رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توثيق تاريخ الرفض وأزماته ومؤامرات جماعة الإخوان الإرهابية فى «العالم السرى للحركات الاحتجاجية»

الإخوان الإرهابية
الإخوان الإرهابية

ناقش الكاتب الصحفى عبدالرءوف خليفة التغيرات التى طرأت على الحركات الاحتجاجية، فى كتابه «العالم السرى للحركات الاحتجاجية.. رؤية للواقع من عام ٢٠٠٥ حتى ٢٠١٣»، الذى صدر- مؤخرًا- عن دار «سما» للنشر والتوزيع. وقال «خليفة»، فى مقدمة كتابه: «شهدت الحركات الاحتجاجية واقعًا متناقضًا عاشت فى كنفه، وغاصت فى عالمه، واقعًا كاشفًا لجوانب مظلمة أضحت تسبح وسط تياره، وأخرى مضيئة غيرت ما لم يستطع غيرها تغييره، فذلك عالم ضج بالمفاجآت». وأوضح أن المجتمع ضج بالحركات الاحتجاجية، التى خرجت من رحم صلف نظام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، الذى تضخم وأصابته شيخوخة دائمة، فشهد عام ٢٠٠٥ بداية حقيقية لميلاد الاحتجاجات على نحو أحدث اضطرابات واسعة فى نسيج الحياة السياسية، أمام إرادة صلبة عقدت العزم على إجراء تغيير تاقت إليه، ورغبة جامحة فى وضع نهاية لنظام فقد الإبصار بالواقع.

يقع كتاب «العالم السرى للحركات الاحتجاجية» فى ٢١٥ صفحة، ويتكون من مقدمة و١٢ فصلًا، هى: «الحياة فى مجتمع مختطف» و«الطريق إلى تأصيل ثقافة الاحتجاج» و«الطريق إلى ميلاد الحركات الاحتجاجية» و«سياسات أدت لصناعة الاحتجاج» و«استقطاب أجيال القوالب الجامدة» و«إزاحة الأحزاب من مشهد التغيير» و«وسائل الإعلام تمهد طريق الثورة» و«شبكة التواصل الاجتماعى مشهد النهاية» و«كفاية.. شعلة النور على طريق إسقاط النظام» و«حركة ٦ أبريل مخطط إسقاط المجتمع» و«الإخوان المسلمون بداية ونهاية» و«حركة تمرد صناعة المجهول». وخلال السطور التالية، ترصد «الدستور» توثيق الكتاب لواقع الحركات الاحتجاجية فى مصر، خلال الفترة من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٣.

مهدت الطريق لمنابر الفوضى.. ولم تقدم للناس رؤية لبناء المستقبل

استغلت الحركات الاحتجاجية المناخ المجتمعى السيئ السائد وحالة الغضب الكامنة فى نفوس المواطنين تجاه نظام مبارك، وأخذت تعمل على تلك الوتيرة وتمهد الطريق وتشيد على ترابها منابر الفوضى الهدامة، فتدعو الناس إلى الثورة فى وقت لم تقدم لهم فيه رؤية لبناء المستقبل، وتدعوهم إلى الهدم ولا تطرح عليهم واقعًا مختلفًا ينشده الجميع، فانطوت دعوتها على التخريب وإغراق المجتمع فى عميق دوامة الصراعات بلا نهاية. من رحم الواقع المؤلم ولدت تلك الحركات، لتواجه النظام وتدفعه للصدام مع الغاضبين مستخدمًا أجهزته الأمنية، فزادت حدة الغضب، وتدفقت الأنشطة الاحتجاجية على نطاق ملحوظ تلمسه أصحاب البصيرة، وبدأت تشق نهر الطريق فى شرايين الحياة السياسية رفضًا للسياسات المتبعة، وتبرير واقع الإخفاق فى تلبية مطالب المجتمع الراغب فى إحداث تغيير حقيقى ينعكس بصورة مباشرة، فيشعر به المواطن ويقوده لمناخ مغاير، فيدلف لمعيشة أفضل فى رحابه، فتتحسن جودة الحياة، وتنفرج نوافذ المستقبل الموصدة، وتجف منابع الفساد الضاربة بجذورها فى عمق مؤسسات الدولة، ويختفى كثير من الظواهر التى أشاعت مشاعر الإحباط، وغرست قسوة الغضب وكراهية الوطن. وطفت الاحتجاجات فوق السطح على نحو مختلف، وأخذت صورًا وأشكالًا لم تكن سائدة من قبل.. اقترب الناس من مفهومها الذى وجد صدى فى نفوسهم، وجسد عام ٢٠٠٥ واقعًا حقيقيًا لأنشطتها، وتهيأ المناخ المجتمعى لتقبلها كشريك أساسى فى إحداث التغيير المنشود الذى أخفقت فيه أحزاب المعارضة، فوصلت الحركات الاحتجاجية إلى صدر المشهد العام، معلنة وجودها، وتدثرت بثياب الثورية، وتغلغلت فى قطاعات كثيرة داخل مؤسسات الدولة، واستقطبت شرائح مجتمعية متباينة تحاورها وتدفعها لاعتناق تلك الثقافة الرافضة لبقاء النظام السياسى.

صنعت مشاهد المظاهرات باحترافية

بحسب الكاتب الصحفى عبدالرءوف خليفة، فإن عوامل كثيرة تضافرت ونسجت فى مجملها خيوط البيئة المهيأة لبزوغ الحركات الاحتجاجية فى ظل النظام السياسى لمبارك، الذى على مدار سنوات طويلة كان يمارس القمع والتسلط، ويجمع جميع السلطات فى يده ويطيح عن قصد بدور يناط بمؤسسات الدولة حتى بات القرار يصنعه وحده دون مشاركة، فأوصد نوافذ الأمل أمام المصريين فى تحسين نوعية الحياة أو بناء دعائم دولة ديمقراطية.

وقال الكاتب: «شيوع الحركات الاحتجاجية وتدفقها واتساع نطاقها جسد صعوبة فى تحقيق الاستقرار لنظام مبارك على نحو ينشده، وتهيئة الرأى العام للقبول بمتغيرات سياسية صعبة تكفل تمريرًا حقيقيًا لعملية التوريث، فذلك يحتم ضرورة تمديد حالة الطوارئ، وهناك بعض الحركات الاحتجاجية وقفت على جسر الحقيقة، وقرأت المشهد جيدًا، وقادت حركة احتجاج واسعة، ودقت ناقوس الخطر، حتى تحرك الأصوات الصامتة وتدفعها للمشاركة فى الاحتجاج والتعبير عن رفضها مخطط التوريث». وبحسب الكتاب، حثت حركات متعددة المواطنين على الثورة وإسقاط النظام وإسدال الستار على سنوات القهر وكبت الحريات، وإيقاف عملية اختطاف المجتمع والتصدى لإدخاله فى غيابات الجب ووأد الرغبة فى بناء تجربة ديمقراطية حقيقية. ويؤكد «خليفة» أن الحركات الاحتجاجية صنعت المشهد بعناية فائقة، نسجت خيوطه بكل دقة، ليصبح ملائمًا كما تصوره من خطط له، مستطردًا: «صاحَب الدولة فشل حكومى فى إيجاد حلول جادة تصحح المسار لطبقة العاملين فى الجهاز الوظيفى أو تجفف منابع الفساد المتدفقة، طوى الإهمال وعدم رغبة النظام فى بناء إصلاح حقيقى مشاعر الرغبة فى تعظيم قيمة العمل وضرب الانهيار سريعًا فى أعماق مؤسسات الدولة».

وتابع: «فقد المواطن الأمل فى حصوله على خدمات جيدة تلبى طموحه، وتسهم فى تخفيف حدة الأعباء الملقاة على عاتقه، ترك نظام مبارك الجميع دون مظلة حماية قوية تصون مجتمع العاملين فى الدولة، تركهم لمصير مجهول يأخذهم إلى عمق نفق مظلم، بلا رحمة أو هوادة». ويضيف: «انفلت زمام الأمور من نظام مبارك وتضافرت عوامل كثيرة أدت به إلى كتابة مشهد نهايته، فقد ظن رجاله أنهم ملكوا الحياة وما عليها، وأن إسقاطه ضرب من الخيال، غاب عن خاطرهم أن ممارساتهم أسهمت فى صناعة اللبنة الأولى، حتى يقع الانفجار».

الكيانات الثورية المفجرة لأحداث يناير تشرذمت

يقول مؤلف الكتاب: «أخذت الحركات الاحتجاجية تنخر كالسوس فى بنيان نظام مبارك.. تنخر وحدها وأحزاب المعارضة ومعها جماعة الإخوان المسلمين، جلسوا فى مقاعد المتفرجين وقد خارت قواهم واستسلموا تمامًا لحصار الحزب الوطنى».

ويتابع: «هدفان حققتهما الحركات الاحتجاجية، الأول قبل أحداث ٢٥ يناير، والثانى بعدها، ما قبلها نزعت الستار عن أحزاب المعارضة، وجعلت الرأى العام على يقين بأنها الوجه الآخر لنظام مبارك وتشاركه فى استمرار المعاناة التى يكابدها الشعب، وبعدها، بعجزها عن ملء الفراغ السياسى وفقدانها القدرة على الوثوب فوق مائدة مفاوضات التغيير، وتركت جماعة الإخوان تقبض على زمام الأمور، وتضع يدها على قمة السلطة، وتوجه دفة صناعة القرار فى اتجاهات تحقق مصالحها وحدها».

«وقفت الأحزاب وجماعة الإخوان فى مواجهة مع الحركات الاحتجاجية التى أشعلت وقادت مسيرة إسقاط النظام، لإزاحتها عن المشاركة فى صناعة القرار واتخاذ موقعها الذى تستحقه، حاولت كثيرًا واستغلت- فى سبيل ذلك- تشرذم القوى السياسية وتعددها وعدم اتفاقها على رؤية سياسية واضحة المعالم، كان الشىء الوحيد الذى يدفع هؤلاء إلى وضعهم فى الاعتبار قدرتهم على حشد الجماهير فى الميادين على امتداد الوطن».

كل المخططات التى حاولت الأحزاب تنفيذها لإزاحة مؤسسى الحركات عن صدر المشهد باءت بالفشل، فحاولت إدخالهم تحت مظلتهم، حاولت بشتى الطرق ولم تتمكن، فلدى هؤلاء يقين بأن التغيير يموت إذا ما سيطرت الأحزاب على زمام الأمور فيها، واعتبروهم الوجه الآخر لنظام مبارك.

تناحرت الأحزاب والحركات الاحتجاجية للإمساك بزمام السلطة، حتى احتوت جماعة الإخوان المسلمين عاصفة التغيير، وأزاحت من أمامها الأحزاب والحركات بضربة واحدة، وقبضت على السلطة فى يدها منفردة.

ويؤكد مؤلف الكتاب أن الحركات الثورية المفجرة لأحداث يناير تشرذمت، ولم يساعدها الواقع الملىء بالصراعات السياسية، كى تسيطر على مقاليد الأمور ولملمة شتاتها والوقوف صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، حال الصراع السياسى المتفجر فى ميدان التحرير بين الجميع تقلد الأحزاب أو الحركات مقعدًا ملائمًا فى صدارة الحدث.

كان هناك شبه اتفاق بين قيادات الحركات الاحتجاجية على رفض جميع العروض المقدمة إليها للانضواء تحت مظلة الأحزاب، اتفاق صنعه واقع المعارضة بتاريخها الطويل فى التعامل مع نظام مبارك، الإغراءات لم تأتِ بنتيجة تغير مجرى الطريق الذى مضى على دربه هؤلاء، كانوا على يقين أن الدخول فى عباءة الأحزاب يقودهم إلى إعلان وفاة الثورة بوجهة نظرهم وتسليم السلطة مرة أخرى إلى نظام مبارك.

الإصرار تركز على إقامة دولة جديدة تبعد تمامًا عن جميع الرؤى السياسية السائدة بين القوى الحزبية، ولأجل ذلك باءت محاولات الاندماج بين الحركات والأحزاب بالفشل.