رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: سر «رون أراد»

سارة شريف
سارة شريف

 

«أنا سأوقف على الفور العادة المشينة التى فيها تحولت سياسة الأمن السرية عندنا إلى حفل للحصول على أكبر عدد من المشاهدين، والعمليات الحساسة التى تحولت إلى برنامج واقعى».. كان هذا التصريح أحد التصريحات المهمة لوزير الدفاع الإسرائيلى، بينى جانتس، عند دخوله الانتخابات فى يناير ٢٠١٩، التصريح فى حينه أحدث ضجة، وكل من يرى الأمل فى جانتس بدأ يستعد للعودة إلى سياسة «الغموض الأمنى» التى كانت إحدى سمات إسرائيل.

الأمل انطفأ، والأمور تغيرت، حتى نتنياهو لم يعد رئيسًا للوزراء، لكن العادة المشينة لا تزال هنا بعد ٤ أشهر فقط من تشكيل حكومة التغيير، عادت سياسة الأمن السرية لتحتل العناوين الرئيسية، وأصبحت عمليات الموساد مرة أخرى فى متناول الإعلام، عندما وقف بينيت على ذات المنصة، منصة الكنيست، وتحدث بفخر يذكرنا بأيام نتنياهو ليخبرنا عن عملية «رون أراد».

هناك من هاجم بينيت، من داخل المؤسسات الأمنية ومن اليمين الإسرائيلى، واتهموه بأنه يكشف أسرار الموساد، تمامًا مثلما فعل نتنياهو فى مايو ٢٠١٨ عندما تحدث عن عملية سرقة الأرشيف الإيرانى النووى من قلب العاصمة طهران.

جانتس صاحب الوعد الشهير، قبل عامين و١٠ أشهر، بتغيير «العادة المشينة» لم يفعل شيئًا، والسبب، كما ورد فى التقارير، أن «بينيت» لم يخبر «جانتس» بنيته الكشف عن العملية إلا قبل وقت قصير من إلقائه خطابه فى الكنيست، المقربون من جانتس يعتقدون أن الإعلان عن العملية كان خطأً، لكن لم تُتَح الفرصة لجانتس لإيقاف بينيت عن «العادة المشينة».

نعود للعملية.. لا يعرف أحد لماذا كشف بينيت عن العملية؟ ما الهدف من هذا التباهى؟ ما الإنجازات التى تحققت من خلف كشفها؟ لا أحد يعلم. 

العملية لم تنته! لأول مرة فى تاريخ الاستخبارات نعرف عملية قبل أن تنتهى!

العملية كانت محاولة الحصول على معلومات عن رون أراد، الجندى الإسرائيلى الذى فُقد فى لبنان عام ١٩٨٦ عندما أسرته حركة أمل، المحاولة لم تكن ناجحة ومُبهرة بالقدر الذى يدفع للكشف عنها، فلماذا فعل بينيت ذلك بحق السماء؟ ألم يدرك أنه بكشفه قد يحبط محاولات مستقبلية- قد تكون أكثر نجاحًا- للحصول على معلومات عن «أراد»؟

التفاصيل كثيرة ومثيرة، والإدرينالين فى أعلى درجاته، ونتفليكس تنتظر على الأبواب لتحصل على حقوق تحويل القصة لمسلسل، لكن هل هذه أسباب كافية للكشف عن العملية؟

المعلومات متضاربة، وفقرات مفقودة من سلسلة طويلة من الغموض، يمكن ترتيبها كالآتى، أن جنرالًا إيرانيًا يُدعى «صبرى»، اختُطف خلال عملية «الموساد» من دمشق بالقرب من السفارة الإيرانية خلال ممارسته الرياضة ونُقل إلى تل أبيب للتحقيق معه، ثم إطلاق سراحه فى جنوب إفريقيا، وتحديدًا فى العاصمة جوهانسبرج وأعطاه عملاء الموساد رقم هاتف السفارة الإيرانية؛ كى يسلك طريق عودته آمنًا.. إثارة متصاعدة أليس كذلك؟ ولمسة عاطفية مثل الأفلام الفرانكفونية! لحظة الدهشة العظمى لم تكن فيما سبق، كانت عند الانتهاء من تفريغ المعلومات التى يمتلكها الجنرال الإيرانى، والتى تبيّن أنها لا تساوى شيئًا ولا تمنح إسرائيل المعلومات الدقيقة حول موضوع أراد، فكان من الواضح أن الهدف المختار لم يكن قريبًا بشكل خاص من أراد، ولم يعلم شيئًا دقيقًا عنه. ربما أراد بينيت أن يرسل رسالة حول الجهود المبذولة من أجل العثور على جثة أراد دفعة معنوية- فى الوقت الذى تتحرك فيه المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى- للإسرائيليين بأن حكومتهم ستفعل كل شىء لتعيد جثث أسراهم حتى لو بعد ٣٥ عامًا، وربما بينيت لسبب أو لآخر أصبح يحاول أن يشبه كثيرًا بنيامين نتنياهو بقصد أو بدون قصد.