رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شرق المتوسط.. انحياز إجبارى

فى الجولة التاسعة من قمة آلية التعاون المصرى اليونانى القبرصى، قام زعماء الدول الثلاث بتقييم ما حققته الجولات السابقة، وأكدوا أهمية التبادل الدورى والمنتظم لوجهات النظر، وتنسيق المواقف إزاء عدد من القضايا التى ترتبط باستقرار منطقة المتوسط، ومن ضمنها الملف الليبى، وشددوا على أن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا باحترام وحدة وسيادة دولها وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، ومراعاة مقتضيات أمنها البحرى، لكونه جزءًا لا يتجزأ من الأمن الإقليمى.

آلية التعاون بين الدول الثلاث انطلقت من القاهرة، فى نوفمبر ٢٠١٤، لمواجهة التحديات المشتركة، والتغلب على التهديدات التى تستهدف ثروات شعوبها. وأمس الأول الثلاثاء، اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى مع نظيره القبرصى نيكوس أناستاسياديس، وكيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس وزراء اليونان، مجددًا، فى العاصمة اليونانية أثينا. وبالإضافة إلى ما سبق، قاموا بتوقيع مذكرة تفاهم للربط الكهربائى الثلاثى. وعرفنا من البيان المشترك، أن «هذا الربط يعزز التعاون وأمن الطاقة ليس فقط بين الدول الثلاث ولكن أيضًا مع أوروبًا». 

باستثناء تلك النقطة، لم يتضمن البيان الثلاثى جديدًا، بل أعاد التأكيد على مواقف ثابتة، سبق الإعلان عنها، مرارًا، فى سياقات مختلفة، تتعلق بجهود تسوية الأزمات التى يعانى منها بعض دول المنطقة، مع التأكيد على دعم المؤسسات الوطنية بهذه الدول للوصول إلى تسوية سياسية تستعيد من خلالها أمنها واستقرارها، وتحافظ بها على وحدة أراضيها وسلامة شعوبها.

روابط الصداقة، التى تجمع بين قادة الدول الثلاث، والعلاقات التاريخية بين شعوبها، أسهمت فى تحقيق طفرة نوعية على مختلف الأصعدة، طوال السنوات السبع الماضية، وحققنا تقدمًا واضحًا فى مجالات الدفاع، الأمن، ومكافحة الإرهاب، كما حققت الآلية نتائج ملموسة فى الطاقة، الاقتصاد، التجارة، البيئة، السياحة، حماية التراث، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و... و... وحال توحد جزيرة قبرص، أو تحرير ثلثها المحتل، فإن الدول الثلاث ستكون أكثر قدرة على لعب دور مركزى فى شرق المتوسط، وعلى المستوى الأوروبى إجمالًا.

تأسيسًا على ذلك، كان طبيعيًا أن يجدد الرئيس السيسى، فى كلمته خلال المؤتمر الصحفى، دعم مصر لمساعى جمهورية قبرص، وكل الأطراف الدولية المعنية من أجل إيجاد حل شامل وعادل للقضية القبرصية ليس فقط بسبب روابط الصداقة، ولكن أيضًا احترامًا لمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. بالضبط كما دفعها التزامها واحترامها لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار إلى التعاون، فى ملف غاز شرق المتوسط، مع اليونان وقبرص، وتجاهل الأطراف التى لم توقع على الاتفاقية.

الانحياز للقانون الدولى والمعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة ليس اختياريًا، سواء فى شرق المتوسط أو غرب المريخ. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك الانحياز الإجبارى، المنطقى والطبيعى، أن الدول صاحبة الحضارات تتلاقى وتتعاون وتتوافق، بينما لا تجيد الدول اللقيطة غير النعيق. ومن هذا المنطلق، أعربت مصر واليونان وقبرص عن «نيتها تعزيز تعاونها فى استكشاف ونقل الغاز الطبيعى»، مشيرة إلى أن هذا التعاون «عامل مساعد فى استقرار المنطقة». 

الدول الثلاث، لعلك تعرف، يجمعها «منتدى غاز شرق المتوسط»، الذى تم تأسيسه بمبادرة أطلقتها مصر، فى أكتوبر ٢٠١٨، ودعمتها اليونان وقبرص، وخلال أقل من عشرين شهرًا، تحول المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة. ولعلك تعرف، أيضًا، أن التحولات العديدة، التى شهدها شرق وجنوب المتوسط، منذ سنة ٢٠١١، كان أبرز أهدافها السيطرة على مصادر الطاقة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر واليونان يجمعهما منتدى آخر، هو «منتدى الحضارات القديمة»، الذى انطلقت فكرته من أثينا، وشاركت مصر فى بلورتها، ثم فى تأسيس ذلك المنتدى، الذى يمكن تلخيص فكرته فى أنه محاولة من الدول صاحبة أقدم الحضارات، لاستحضار القواسم المشتركة، والحفاظ على تراثها الثقافى والإنسانى ومد جسور التواصل والتفاهم بين شعوبها، وخلق قوة دفع إضافية للجهود المبذولة، إقليميًا ودوليًا للتصدى لخطر الإرهاب والتطرف، وتبادل تجارب الاستفادة من تطوير الاقتصاد السياحى وتوجيهه لخدمة جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.