رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تاريخ مختصر للأزمة اللبنانية

خلال فترة ضئيلة من عمر الأرض، الذى يزيد على ٤.٥ مليار سنة، استطاع نوع واحد، من بين عددٍ لا يُحصى من الأنواع، أن يسيطر عليها، هو نوعنا أو الجنس البشرى. وفى كتاب عنوانه «العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشرى»، حاول الإسرائيلى يوفال نوح هَرارى، أن يستكشف أو يستنتج كيفية تحول هذا النوع من حيوانات لا أهمية لها إلى سادة الكوكب.

الطبعة الإنجليزية من هذا الكتاب، كان يتصفحها نجل على حسن خليل، وزير المالية اللبنانى السابق، فى صورة تم التقاطها له، وهو يجلس مبتسمًا على متن طائرة خاصة، وتداولها لبنانيون، على شبكات التواصل الاجتماعى، إثر اشتباكات منطقة الطيونة، التى وقعت الخميس الماضى، وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة أكثر من ٣٠ آخرين. وأبدى المعلقون دهشتهم، وسخريتهم، من تضحية بعض اللبنانيين بحياتهم دفاعًا عن سياسيين يعيش أبناؤهم حياة مترفة!

خليل عضو بارز فى «حركة أمل»، تم استدعاؤه مرات عديدة للتحقيق فى قضية انفجار مرفأ بيروت، ولمّا لم يمتثل، أصدر قاضى التحقيق، الثلاثاء الماضى، أمرًا بضبطه وإحضاره، أو «مذكرة توقيف غيابية». وعليه، هدّد خليل مساء اليوم نفسه، عبر قناة «الميادين»، بأنه «سيكون هناك تصعيد سياسى، وربما من نوع آخر، فى حال عدم تصويب مسار هذه القضية»، وحذر من أن «المسار المتبع يدفع البلاد نحو الفتنة». ثم دعت «حركة أمل» و«حزب الله»، إلى التظاهر أمام «قصر العدل». وبينما كان مؤيدو «الثنائى الشيعى» فى طريقهم إلى الانضمام للمتظاهرين، حدثت الاشتباكات التى حوّلت منطقة الطيونة إلى ساحة حرب حقيقية. 

الثنائى الشيعى حمّل حزب «القوات اللبنانية» مسئولية الاشتباكات، وهو الاتهام الذى رفضه سمير جعجع، رئيس «القوات»، وقال «إن السبب الرئيسى لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر الذى يهدِّد المواطنين فى كل زمان ومكان». ودعا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيرى الدفاع والداخلية «إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسئوليات عما جرى»، مؤكدًا أن «السلم الأهلى هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا فى لبنان، ما يحتّم علينا المحافظة عليه».

المهم، هو أن مذكرة التوقيف الغيابية قالت إن على حسن خليل «محامٍ ونائب حالى ووزير سابق»، ولأسباب لا نعرفها ذكرت اسم والدته «توفيقة»، وأشارت إلى أنه متهم بـ«القتل والإيذاء والإحراق والتخريب، معطوفة جميعها على القصد الاحتمالى». وطلبت من «كل مأمور قوة مسلحة» فى البلاد اعتقاله و«سوقه بلا إبطاء إلى دائرة السجن المتوفر».

المولود فى ١٥ يوليو ١٩٦٤، درس الحقوق فى جامعة بيروت، وعمل بالمحاماة، وكان وزيرًا للزراعة منذ ١٧ أبريل ٢٠٠٣ حتى ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٤، فى حكومة رفيق الحريرى، وفى ١٣ يونيو ٢٠١١ اختير وزيرًا للصحة فى حكومة نجيب ميقاتى، وفى ١٥ فبراير ٢٠١٤ صار وزيرًا للمالية فى حكومة تمام سلام، وفى ٢٧ يونيو التالى قامت الباخرة روسوس، بتفريغ حمولتها فى مرفأ بيروت: ٢٧٥٠ طنًا من نترات الأمونيوم، ظلت فى مخازن المرفأ إلى أن انفجرت مساء ٤ أغسطس ٢٠٢٠، وأسفرت عن مقتل مئات وإصابة الآلاف وفقدان آخرين.

لا يعرف أحد إلى الآن مالك الشحنة، ونفى كل من كانت لهم صلة بها، معرفتهم بمالكها الأصلى: قبطان الباخرة روسوس التى حملتها، الشركة الجورجية التى أنتجتها، وشركة تصنيع المتفجرات الموزمبيقية، التى طلبت شراءها ولم تدفع ثمنها. لكن ما أكدته تقارير ومصادر عديدة هو أن أجهزة أمنية ومسئولين سابقين وحاليين، كانوا على علم بمخاطر تخزين هذه المادة.

تاريخ الأزمة اللبنانية يمكن اختصاره، أو تلخيصه، فى تغييب الدولة، خلال فترة طويلة نسبيًا من عمرها، لصالح منظومة أقوى، جرّتها إلى صراعات لا دخل لها فيها، وأخضعت قراراتها وقوانينها لمنطق الصفقات، وجعلت بعض السياسيين، أو من يوصفون بأنهم كذلك، فوق المساءلة، وأتاحت لأبنائهم ركوب طائرات خاصة وقراءة كتاب «العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشرى»، الذى حاول فيه الإسرائيلى يوفال نوح هَرارى، أن يستكشف، أو يستنتج، كيفية تحول هذا النوع من حيوانات لا أهمية لها إلى سادة الكوكب!