رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الديون الخارجية.. كيف تفهم القصة ببساطة

تصاعد الفترة الأخيرة كثير من الجدل والنقاشات الممزوجة بقلق وهلع، وفى بعض الأحيان التشفى والشماتة وتعمد إثارة حالة من الخوف والرعب من مستقبل اقتصادنا ومستقبل أبنائنا، وكيف سيكون الاقتصاد والدولة التى سنورثها لأحفادنا؟!، حالة الهلع التى أقصدها يروج لها الكثير من اللجان الإلكترونية والحسابات الوهمية فى معظمها والحقيقية فى بعضها، هذه اللجان والصفحات تابعة بشكل أو بآخر إلى جهات محلية معادية لدولة ٣٠ يونيو وللمصريين بشكل عام، بعد أن استفزتهم إنجازات ومشروعات بلادنا التى فضحت بشكل أو بآخر فسادًا وإهمالًا وتكاسلًا فى عقود مضت من حكم فاسد وردىء أدى بنا إلى ما نعلمه من ترهل وتدهور وتفكك الدولة والخدمات والمؤسسات، حتى انفجار الأوضاع وطفح الكيل بثورة ٢٠١١.

هذه الجهات تنتظر أى تقرير دولى لتنشر خرافات وأكاذيب وتدليسًا كاملًا عن اقتصادنا، من ضمنها تقارير صدرت مؤخرًا لكل من: صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، ستاندرد آند بورز، هذه الجهات الثلاث تحدثت بمنهجية مختلفة عن الديون المصرية والوضع الائتمانى لبلادنا بعد وصول الدين الخارجى إلى ١٣٧ مليار دولار فى أحدث إحصائية أصدرها البنك المركزى المصرى.

هذه الجهات المعادية اعتمدت فى أغلب توجهاتها على اقتطاع الحديث من سياقه وتقديم صورة مجتزأة للحقيقة، مع تعمد إخفاء بعض الحقائق وتصدير أخرى منتقاة بعناية، للتأكد من تحقيق الهدف المنشود وهو إطلاق ونشر حالة من الرعب والقلق الذى سوف ينتاب كل من يقرأ هذه الخرافات والأكاذيب من غير المتخصصين وعامة الجمهور.

فى البداية، رقم ١٣٧ مليار دولار قد يكون بالنسبة لنا نحن كأفراد عاديين رقم مهول وبالغ الضخامة ويوحى بأن الدولة فى عثرة مالية وعلى وشك الإفلاس، لكن دعنى أشرح لك ببساطة كيف تقاس هذه الأمور فى عرف الاقتصاد العالمى.

أولًا: يجب عليك أن تحسب قيمة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى، وناتج هذه القسمة يكون ٣٤٪، البنك الدولى يقول لنا إننا يجب أن نقلق فى حال تعدت النسبة ٦٠٪، ولكى تفهم ببساطة ماذا تعنيه هذه المعادلة، تخيل الأمر على نفسك وعلى حياتك الشخصية، لو كان لديك قسط وجمعية والتزامات شهرية بمبلغ افتراضى= ٥٠٠٠ جنيه، بينما صافى دخلك الشهرى من الراتب وخلافه= ١٥٠٠٠٠ جنيه، إذن ناتج قسمة الدخل على الالتزامات يبلغ ٣٣٪ تقريبًا، طبق نفس الفكرة على اقتصاد الدولة بدلًا من اقتصاد الفرد، فى حالة الدولة: الالتزامات = الدين الخارجى، والدخل = الناتج المحلى الإجمالى.

ثانيًا: يجب عليك معرفة أين تنفق أموال هذه الديون/القروض الخارجية؟ لأنه بمعرفة منهج الإنفاق تستطيع أن تصنف هذه الديون وما إذا كانت ديونًا سيئة أم جيدة، هل هناك ديون جيدة من الأساس فى كتب الاقتصاد؟ نعم، ومقصود بها الديون الاستثمارية التى تنفَق على مشروعات تدر دخلًا تسدد منه قسط القرض وتحقق دخلًا إضافيًا، بينما الديون السيئة هى التى تنفق على رفع أجور الموظفين مثلًا أو استيراد سلع استهلاكية من الخارج.. سيئة لأنها لا تدر دخلًا ولا تخلق فرص عمل وتحمل الدولة أعباءً إضافية دون عائد يذكر.

للتبسيط، يمكنك تشبيه ذلك بشخص يقترض من البنك لشراء سيارة تاكسى، وآخر يقترض من البنك لشراء سيارة لاستخدامه الشخصى أو للرفاهية، الأول يسمى قرضًا جيدًا لأنه يدر دخلًا يخلق فرص عمل يرفع الإيرادات الضريبية ويسدد جزءًا من قسط القرض عبر هذا الدخل المتحقق، أما الثانى فيسمى قرضًا سيئًا لأنه لا يخلق أى ربحية بل صافى استهلاك.

وغنى عن الذكر أن نوضح حجم المشروعات الهائل الذى تم تنفيذه فى السنوات السبع الفائتة عبر إنفاق أموال الديون على رفع كفاءة البنية التحتية وتحسين مناخ الأعمال وتقليل معدل البطالة ومواجهة النقص والعجوزات فى السلع والخدمات الأساسية وغيرها من المشاريع التى غيّرت وجه مصر ١٨٠ درجة بين ٢٠١٤ و٢٠٢١.

ثالثًا: كل دول العالم مدينة بمئات التريليونات من تلال وتلال من القروض، فى أحدث إحصائية أصدرها معهد التمويل الدولى iff، قال فيها إن إجمالى الدين العالمى قد لامس حاجز ٣٠٠ تريليون دولار حتى الربع الثانى من العام الجارى، أما البنك الدولى وفى تقريره الأخير، الذى صدر الشهر الماضى، فأوضح حقائق مذهلة عن عدد من الدول الناشئة وكيف أسست نهضتها الاقتصادية على تلال من الديون، على سبيل المثال انظر إلى قيمة الدين الخارجى حتى ٢٠٢٠ للدول الآتية:

■ الصين = ٢٣٠٠ مليار دولار.

■ البرازيل = ٥٥٠ مليار دولار.

■ إندونيسيا = ٤١٧ مليار دولار.

■ الهند = ٥٦٤ مليار دولار.

■ روسيا = ٤٧٥ مليار دولار.

■ تايلاند = ٢٠٤ مليارات دولار.

ومع ذلك لم تتعرض هذه الدول طيلة العقود الثلاثة الماضية لأى تعثرات مالية أو إفلاس أو العجز عن السداد، لأن اقتصادها كان ينمو بمعدلات أسرع من معدلات نمو الديون، إضافة إلى أنها كانت تستخدم الديون بذكاء وحكمة فى بناء مشروعات بنية تحتية تمهد الطريق لتحسين ظروف عمل القطاع الخاص وخلق مزيد من فرص العمل.

وهذه هى العبرة والدروس المستفادة من قصص وتجارب نهضة هذه الدول التى سبقتنا: طريقة إنفاق الديون هى التى تحدد ما إذا كانت الدولة تسير على الطريق الصحيح أم لا، وطالما أن السياسات العامة للقيادة المصرية ترتكز على التنمية الشاملة وتنفيذ مشروعات فى كل الاتجاهات والقطاعات، طالما كان الهلع غير مبرر بل على العكس يجب علينا أن نشعر بالطمأنينة والهدوء والثقة فى أن مستقبلنا سيكون أفضل وأجمل بإذن الله، وبشهادة العالم أجمع مصر قامت وعادت، مصر صنعت معجزات فى سبع سنوات هى عمر قصتنا القصيرة وإذا كنا قد استطعنا تحقيق كل هذه الإنجازات المذهلة فى هذا الوقت القصير، فما بالك بما نستطيع الوصول إليه لو كان لدينا وقت أطول، والدخول إلى قائمة أكبر ٢٠ اقتصادًا بالعالم.. حلم ليس ببعيد! مصر قادمة، مصر هى شمس الدنيا.