رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفنة من الانتصارات

منذ أيام قليلة كنا نحتفل بمرور ثمانية وأربعين عامًا على انتصار أكتوبر المجيد، والحقيقة أننا لو تعمقنا فى الآونة الأخيرة، سنرى أننا لدينا العديد من الإنجازات فى الدولة، والتى تدل على أن مصر أصبحت فى حالة تنمية وازدهار وانتصارات مستمرة، نظرًا لأننا نسير وفق استراتيجية مدروسة ومُخططة بشكل منظم، والهدف منها الدعم لكل مؤسسات الدولة، فهل نُنكر أنه حدثت انتعاشة قوية فى السياحة، مما يدل على أننا عُدنا عنصر جذب شديد لدول الغرب.. علاوة على المشروعات الصناعية التى تعتبر قطارًا سريعًا لا يتوقف، حيث إنه تم اتخاذ العديد من القرارات اللازمة لدعم وتنمية الصناعة فى مصر، نظرًا لتأثيرها المباشر على الناتج القومى، وأيضًا لأنها توفر فرص عمل للشباب، مما يقضى على أزمة البطالة، وأيضًا لتأثير الصناعة على زيادة الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية، ولا ننسى حزمة التشريعات التى تم سنّها لجذب الاستثمارات، وأيضًا التيسيرات التى تم تقديمها من قبل الدولة لخدمة هيئة التنمية الصناعية، وكذلك الاهتمام الملحوظ بالصادرات، حيث إن هناك قفزة واضحة فى ارتفاع مؤشرات الصادرات لكل القطاعات الصناعية، مما يؤكد أنه تم تحقيق تطور إيجابى فى معدل الميزان التجارى المصرى مع بقية دول العالم. 
وتم إنشاء ثلاث مدن صناعية جديدة و17 مجمعًا صناعيًا على مستوى الجمهورية، ومنح موافقات تراخيص لإنشاء مصانع جديدة، وأيضًا هناك اهتمام وتشجيع على الصناعة الوطنية.. فكل ذلك يدل على أننا نعيش فى عهد انتصارات جديدة تجعلنا نستشعر أننا فى حالة احتفال مستمر بنجاحاتنا وإنجازاتنا، فالميزة الحقيقية أننا نحتفل بذكرى انتصار لا يُنسى على مر السنين، ولكننا نحقق بجانب ذلك انتصارات حديثة فى كل المجالات، لأن النجاح الحقيقى ليس فى أن يقف الإنسان مكتوف الأيدى ينظر إلى نجاحه السابق، وهو محلك سر، بل أن يُحقق نجاحات جديدة تتوازن مع نجاحاته السابقة، وهذا ما تفعله مصر الآن، فنحن أصبحنا نتسابق مع أنفسنا لكى نصل إلى أهداف تنموية وبنّاءة فى وقت قياسى، والأجمل أننا بجانب كل هذا نرفض الفساد بكل صوره وأشكاله، ونحاربه بشتى الوسائل، نظرًا لإيماننا بأن الفساد يهدم أى نجاح يتم تحقيقه.. فالحرب كانت أدواتها قديمًا هى السلاح المتمثل فى المدرعات والبندقية والدبابات، ثم تطور الأمر، وأصبحت هناك الحرب التكنولوجية والنووية، وغيرها من وسائل العولمة، أما الآن فالحرب مرتبطة ارتباطًا جذريًا بعقول البشر، ومدى قدرتهم على تطوير أنفسهم ودولهم، علاوة على حفاظهم على هويتهم، دون الانجراف خلف أى مؤثرات خارجية.
وأظن أن تطور أى دولة كلما كان مستمرًا ومنظمًا ومدروسًا، فإنه يدل على أن عقول أبنائها فى حالة يقظة مستمرة، ولا خلاف على أن الإنسان الذى يحفظ توازنه النفسى والعقلى فى ظل وجود تحديات ومؤثرات قوية من الخارج، لا يقل فى تصورى عن الجندى فى الميدان الذى يحاول الحفاظ على أرضه مهما كانت قوة العدو، فقديمًا كانت الدول تستهدف الأراضى، أما الآن فيتم استهداف العقول، والسبب أن العقل هو الذى يعمل على تنمية الدولة.
ولو تفكرنا قليلًا، سنُدرك أن تطور مشروعاتنا يؤكد أن عقولنا بدأت تتحدى المؤثرات الخارجية، وترفض الانسياق لها، وهذا فى حد ذاته حرب يجتازها الإنسان فى كل لحظة فى ظل التطور التكنولوجى والتقنى الخطير الذى لا يتوقف على الإطلاق، وكل لحظة ينجح فيها الإنسان المصرى فى اجتياز هذا التحدى يعتبر كأنه خاض حربًا شعواء وانتصر فيها بجدارة.
لذا، فإننا فى الواقع نحتفل بانتصارنا فى حفنة من الحروب، سواء فى الماضى أو فى الحاضر، بفضل العنصر البشرى الذى يملك الإرادة الحديدية لاجتياز كل المحن وتحويلها إلى انتصارات حقيقية، بسبب حب الوطن، وبفضل القيادة السياسية الحكيمة التى نجحت فى زرع بذرة الانتماء للهوية المصرية، رغم كل المحاولات الخارجية لخلعها من جذورها.