رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف كافحت الدولة المصرية الهجرة غير الشرعية؟

هجرة غير شرعية
هجرة غير شرعية

عاد الرئيس عبد الفتاح السيسي ليلقي الضوء على أهمية وضرورة الدور الذي تقوم به الدولة المصرية في محاربة الهجرة غير الشرعية، ففي خلال قمة فيشجراد مع مصر قال إننا نحتاج إلى مقاربة مختلفة للتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية، مؤكدًا: "لست رافضا لمناقشة موضوع الهجرة غير الشرعية، لكن هناك مقاربة هي توفير حياة كريمة لملايين المصريين، فضلًا عن نقل الصناعة من الدول المتقدمة للدول الأخرى وتوفير فرص عمل للشباب".

كانت بداية وضع ملف الهجرة غير الشرعية ضمن أجندة أولويات القيادة السياسية عندما تشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، وتفعيل القانون رقم 82 لسنة 2016 بشأن مكافحة الهجرة غيرالشرعية وتهريب المهاجرين؛ الذي تضمن 21 عقوبة بينها تكون العقوبة بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 200 ألفجنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه.

خبير السكان ودراسات الهجرة: استعادة مصر بعد 2013 كان المحور الأول من خلال حماية الحدود المصرية وفرض السيطرة

قال الدكتور أيمن زهري، خبير السكان ودراسات الهجرة،إن الدولة بذلت مجهود كبير في الحد على الهجرة غير النظامية أو ما يسمى بالهجرة غير الشرعية من خلال العمل على خمس محاور أساسية الأمر الذي جعلها تكاد تصل إلى صفر%.

أوضح زهري، في تصريح لـ"الدستور"، أن المحور الأول والأساسي هو المحور الأمني فبعد استعادة الدولة لمصر بعد عام 2013 أصبح هناك نوع من التشديد والتدقيق على حماية الحدود المصرية كنوع من حماية الأمن الوطني المصري وهو ما منح السيطرة على الحدود الشمالية البحرية وهو ما كان له دور في الحد من الهجرة غير الشرعية.

أما عن المحور الثاني ذكر خبير السكان ودراسات الهجرة أنه  المحور التنموي من خلال العمل توفير فرص عمل للشباب أو توفير فرص لهم للالتحاق بسوق العمل من خلال المشروعات التي تنفذها  الدولة ومنها القروض الميسرة التي تصل فائدتها إلى 6% وطرق سداد سهلة، مضيفًا أن الجانب التنموي الأخر تتمثل في مشروعات البنية التحتية التي استوعبت عدد كبير من العمالة سواء الماهرة أو شبه الماهرة للعمل في هذه المشروعات.

الدكتور أيمن زهري

وأكد زهري أنه حتى بعد انتهاء هذه المشروعات التي استوعبت هذا الكم الهائل من العمالة لن ينتهي معها فرص العمل لهم لأنها كانت بمثابة مراكز تدريب لهؤلاء العاملين بها توفر له الخبرة التي تؤهله للعمل في القطاع المدني والشركات المختلفة.

وتابع: كذلك الاهتمام بصعيد مصر والمناطق المهملة ومحاولة الدولة للوصول إلى نوع من التوازن في التنمية الإقليمية بحيث لا ينصب كل الاهتمام على القاهرة الكبرىفقط بل شمل المحافظات كلها، لوقف الهجرة من القرى للقاهرة بحثًا عن فرص العمل وتصبح متاحة بمحافظتهم.

وأشار زهري إلى أن المحور الثالث هو المحور التشريعي فقبل عام 2016 لم يكن هناك تجريم في القانون الجنائي المصري للمهاجرين، وكان عندما يتم القبض على أي مهاجر إما يطلق سراحه أو يتم اعتقاله في الأنظمة السابقة لعدم وجود جريمة محددة في القانون المصري، موضحًا أن هذا تم تعديله من خلال صدور قانون مكافحة الهجرة غيرالشرعية المصري في أكتوبر 2016 والذي يغلظ العقوبة للسجن مدى الحياة بالنسبة للمهربين بالتزامن مع وفيات في المهاجرين أثناء عملية الهجرة غير الشرعية.

واستطرد خبير السكان ودراسات الهجرة أن المحور الرابع هو الإعلام ودوره واهتمامه بأهمية تلافي هذه القضية وإطلاق المبادرات وتشجعيها لمنع الهجرة غير الشرعية منها مبادرة مراكب النجاة، والمبادرات التي يتم تنفيذها بالأخص في القرى الأكثر انتشارًا للهجرة غير الشرعية، حيث يتم إشراكهم في المشروعات التنموية التي تنفذها الدولة وتوفيرالتدريب لهم على الحرف والأعمال.

وأضاف أن وزارة الهجرة لها دور كبير في هذا الملف إلى جانب اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الاتجار في البشر ومنع الهجرة غير الشرعية من خلال دعم الأنشطة الإعلانية الموجودة في السوشيال ميديا والتليفزيون.

وأخيرًا ختم خبير السكان ودراسات الهجرة أن هناك محور أخير ومهم وهو التعاون الدولي خاصة وأن مصر تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الجانب الأوروبي وكذلك الجانب الليبي مع من يساعدها في تلقي معلومات استخباراتية عن أنشطة المهربين  بالتعاون مع الدول والتنسيق مع الجانب الاوروبي في محاربة الهجرة غير الشرعية.

 

مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: مصر انتهجت فلسفة إعادة اكتشاف ذاتها من خلال التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل

ومن الجانب الاقتصادي قال الدكتور مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الدولة المصرية خلال السنوات الأعوام السبعة الماضية انتهجت فلسفة إعادة استغلال امكانياتها وقدراتها بمعنى اكتشاف ذاتها مرة أخرى من خلال مفهوم التنمية المستدامة، أي الاستغلال الأمثل لكافة الموارد المتوفرة لدى الدولة المصرية في تعظيم قيمتها المضافة بحيث تؤثر على زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يحدث في معدل النمو الاقتصادي.

وأوضح أبو زيد، في تصريح لـ"الدستور"، أن الهدف من زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي من خلال المشروعات القومية في مختلف القطاعات مع الأخذ في الاعتبار التوزيع العادل على كافة محافظات الجمهورية وليس القاهرة والإسكندرية فقط.

وتابع: ولكن هناك اهتمام كبير في منطقة الصعيد في القطاعات الصناعية والزراعية بالأخص وهو يمثل أهمية كبيرة في توفير فرص عمل، وما له من دور هائل على الهجرة غير الشرعية لأن إيجاد فرص عمل معناه إيجاد دخول مناسبة للمواطنين في الأماكن الأكثر فقرًا واحتياجًا، وبالتالي لن يكون هناك داعي للهجرة غير الشرعية إلى البلاد الأوروبية للبحث عن مصدر دخل.

الدكتور مصطفى أبو زيد

وأضاف  مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن هذا تم ترجمته في التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الخاص بتقرير البحث والانفاق عن تراجع معدل الفقر من 32.5% إلى 29.7% والمستهدف في خلال خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عامها الأخير القادم 2022 أن يصل معدل الفقر إلى  28.5%.

وذكر أن هذا المستهدف يتم تحقيقه من خلال استدامة والتوسع في المشروعات القومية خاصة مع إطلاق البرنامج الإصلاحي في المرحلة الثانية الاصلاحات الهيكلية والتركيز على الثلاث قطاعات التي تعد الركائز الأساسية لعملية التنمية قطاع الصناعة وقطاع الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.  

وأكد أبو زيد أن الدولة المصرية خلال الموازنات الماضية الثلاث تم ملاحظة أن هناك نمو متزايد في حجم الاستثمارات الحكومية والتي يتم ضخها في المشروعات القومية وهو يعطي دلالة واضحة أن السياسية العامة للدولة مستهدفة زيادة باستمرار في حجم هذه الاستثمارات بحيث يكون هناك مشروعات قومية تولد فرص عمل تستوعب الزيادة السكانية التي تحدث كل عام.

وأشار مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إلى أنه كان من المستهدفات في خطة التنمية الاقتصادية أن يتم توفير 900 ألف فرصة عمل سنوية، والمشروعات القومية  خلال السنوات السبع الماضية وفرت 5 مليون فرصة، وعام 2020 وفرت المشروعات القومية أكثر من مليون و100 ألف فرصة عام وهي الأرقام الرسمية المعلنة من الدولة، وبالتالي يعني هذا أن الدولة تعي أن نمط الزيادة السكانية تستوجب أن تعمل في خطتها التنموية في إيجاد مشروعات تستوعب هذه الزيادة وتوفر فرص العمل الملائمة لهم.

وذكر أن القيادة السياسية دائمًا حريصة على إيجاد مساحة للقطاع الخاص في زيادة استثماراته والشراكة مع الحكومة كي يمكنها التوسع في مشروعاتها وخطوط الانتاج وبالتالي تولد فرص عمل وهو ما جعل الدولة تقدم العديد من التسهيلات للقطاع الخاص والمستثمرين؛ للتقليل من تكاليف الانشطة الاستثمارية وتوفير دعم واراضي وتسهيل إجراءات التراخيص ودعمه في حالة رغبته في التصدير.

وأضاف أن برنامج دعم الصادرات من أحد المحركات التي تساعد القطاع الخاص التي تزيد من انتاجه وفي مقابل هذا يكون محتاج عمالة يتم توظيفها في خطوط الانتاج التي يتم التوسع فيها.

واختتم أبو زيد حديثه قائلًا إن كل هذه العوامل تساهم في تراجع كبير في فكرة أن يسعى المواطن إلى الهجرة غيرشرعية خارج البلاد، لأنه طالما توافرت الادوات التي تساعد في توفير حياة كريمة للمواطنين، وبالتالي لن يكون هناك رغبة في الهجرة غير الشرعية.

خبير اقتصادي: خلق فرص العمل اللي احتياجات المستفيدين واحد من الهجرة غير الشرعية

وقال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن خلق أي فرص عمالة جديدة في مناطق التجمعات التي تشهد ارتفاع في الهجرة غير الشرعية يساعد في تقليل من حدة ملف الهجرة غير الشرعية، من خلال توفير وظائف حقيقية يتم توفيرها وتصل إلى تحقيق احتياجات المستفيدين منها.

وأوضح الدمرداش، في تصريح لـ"الدستور"، أن أهمية هذه المشروعات التي تنفذها الدولة وتسهم بدورها في ملفالهجرة غير الشرعية من خلال توفير الوظائف في المناطق السكانية القريبة من المواطنين أي في تمركزه الجغرافي بحيث لا تضطره للهجرة من منطقة سكنه لمكان أخر يتوافر فيه فرص العمل، لذلك تخليق فرص عمل جديدة ذات قيم تتناسب مع الأسعار ومستويات التضخم كي لا تظل فكرة الهجرة جاذبة لتحقيق دخول أعلى تتناسب مع الحياة المعيشية.

وأضاف أن الدولة تسعى من خلال كل الملفات إلى العمل على الحد من مشكلة الهجرة غير الشرعية ومنها أيضا ملف التعليم، فسوق العمل أصبح يحتاج إلى تخصصات اكبر وأكثر من التخصصات الاعتيادية التي أصبحت تخرج في الأعوام السابقة ولا تجد الوظائف الملائمة لها فيلجأ الشباب إلى الهجرة لإيجاد الوظائف الملائمة في الخارج لعدم توافرها في بلده.

الدكتور شريف الدمرداش

وتابع: يجب عمل إعادة توجيه وتدريب من خلال معرفة نوع العمالة الذي أصبحت تحتاجه الدولة في النمو والتوجيه إلى هذه التخصصات وليس النمط التقليدي المعتاد، وبحيث يتم إفراز القدرات البشرية التي تحتاجها خطط التنموية والمشاريع الجديدة.

وأكد الدمرداش أن الموائمة بين مفردات ومخرجات النظام التعليمي وبين احتياجات سوق العمل عملية أساسية في الوقت الحالي كي لا يخرج ملايين الخريجين لا يجدوا فرص العمل التي تلائمهم وبالتالي ترتفع معهم نسبة البطالة ويزيد الإقبال على الهجرة غير الشرعية كبديل لإيجاد فرص العمل.

إحصائيات الهجرة غير الشرعية

ففي دراسة بحثية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أوضح فيه أن المحافظات التي تضم أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين هم "الشرقية، الدقهلية،القليوبية، المنوفية، الغربية، البحيرة، كفر الشيخ، الفيوم،أسيوط، الأقصر، والمنيا".

ووفقًا لإحصائيات اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، فإن 58% من المهاجرين غير الشرعيين المصريين أطفال دون الـ18 عامًا، وفي 2017 تم تسجيل وفاة 1773 شخص بسبب الهجرة غير الشرعية.

مبادرات الدولة للقضاء على الهجرة غير الشرعية

في ديسمبر 2019 أطلق الرئيس السيسي مبادرة مراكب النجاة ضمن عدة خطوات اتخذتها الدولة لمكافحة الهجرة غير الشرعية؛ وتعريف الشباب بخطورتها وإيجاد الحلول الفعّالة التي أساسها توفير فرص العمل لاستيعابهم في المشروعات القومية الكبرى، وتحقيق طموحاتهم وآمالهم في حياة كريمة ومستقبل أفضل لهم.

وكانت أولى فعاليات المبادرة في الفيوم من خلال 3 حملات لطَرق الأبواب بإجمالي 150 ألف زيارة، استهدفت 161 ألفًا في 60 قرية، والتي انطلقت فعاليتها الثانية من البحيرة حيث تُعد من أكبر المحافظات المصدرة للهجرة غير الشرعية، حيث تم افتتاح مركز لتدريب وتأهيل الشباب بمنطقة حوش عيسى، تم فيه تدريبهم وتوعيتهم حول ضرورة العزوف عن تلك الظاهرة، وتوفير برامج ثقافية ورياضية.

ثم أطلقت وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع اتحاد الصناعات المصرية مبادرة شغلك في قريتك بهدف توفير قطع الأراضي اللازمة بعدد من القرى بالمحافظات لإقامة مجمعات صناعية وإنتاجية لتنفيذ مشروعات يستفيد منها أبناء تلك القرى، حيث تهدف إلى توفير فرص عمل وتنمية وتطوير للمشروعات الحرفية ومتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وتطوير نظم إنتاج بتوفير منتجات للسوق المصري والتصدير.