رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏ صدق عصفور.. إنه زمن الرواية

وسط أجواء إبداعية مبهجة تحيي الأوساط الأدبية هذه الأيام الأسبوع العالمي للرواية ، وهو الأسبوع الذي أقره المجلس التنفيذي لليونسكو عام 2020. هذه الاحتفالية التي ذكرتني بجدال فكري دار قبل نحو عقدين : هل هو زمن الشعر مايزال ، أم أن الرواية قد احتلت الصدارة عند المبدع ، بل والقارئ العربي ؟ و حينها تصدى كل أصحاب فن إبداعي للدفاع عن فنهم . غير أن الناقد العربي الكبير د.جابر عصفور ، وزير الثقافة المصري الأسبق حسم ذلك الجدل منذ عام 1999بكتاب قيم انتصر للرواية ، حيث سلم فيه ومن عنوانه بأنه "زمن الرواية" . 
و رغم الجدل الكبير الذي أثاره هذا الكتاب منذ صدوره ، لكن القضية الجدلية لم تحسم تماما بين أنصار كلا الفنين الإبداعيين الشعر و الرواية ، أو الرواية و الشعر . و هي معركة فكرية بدت على شاكلة المعارك الكبرى التي كانت تدور في النصف الأول من القرن العشرين ، فتحتل مساحات واسعة من الاهتمام ، و يتصدى لها رموز الفكر و الإبداع . كتلك التى وقعت بين الدكتور زكى مبارك و الدكتور طه حسين . و المعركة الشهيرة بين عباس العقاد وأحمد شوقى . و معارك سلامة موسى المتعددة مع كل من  طه حسين و عبدالقادر المازنى و عباس العقاد.
تلك المعارك الفكرية الأدبية التي وصفها المفكر العربي الجزائري أمين الزاوي بقوله :" حرب الأدب فيها المنتصر وفيها المنهزم، فيها الجرحى والمعطوبون والموتى، ولكن المنتصر الأكبر هو الفكر والمجتمع" . غيرأن مجتمعنا العربي و ياللأسف قد تراجعت اهتماماته إلى حد كبير ، إذ لم نعد نرى على الساحة معركة فكرية أو أدبية مشوقة ، تحرك الماء الراكد في الحياة الفكرية لمجتمعاتنا العربية . و لكن معاركنا أصبحت تدور حول توافه الأمور ، و توجه دفتها كتائب السوشيال ميديا . معارك لا تتيح للمبدعين الحقيقيين أن يحملوا فيها سيفا ، و لا أن يبدوا فيها رأيا . 
 و كانت المعركة الأحدث- منذ نحو ربع قرن - هي المعركة بين هواة الشعر ، و محبي الرواية . و هي معركة صحية تمنح قبلة الحياة للإبداع الأدبي العربي عموما و لهذين الفنين على وجه الخصوص . و من الممكن أن نسلم بأن تلك المعركة قد انتهت لصالح الرواية . فالشعر من وجهة نظري قد استسلم في كثير من الأحيان للتجريب ، الذي بالغ فيه عدد غير قليل من الشعراء . فكاد الناس أن يهجروا الشعر  إما بسبب غموض الكلمات ، أو المبالغة في المعاني المبهمة التي يجدها القارئ المعاصر – بسبب انحدار المستوى الثقافي العام – نوعا من اللوغاريتمات العصية على الفهم .
 أضف إلى هذا ذلك الهجوم الذي يناله بعض الشعراء الذين حققوا المعجزة بالوصول إلى قدر من الجماهيرية . و هو الهجوم الذي ينالونه من أقرانهم في الحركة الشعرية إبداعا أو نقدا . فبعض الشعراء يخاطبون القراء بلغة بسيطة ، و مفردات سهلة ، و صور بلاغية واضحة نسبيا بهدف جذب جمهور أكبر لهذا الفن . في حين يرى منافسوهم و منتقدوهم أنهم بهذا المسلك قد أهانوا فن الشعر و نزلوا به من عليائه إلى لغة أقرب للغة الشارع ، و هو أمر لا يليق مع الفن العربي الأول منذ العصر الجاهلي . 
في حين ظهر على الساحة الأدبية مؤخرا عدد غير قليل من الروائيين الذين ملأوا الساحة حكيا يناسب الذوق العام ، و يخاطب اهتماماته ، و بلغة سردية بديعة ، يمكن أن نصفها أيضا بالبسيطة ، ولكنها ليست ركيكة . و على هذا بدأنا نتابع جيلا جديدا من الروائيين أمثال أشرف العشماوي صاحب " صالة أورفانيللي ، بيت القبطية ، سيدة الزمالك ، تذكرة وحيدة للقاهرة " . و نورا ناجي صاحبة روايات " أطياف كاميليا ، الجدار ، بنات الباشا " . و كاتبة الجرائم نهى داود " جريمة السيدة هـ ، جريمة في ليلة ممطرة ، جريمة في الفندق " . و الروائي العراقي أحمد خيري العمري كاتب " كريسماس في مكة ، شيفرة بلال ، بيت خالتي " .و صفاء النجار مؤلفة " استقالة ملك الموت ، حسن الختام ". و إبراهيم عيسى مؤلف " رحلة الدم ، حروب الرحماء ، مولانا ، دم الحسين " و شيرين سامي صاحبة " الحجرات ، من ذاق عرف ، حنة " . و روايات عبدالرحيم كمال " "أبناء حورة، المجنونة، بواب الحانة ". و الروائي محمود الورواري مبدع " مدد ، جراح الروح ، خريف البلد الكبير" .فضلا عن إبداعات محبوب الشباب الراحل أحمد خالد توفيق مبدع "ِشآبيب ، يوتوبيا ،و غيرهما " .
هذه مجرد نماذج لجيل حالي من الروائيين ، وهناك أسماء أخرى كثيرة لجيل مبدع من الروائيين الذين ثبتوا أركان الرواية على عرش الإبداع العربي ، و لسنا بصدد التأريخ لفن الرواية لنذكر عمالقة هذا الفن من الرواد أو جيل الوسط . غير أن كل هؤلاء و أولئك أكدوا بإبداعاتهم ما قال به د.عصفور منذ عقدين بأنه زمن الرواية . صحيح، ليست كل الروايات متميزة ، و لكنها استطاعت أن تستقطب شرائح عمرية و اجتماعية مختلفة إلى "فردوس "القراءة بشكل عام ، و هو ما تؤكده نسبة مبيعات الرواية ، و عدد الروائيين و الإبداعات الروائية الجديدة . و هو ما تثبته نتيجة جوائز «كتارا» للرواية العربية، في دورتها السابعة منذ أيام ، إذ تصدّرت مصر القائمة بفوز  الروائيين: أحمد القرملاوي عن روايته «ورثة آل الشيخ»، ، و أيمن رجب طاهر عن روايته «الهجانة» . كما فاز بالجائزة  فئة الروايات العربية غير المنشورة: محمد عبدالهادي عن روايته «البلاد قش ملتهب» .