رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شىء كبير يجرى

رغم أهمية كل ما جرى فى افتتاحات الإسكان البديل بالأمس، إلا أن الأهم كان فى الفقرة التى شرحت جهود الدولة فى العمل الاجتماعى مع مواطنى العشوائيات سابقًا، والمدن الجديدة حاليًا، شرحت وزيرة التضامن الاجتماعى برنامجًا متكاملًا لتوعية المواطنين ورعايتهم نفسيًا، واجتماعيًا، تحدثت عن برامج لتوعية المواطنين بقضايا مثل الإدمان، والأمية، وتربية الأبناء، والختان، وعدة قضايا أخرى، أهمية ما يجرى أن الدولة عادت لتمارس دورها الذى استقالت منه منذ السبعينيات تقريبًا، هذه الاستقالة تركت فراغًا تقدم الإخوان والسلفيون ليحتلوه بخطى ثابتة ومخططة، على امتداد مصر كلها انتشرت آلاف الجمعيات الممولة، تخاطب المواطن البسيط وتسرق وعيه، تصوغ له الحقائق كما تريد، وتصور له العالم كما تراه، تلبى حاجته للتعليم، والصحة، والتموين، والأهم أنها تفعل هذا عبر الاتصال المباشر من كوادرها مع المواطن البسيط.. اليوم تقوم الدولة بدورها، ليس فقط عبر بناء مساكن آدمية يسكن فيها المواطن، ولكن عبر رعاية اجتماعية، وتوعية، وتثقيف، وتدريب مهنى، وهو ما يستحق التحية.. المشكلة أن البعض يعترض لمجرد الاعتراض.. والبعض الآخر يعترض على ترتيب الأولويات، والحقيقة أن الدولة تطرح منطقًا يبدو واضحًا، ومنطقيًا، ويمكن قبوله لمن يريد أن يكون منصفًا.. نحن لدينا زيادة سكانية بمعدل ٢ مليون مواطن كل عام، ومنذ السبعينيات نتحدث عن ضرورة الخروج من الوادى الضيق، لكننا كنا نكتفى بالحديث فقط، الآن تنفذ الدولة فعلًا خطة طموحة للخروج من الوادى، وتؤسس مدنًا ومجتمعات جديدة، لأن هذا أصبح فرض عين، وليس مجرد رفاهية، هذه المدن الجديدة لن يذهب إليها المواطن بالطائرة، أو عبر بساط الريح، لذلك يجب أن نشق عشرات المحاور والطرق.. وهى أيضًا ليست رفاهية، لأن المدن الجديدة بدونها ستفقد قيمتها الاقتصادية، ونفعها للناس، إذن الموضوع كله خاضع لرؤية اقتصادية متكاملة، متر الأرض فى مدينة يصلها القطار غير سعره فى مدينة لا مواصلات لها، وهكذا.. أنت كمواطن، أو كسياسى، أو كصاحب حساب على وسيلة تواصل، لك وجهة نظر أخرى.. أهلًا وسهلًا، لكن الناس لم تخترك أنت، بل اختارت الرئيس، إذن ليس أمامك سوى أن تبدى رأيك وتتمنى التوفيق لجهد الدولة ومخططها فى التنمية لأنه جهد صادق ومخطط مدروس، قال لى طبيبى بعد أن رأى تحليل نسبة الدهون فى دمى، نحن نحتاج دواء يعالج ما ترسب على شرايينك فى الماضى، ويمنع أن تترسب دهون كثيرة فى الحاضر، وهذا هو حال الدولة حاليًا حرفيًا، تعالج آثار إهمال، وتراخى ٤٠ عامًا مضت، وتخطط للمستقبل أيضًا، إزالة العشوائيات وبناء مساكن آدمية ليس رفاهية، ولكنه طريق أى دولة للنهوض، الصين فعلت هذا وفيتنام فعلت هذا، وتركيا أيضًا، لكن «الشيخ البعيد سره باتع»، كما يقول المثل الشعبى. منذ بدء تطوير الطريق الدائرى أسأل نفسى عن هذه العقلية البليدة التى اكتفت بشق الطريق دون تخطيط الأراضى التى تحيط به، شقت الدولة الطريق دون أن تخطط ما حوله، فبنى الناس مساكن عشوائية قبيحة، الطريق رفع سعر الأراضى المحيطة به مئات المرات، لكن الدولة الكسولة والعجوز لم تهتم، لا بتخطيط الطريق، ولا بجنى الأرباح، ولا بالبعد الاجتماعى، ولا بالبعد الجمالى، ولا بأى شىء، الطريق تم شقه فى عهد وزير كان يوصف بأنه «بلدوزر» ثم اتضح أنه واحد من أكثر من حقق معهم فى قضايا فساد، اليوم تحدث الرئيس عن الطريق الدائرى ولم يشرح ما أدى لهذه النتيجة المزرية لأنه رجل عف اللسان، البعض يقول إن الاستثمار العقارى ليس كل شىء، وأنا موافق على هذا، ولكننى أقول إن العقارات قد تكون ليست «كل شىء» ولكنها شىء مهم بكل تأكيد، عندما ترى تقريرًا مصورًا فى شوارع الخرطوم مثلًا فإن حالة العقارات فيها تخبرك الكثير عن الوضع الاقتصادى فى البلاد، نفس الأمر عندما ترى تقريرًا مصورًا من نيويورك مثلًا، عندما ترى شوارع القاهرة الخديوية، تفهم فورًا كيف كانت القاهرة فى عهد الخديو إسماعيل، والعكس عندما ترى تقريرًا من شوارع الصومال مثلًا.. طالبت وأطالب وسأطالب بمزيد من الأموال للتعليم، لكن حق الطفل فى السكن والأمن، والتعامل مع أم وأب تمت توعيتهما بطرق تربيته، لا يقل إطلاقًا عن حقه فى التعليم الذى هو محفوظ وقائم فعلًا، وإن كان مطلوب تحسينه، ما يحدث حاليًا شىء نبيل للغاية، وناجح للغاية، ومخطط للغاية، ويكشف عن رؤية كاملة وعادلة للتنمية، هذه الرؤية يجب على كل مصرى دعمها بكل قوته لأن نجاحها هو الفرصة الوحيدة لوطن طال تأخره ومواطن طال إهدار حقوقه، والله من وراء القصد.