامتلاك».

ويكمل أنه قرر تقديم هذه الرؤية المستلهمة من «جزيرة الماعز» لكن من وجهة نظره، يقول: «أردت تقديم الفكرة، وكان أحمد زكى متحمسًا، وعرض علىَّ أن يكتبها أسامة أنور عكاشة، وبالفعل تقابلت مع الأخير، فطلب وقتًا للتفكير لتقديم ما يستطيعه من أفكار».

ويواصل: «بعد عدة أيام اتصل بى أسامة وكان فى بورسعيد وأخبرنى بأنه انتهى من معالجته فسافرنا له أنا وأحمد زكى، ولم يعجبنى ما كتبه، حينها صاح أحمد زكى أنه تقابل مع وحيد حامد بالصدفة بفندق مريديان وعرض عليه النص المسرحى، فتحمس الأخير ووافق على العمل على النص، فسحبناه من أسامة وعرضته على وحيد».

ويتابع: «فجاءنى وحيد بالورق لأجده عبارة عن فيلم (كاو بوى) وبعيدًا تمام البعد عن النص الأصلى وفكرته، بعدها هاتفنى المنتج حسين القلا قائلًا إنه مستعد لكتابة السيناريو، ولكنى رفضت لأننى مقاتل، وأنا من سيصنع فيلمى، واقترحت محمد خان للإخراج ونادية الجندى للبطولة».

لكن حدث تطور آخر تسبب فى أن الفيلم أصبح فيلمين، فيكشف «بدرخان»: «فى نفس التوقيت اتصل بى خيرى بشارة يقول إنه وصل لمسامعه أن محمد خان سوف يخرج الفيلم، لكن نادية الجندى لم توافق، وطلبت تغييره لأنها ترى أنه مخرج يحب الكبارى أكتر من وشوش الممثلين».

ويكمل: «فوجئت بأن المنتج غيَّر محمد خان إلى خيرى بشارة وقرروا ينتجوا العمل، فشكوت فى النقابة، مطالبًا بحقى؛ لأن فكرة تحويل المسرحية إلى عمل سينمائى من حقى أنا، وقال وحيد حامد الذى كتب لهم السيناريو: (لو هناك كلمة مختلفة فى النص الذى قدمته لك يبقى لك حق، وسلاموا عليكوا واختفى)».

ويتابع: «أصبحت حائرًا ما بين فكرة الاقتباس التى قدمتها للرقابة وبين اتنين سيناريو، ما كتبته أنا بنفسى والآخرين الذين استخدموا نفس الفكرة بسيناريو مغاير، وفى النهاية أخرجت الفيلم، وتم تصوير العمل الآخر، وعرضا فى العام نفسه، ولكن فاز فيلمى بجائزة مهرجان الإسكندرية وشعر حسين القلا بالندم، لأنه لم ينتج الفيلم، ولكن كنت أنا المنتج والمخرج وكاتب السيناريو، ولن أنسى دعم أحمد زكى ويسرا وتحامل سعاد حسنى على مرضها للنزول للتصوير يوميًا».