رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيباتيا.. والجمهورية الجديدة

هيباتيا «أو هيباشيا» هو اسم الفتاة بنت الإسكندرية الجميلة الرقيقة التي ولدت في القرن الرابع الميلادي عام ٣٦٠، والدها ثيون السكندري، وهو عالم الرياضيات والفلك الشهير الذي عاش بالإسكندرية خلال فترة حكم الإمبراطور ثيوذوسيوس الأول.

كانت هيباتيا تتبع المدرسة الأفلاطونية المحدثة الفلسفية القديمة، لذا فكانت تتبع النهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا التي مثّلها إيودوكيوس الكنيدوسي.

تأثرت هيباتيا بفكر أفلوطين الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، الذي كان يفضّل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة.. حياة العقل لأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية.

عاشت هيباتيا في مصر الرومانية، وتعتبر أفلاطونية محدثة، ومن أتباع أفكار فيثاغورس؛ وهو ما وجّه أعين العديد من المنافسين الفلسفيين- خصوصًا المسيحية- بالعداوة لها ورفض أقوالها الأفلاطونية، والذي زاد هذه العداوة وسبب حرجًا للكنيسة هو الشعبية التي حظيت بها هيباتيا من المثقفين.

تفوقت هيباتا على والدها وذاع صيتها في مجال الرياضيات والفلك، وتمردت على الجهل وهيمنة الكنيسة على عقول الناس، وكانت الكنيسة، وعلى رأسها راعيها الأسقف "كيرلس الأول" الملقب بعمود الدين، قد أدركوا خطورة هيباتيا الفيلسوفة على جماعة المسيحيين في المدينة، بالإضافة إلى صداقتها بوالي الإسكندرية "أوريستوس".. كان أوريستوس يحترم ويقدر هيباتيا، ومن أحد تلامذتها بالمدرسة الأفلاطونية، ومن الممكن أنه سبب آخر لاستياء البابا وقتها.

تمثال هيبتا


اتهمت الكنيسة هيباتيا بالإلحاد والسحر وتعارضها مع المبادئ المسيحية، فأعلن بطريرك الإسكندرية كفرها واتهمها رجال الدين بالزندقة فقام المتحمسون بتقييدها من أيديها وأرجلها وقاموا بضربها وتعذيبها ثم قاموا بسحلها فى شوارع وحارات إسكندرية عارية تمامًا (وهي في الخامسة والخمسين من عمرها) حتى انسلخ جلدها عن جسدها وسالت دماؤها الذكية فى كل مكان ثم وضعوها على عربة وتجولوا بها في الشوارع ودمها الطاهر يتدلى من جميع جسدها.
قتلت هيباتيا على أيدى الجهل والجهلاء وحرقوا جثتها لتصبح عبرة لمن يتحدث مخالفًا تعاليم رجال الدين ليكون موتها إيذانًا بنهاية عصر التنوير الفكري والتقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية لمدة 750 عامًا وترك العديد من العلماء المدينة وقاموا بالتوجه لأثينا خوفًا وفزعًا من التسلط والإرهاب الكنسي.
كل الشكر للدولة التي قررت عمل تمثالًا لهيباتيا ووضعه فى العاصمة الإدارية الجديدة تعبيرًا لقدوم الدولة المدنية وانطلاقًا لبدء الجمهورية الجديدة التى تسعى للتخلص من سطوة رجال الدين على حياة الناس وليس التخلص من الأديان كما يشيع البعض.
تمثال هيباتيا هو الرمز للحرية الفكرية وحرية العقيدة.