رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأبطال الخارقون خيال لا يمكن تحقيقه «2-2»

داعبت مجلات الكوميكس والسينما العالمية خيال الإنسان وطموحه بخلق شخصيات خارقة لديها القدرة على الطيران، ويزيد حجم إحداها عن حجم عمارة سكنية وقد يتصف بعضها بالخلود، وقد اتخذوا لتحول هؤلاء الخارقين أسبابًا علمية، لكنها فى الحقيقة مستحيلة الحدوث، أو سيكون ضرر هذا التحول أكبر من فائدته.

مثلًا قدرة الإنسان على الطيران دون أجهزة مساعدة تبدو أمرًا صعبًا وله الكثير من المخاطر على صحة الإنسان بسبب طبيعة جزيئات الهواء المتباعدة وغير الثابتة، كما هو الحال مع جزيئات الأرض الثابتة والتى تسهل لنا السير عليها.. وأقصى سرعة حققها الإنسان على الأرض ٢٧ ميلًا «حوالى ٤٣ كم» فى الساعة، وتعتمد سرعة الجرى على القوة التى تبذلها ساق العدّاء، وعندما نجرى فنحن نتحرك للأمام بالدفع فى اتجاه الأرض بأرجلنا، ولأن جسيمات الأرض صلبة فإنها تدفع بنا بالمقابل مما يدفعنا للأمام.

ولكن ليس الحال هكذا مع الماء والهواء، فالماء سائل ينساب بسهولة، عندما نحرك أطرافنا لندفع فى اتجاه الماء جزء من جزيئات الماء ترجع وتبعد بعضها البعض بدلًا من أن تدفعنا، لذا فإن «مايكل فيلبس» هو حاليًا أسرع بشرى فى الماء والأكثر حصدًا للميداليات فى الأوليمبياد، وأعلى رقم سجله هو أقل من ٥ أميال فى الساعة، فأى طفل فوق الأرض يمكنه بسهولة تجاوز «مايكل فيلبس» فى الماء.

والحال أصعب فى الهواء، حيث يحتوى الهواء على مساحات شاغرة أكثر للجزيئات لتبعد بعضها البعض، إذن سوف يتم هدر كثير من الطاقة لدفع الهواء إلى الوراء لنتحرك للأمام، فيصبح الطيران فى الهواء أشبه بالسباحة على الدوام، أى ستكون حركتك بطيئة، وسيتوجب عليك الطيران على ارتفاعات منخفضة، أمتار قليلة فوق الأرض، لا تتخيل أنك يمكن أن تطير فوق السحاب، سوف تحتاج أن تغطى نفسك لتحافظ على درجة حرارة جسمك، وإلا ستبدأ بالارتجاف بعنف إلى حد المساس بمداركك العقلية وطبعًا السقوط من السماء لعدم التحكم فى عضلاتك بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم. 

أن تطير فقط بعض الأمتار فوق سطح الأرض فلن يمكنك رؤية إشارات الطريق وتتنفس الأكسجين بسهولة، ما زلت فى حاجة إلى خوذة ونظارات الوقاية لتحميك من الطيور والحشرات، ولن تستطيع رؤية إشارات الطريق وأسلاك الكهرباء، وإذا اصطدمت فى الجو بشىء ستفقد الوعى وتعانى من السقوط إلى أن ترتطم بالأرض. 

وبالنسبة لنمو الكتلة الجسدية، زيادة الحجم، تُظهر السينما الأبطال الخارقين وقد نما حجم أحدهم لحجم مبنى، وإذا حدث هذا لسبب ما فإن قلبه يحتاج إلى ضخ كميات كبيرة من الدم فى جميع أنحاء جسمه لتوفير الأكسجين الكافى له لتحريك هذه الكتلة، وزن الجسم، وهذا من شأنه أن يحتاج لطاقة هائلة يستمدها من الطعام، ولن يكون طعامه اليومى ليحافظ على طاقته وحركته أقل من ١٥٠ وجبة كبيرة من ماكدونالدز، ولن يكون لديه وقت لعمل شىء سوى تناول الطعام طوال الوقت. 

وهناك الأبطال الخارقون الذين تتحول أجسامهم إلى صخور أو رمال، هذا التحول يحتاج، وفقًا للعلم، أن يكون داخل هذا البطل مفاعل نووى حتى يتم تحويل ذرات جسده الذى يتكون من الأكسجين وعناصر أخرى إلى أوكسيد السليكون أو الرمل، فعن طريق الاندماج أو التفاعل النووى الذى يتطلب الكثير من الحرارة، سيكون البطل الخارق محطة طاقة نووية، تدمر كل من يقترب منها.

أيضًا، من سمات الأبطال الخارقين الخلود، لكن الخلود ليس نعمة مطلقة، فأولى مشاكل الخلود، إذا أصبح صفة للجميع، هو التكدس والازدحام الشديد، أما إذا كان الخلود لفرد واحد فإنه سيعيش بعد أكثر من مائتى عام فى حزن وتعاسة ووحدة لأنه سيظل على قيد الحياة بعد أن يودّع كل من أحب فى يوم ما، وسيفقد ذاكرته وذكرياته عامًا بعد عام، إننا لا نتذكر جميع تفاصيل ماضينا لأن لدى دماغنا سعة محدودة ونستبدل الذكريات غير المفيدة، والخلود لن يفيد ذاكرة الإنسان.. كما أن الخلود لا يتضمن المناعة، فهو يعنى فقط أن الإنسان لن يموت، ولكن هذا لا يضمن ما الأوضاع التى سيعيش بها، تخيل كم الندوب والإصابات التى يمكن أن تحدث لك إذا عشت ألف أو ١٠ آلاف سنة، هل سيستطيع الإنسان الخالد الاحتفاظ بأطرافه، وأسنانه، وأنفه، دون إصابات أو ضرر؟ صعب. 

وهناك حقيقة كونية هى أن شكل الإنسان تطور على مدى آلاف السنين، فإذا كان هناك إنسان واحد خالد فهو لن يتطور، بينما جميع الناس تتطور جيلًا بعد جيل، وسيبدو فى النهاية مختلفًا عن الأشخاص المحيطين به، وقد يكون مكانه متاحف التاريخ الطبيعى. 

الحقيقة المؤكدة أن العلم يقول لنا إن صناعة الأبطال الخارقين هى صناعة هوليوودية للتسلية ليس إلا، وإنه لا يمكن أن يكون هناك أبطال خارقون سوانا، فكل من يكافح فى الحياة ويحاول التغلب على الظروف الصعبة أو المعوقات المحيطة بطل خارق، يكفيك فى مدينة مثل القاهرة، ومع بداية العام الدراسى، إذا حافظت على مواعيدك، وحافظت على هيكل سيارتك دون خدوش تكون بطلًا خارقًا.