رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أينما يكون الفراغ.. يعشعش الفساد

حيث يكون الفراغ، يأتي الفساد ليحتل مساحته.. واقع عاشته مصر لأكثر من ستين عامًا، تحول الكثير من مناطقها إلى عشوائيات، وكثرت التعديات على أراضيها، وضاعت حقوق المواطنين بعامة، على أيدي فئة تجرأت على ما هو حق للجميع، حتى بلغ حجم ذلك 40% من مساحة مصر، والدولة شبه غائبة، أو على أحسن الظن متجاهلة، تحت عنوان (دع المواطن يجد حل مشكلة سكنه وأكل عيشه بنفسه)، حتى وجدنا أنفسنا أمام كارئة اجتماعية وبيئية، تدفع الدولة الآن ثمنها باهظًا، عندما أرادت أن تعيد الأوضاع إلى طبيعتها، برد المسروق والمنهوب، وإعادة تخطيط المجتمع على أسس إنسانية أولًا، وحضارية تحقق حياة كريمة للمواطن، بل وتحقق له الرفاهية المنشودة.
والفراغ لا يكون في المكان وحده.. فحينما حل الفراغ بالعقول، خلال سبعينيات القرن الماضي، بتقصير الدولة في القيام بواجباتها، من نشر الثقافة والفكر وخلق الوعي الحقيقي لدى المواطن، ساد الجهل وتفشت الفوضى والبلطجة.. وحينما انعدم تأثير رجال الدين المخلصين، وبالإهمال في دعوتهم على أسس سليمة مما جاء من الله والرسول، طغى التطرف ووقعت الدولة تحت براثن جماعات متأسلمة، عادت بالبلاد قرونًا إلى الوراء، حتى حاولت اختطافها برمتها بعد أحداث يناير 2011، لولا لطف الله بهذه البلاد، الذي كشف عورة هؤلاء، وأزال الرداء عن تجار الدين، ففضح نواياهم تجاه البلاد والعباد معًا.. وعندما تحايل البعض على القانون، طغى من طغى، دون رادع ولا مانع، حتى ساد منطق القوة والفهلوة، ومن هو الأقدر على استغلال الثغرات، في مزيد من الكسب الحرام، والثراء على جثث الفقراء.
وعندما غاب الحلم المقرون بالعمل، غرقت البلاد في دياجير التخلف والنكوص إلى الوراء، وصارت مصر التي كانت رائدة، تقف خلف الصفوف، وقد سبقتها في التحضر والتقدم، بلاد لا يتجاوز عمرها المائة عام، وهي البلد صاحبة السبعة آلاف عام من الحضارة.. لكن النكوص عن العمل والتفكير، وانعدام الحلم بغدٍ أفضل، والرضا بما تحت أيدينا فقط، كان كفيلاً بأن نكون أمام بلد يحتاج كل ركن فيه إلى ثورة حقيقية، من العمل والجد والاجتهاد.. ويستلزم أموالًا ضخمة، لأنك تعيد بناء كل شيء من جديد.. أرأيتم كم خسرنا في هذه السنين العجاف؟
وفي فراغ الساحة من الإعلام الواعي، القادر على التعبير عن حقائق الواقع، ساد الجهل بالإنجاز، وأصبح البراح واسعًا أمام دعاوى المشككين والمغرضين، للطعن في كل ما تقوم به الدولة، وما تبذله الحكومة من جهد، وما تحققه من طفرات، في كل المجالات، لا يمكن للعين البصيرة إنكاره أو تجاوزه، لكن أنى لهذه العين أن تبصر، وأدوات النقل الأمين قاصرة، عن الكشف عن الحقيقة الواقعة، والإنجاز الضخم غير المسبوق.. إعلام لم يقدر أن يكون بحجم الورشة الكبرى التي امتدت بامتداد الجغرافيا في مصر كلها، تسابق الزمن، لتصنع من الحلم مصرًا جديدة، واقعًا يستحقه المواطن، وتريد القيادة السياسية أن يستمتع هذا المواطن بثماره في أسرع وقت.. عندما تم إطلاق مشروع المدن الجديدة، بما فيها العاصمة الإدارية، شن المغرضون حملة كبيرة للتشكيك، كالعادة، وبث عدم الثقة، بأن ذلك موجه للأغنياء دون الفقراء.. (يا ترى بعد المدة دى.. هل ما زلتم شايفينا مهتمين فقط بالطبقة المتوسطة والأغنية، ولا بالكل؟).
في كلمته، يوم السبت الماضي، خلال افتتاحه، مجموعة من مشروعات إسكان بديل المناطق غير الآمنة، بمنطقة السادس من أكتوبر، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، (من كام يوم حد بيقولى، هو أنت ليه مش فرحان.. اللى بيتعمل كتير قوى.. قلت له: تصدق أنا مش بشوف اللى اتعمل، أنا بشوف اللى لسه متعملش).. (يحلم بـثلاثة ملايين وحدة سكنية.. أنا عايز أعلم الناس كويس، بس أعلمهم وهما عايشين كده؟.. أعلم إيه؟.. دى شخصية هتكون رافضة وكارهة كل شيء.. من فضلكم مزيد من البرامج لإخراج المواطنين من الحالة التى كانوا يعيشون فيها)، موجهًا حديثه لمنظمات المجتمع المدنى ووزارة التضامن.
(ربنا خلانى مسئول عن البلد، كرب الأسرة، ورب الأسرة بينفق ومسئول أمام الله عن ناسه فى كل شىء، مش مسئول عن إنه يقعد فى مكانه ويحافظ عليه، لا والله، مسئول عن الناس، وكل ما هيعملهم حاجة هيبقى ليه أجر كويس والعكس صحيح، هما يومين هنقعدهم على وش الدنيا وكل واحد هيقابل ربنا، وأنا زيى زى غيرى، هقابله وأتمنى إنه يكون لقاء طيب).. هذه هي القاعدة التي وضعها الرئيس السيسي ناموسًا لحكمه مصر.. لا يمكن أن يفرط في حق أحد، أو يقصر في عمل ما هو مطلوب لكل أحد، (هفضل، وهنفضل نكسر فى التحديات، ونبنى ونغير، لغاية لما نبقى قد الأمانة اللى أقسمنا أمام الله نتحمل مسئوليتها).
إن البناء على الأراضى الزراعية، هو تآكل للأراضى الخضراء التى تنتج للدولة وتدر عائدًا على البلد، ويتم تحويله لمبان، وهي ظاهرة تحتاج لدراسة من جميع الجهات المتخصصة، من جامعات والمفكرين والمثقفين.. قيام الأهالي بالبناء على الأراضى الزراعية، من شأنه أن يفقد مصر مساحات غالية من الأراضى المنتجة، بتحويلها من الزراعة إلى البناء، بينما هناك أراضٍ صحراوية تزيد على 90% من مساحة مصر، يمكن الاستفادة منها بشكل مخطط.. وهذه واحدة مما تعرض له الرئيس في كلمته السبت الماضي، وتعجب (مش عايزين تحلموا لبلادكم ونفسكم ليه، وراضيين بقالب طوب تحطوه وخلاص، إحنا نقدر نغير ظروفنا)، (هتساعدونا عشان نعمل اللى شايفينه ده، إحنا بنتعامل مع أوضاع، مش هتتعالج إلا إذا كنا كلنا مع بعض، وتتضافر جهودنا عشان نغير حياتنا ونحقق حلمنا، مش عايزين تحلموا معايا ليه بس).
غير أنه، وللحق نقول، إن ما نحن فيه، من تعديات على الأراضي والبناء المخالف، وكذا على الأراضي الزراعية، وما نعانيه من تراكم القمامة، وغيرها، ليس مسئولية تختص بها الحكومة وحدها، بل إن الشريك الأساس والطرف الأصيل في المعادلة، هو المواطن الذي نظر تحت قدميه، فوجد أن مصلحته الخاصة في ممارسة المخالفة، مع أنها ستعود عليه بالضرر في العموم.. المواطن الذي استحل أن يأخذ ما ليس له، جورًا على حقوق الآخرين.. المواطن الذي لم يستح من الله ولا القانون، فراح يزور بطاقة تموينية، يصرف بها مواد، هي حق لمواطن غلبان، ربما كان أحوج لها من غيره.
كان لطف الله كبيرًا مع مصر، التي كادت أن تُدمر مثل دول أخرى، لولا انتباه الدولة والقائمين عليها، والقائمين على بناء الوعى بدورهم الحقيقى.. وكان مسك الختام، قول الرئيس (فيه معايا دعم إلهى، اللى بيتعمل بدعم إلهى مش بقدراتنا.. والله العظيم ده دعم إلهى عشان إحنا غلابة، قاعد يساعدنا وبيدينا وبيسترنا.. ساعدونا على إننا ناخد بالأسباب.. أنا بشكر ربى وبنشكر كلنا ربنا، إنه أعطانا ومكنا، ولسه وبكره تشوفوا، هنعمل وهنعمل، أنا بمشى كتير فى البلد لوحدى، وكل ما بمشى ألاقى لسه بدرى).
السيد الرئيس..على قدر الحلم العظيم، ستكون مصر عظيمة.. حفظها الله من كيد الكائدين.. آمين.