رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مريم ملاك.. قصة تفوق رغم التنمر

قصة الطالبة مريم ملاك هى قصة تستحق أن تروى ليعرفها الجميع فى بلدنا، لأنها نموذج حى لواقع نعيشه ويتضمن عدة متناقضات سافرة، وهذا الواقع نريده أن يكون أفضل، ونريد أن تتحول قصة مريم ملاك إلى دروس مستفادة من تجربة معاشة لكنها لحسن الحظ وبسبب الإصرار والاجتهاد وقوة العزيمة لمريم وأهل مريم فإن القصة تحولت من مأساة كادت تدمر مستقبل فتاة مجتهدة إلى قصة انتصار مبهج لفتاة مصرية.

تم ظلمها ووجدت نفسها فى مواجهة واقعة تنمر مروعة حدثت لها وأصابتها بالاكتئاب والألمين النفسى والمعنوى، بل كادت تعصف بمستقبلها.. أنا أحترم مريم ملاك الفتاة المصرية المتفوقة ذات العزيمة الفولاذية.. ورغم أننى لا أعرفها ولم ألتقِ بها شخصيًا، فإننى قرأت مشكلتها وصدقتها وتعاطفت معها ودافعت عنها، وكتبت فى صحيفة الدستور حينذاك أطالب بالعدالة لمريم ملاك، وبإجراء امتحان لها أو إعادة تصحيح أوراقها بلجنة محايدة ومستنيرة.. لأننى لم أصدق أن طالبة متفوقة فى الصف الأول الثانوى والصف الثانى الثانوى ترسب فى الثانوية العامة رسوبًا غريبًا ومستفزًا، بل وتحصل على رقم صفر فى جميع المواد.. وهو رقم يدل على غباء من ارتكب هذه الجريمة ضدها.. وقلت يومها إنه إما أن يكون المصحح متطرفًا دينيًا قاسيًا وعنيفًا، بالإضافة إلى عدم المسئولية أو أن المصحح قد استبدل أوراق إجابات مريم وحولها إلى تلميذ آخر يهمه شخصيًا بغية إدخاله كلية من كليات القمة.

إن التنمر السافر الذى حدث ضد مريم منذ ٦ سنوات، دفعنى للدفاع عنها ومحاولة رفع الظلم عنها باعتبارها فتاة مصرية مظلومة وسواء أكانت مسلمة أو مسيحية لا فرق بينهما، فكلاهما سيان عندى، إلا أن ما حفز قلمى على الكتابة دفاعًا عن مريم هو أنها مسيحية، حيث شككت أنه لا بد أن يكون وراء هذا التنمر السافر شخص متطرف ومتعصب دينيًا، وما أحزننى كثيرًا هو دموعها وحزنها على نفسها وحالتها النفسية السيئة، بسبب ما واجهته من ظلم وتنمر ضدها، وكذلك أنهم أطلقوا عليها طالبة «الصفر».

وهذا اللقب فى حد ذاته هو نوع من التنمر المقيت لترويع مريم وإسكات صوتها، ومريم كانت حينذاك طالبة بمدرسة الخمار الثانوية العامة بالمنيا بشعبة علمى علوم، ومن قرية صفط الشرقية، وحصلت على درجة ونصف فقط فى مادة اللغة العربية، وصفر فى كل المواد، ما أصابها بالدهشة لدى معرفة النتيجة وجعلها تتظلم فور معرفتها بذلك، وأصيبت بحالة نفسية وصحية سيئة للغاية، وبكاء مستمر بسبب هذه النتيجة الظالمة. وتم استكتابها ٥ مرات من أجل التأكد من خطها، وطلب منها من قبل خبراء فى وزارة التربية والتعليم الكتابة باليد اليسرى وبخط الرقعة، بينما كانت مريم قد حصلت على مجموع ٩٦ فى المائة فى امتحانات الصف الأول الثانوى وحصلت على نفس التفوق بمجموع ٩٨ فى المائة فى الصف الثانى الثانوى، ثم اعتذرت عن الدخول فى امتحانات الثانوية العامة حينذاك لوفاة والدها ودخولها فى حالة نفسية سيئة.

وعندما علمت بالصفر بعد تأدية الامتحان فى العام التالى لجأت مريم ملاك إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى أملًا فى إنصافها، فوجهت للرئيس رسالة من أجل التدخل لحل قضيتها، وفتحت النيابة التحقيقات فى القضية، وتمت الاستعانة بالطب الشرعى للتأكد من خطها عدة مرات، ثم أظهرت التحقيقات والآراء الكثيرة أن مريم صاحبة الصفر فى الثانوية العامة تم الخلط بينها وبين مريم أخرى من نفس محافظة المنيا التى تقيم فيها مريم ملاك، وظلت مريم تحارب طوال عام بأكمله سعيًا وراء حقها، وطرقت كثيرًا من الأبواب، وذهبت لتتحدث فى الإعلام، إلا أن وزارة التربية والتعليم لم توافق على إقرار أن هناك خطأً فى التصحيح، وهكذا تم إجبار مريم على إعادة السنة الدراسية التى تفوقت فيها بنسبة ٩٤ فى المائة لتلتحق بكلية الصيدلة حينذاك.

أما المفاجأة التى أسعدتنى وأسعدت الكثيرين من محبى العدالة والإنصاف والذين تعاطفوا مع دموع مريم منذ ٦ سنوات أن إيهاب رمزى محامى مريم قد أكد أنها تعيش قصه تفوق ونجاح واجتهاد فى كلية الصيدلة، وأنها تنجح كل سنة بامتياز مع مرتبة الشرف، وحصلت أيضًا على بكالوريوس كلية الصيدلة بتقدير امتياز، وهكذا أثبتت مريم ملاك لمن ظلموها منذ ٦ سنوات أن الصفر فى الثانوية العامة لم يكن صفر مريم ملاك ذكرى، وأن ورق مريم المتفوقة فى الثانوية العامة منذ ٦ سنوات قد ذهب لطالبة، أخرى غيرها، إلا أن هناك من أخفوا ما حدث ولم يرحموا دموع الطالبة المتفوقة التى ظلموها حينذاك، وها هى مريم، ومع تفوقها تؤكد أمام بلدنا كله أنها متفوقة وأنها مجتهدة، وانتصرت مريم ملاك على ظالميها بتفوقها وباجتهادها وبإصرارها على النجاح، ألف مبروك يا مريم، وهذه مقالتى أهديها إليك لتكريمك، وإعادة الاعتبار لك من خلال جريدة الدستور اليومية وبهدف تقديم الحقائق للقارئ.

وأطالب أيضًا وفى نفس الوقت بتوخى الأمانة من قبل المصححين الذين يقومون بتصحيح أوراق طلبة وطالبات الثانوية العامة فى كل عام، حتى لا تتكرر المأساة التى عانت منها مريم ملاك، الطالبة «الملاك» التى أعادت لها السماء حقها بعد ٦ سنوات، كفكفى دموعك يا مريم، واستعدى للفرحة ولدخول سوق العمل، ولبناء مستقبلك المهنى وأنت منتصرة وناجحة بتفوق، ومرفوعة الرأس على كل ظالم وجبار أساء إليك يومًا.

إن الحقيقة قد تختفى إلى حين، لكنها تظهر حتمًا ولو بعد حين، وهناك مثل إنجليزى يعجبنى يقول: «تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لا تستطيع أن تخفى الحقيقة عن كل الناس كل الوقت»، فحتمًا ولا بد أن تظهر الحقيقة ولو بعد حين.. ولو بعد سنوات.