رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشخصية المصرية

منذ فترة بعيدة، ومع بداية القرن العشرين ونحن نتداول حكاية السؤال الشهير "إحنا مين".. "من نحن" وكأننا بتنا شعبًا يبحث عن هوية!
وببساطة، وللاقتراب من عقل الجماهير، ذهبنا للتحدث عن الجذور المختلفة للشخصية المصرية، معلوم أن موقع مصر علي ملتقى ثلاث قارات من العالم القديم جعلها دائمًا موضع عرضة للطمع للاختراق، ففي العصر الفرعوني جاء الهكسوس الرعاة والحيثيون والقبائل. كذلك الفرس في عهد قمبيز بن قورش استعمروا مصر، وبعد ذلك الغزوات المتتالية التي جاءت ابتداء من اليونان ثم الرومان ثم العرب، وما تلي الدخول العربي من دول مختلفة مثل الأيوبيين والفاطميين ثم المماليك والعثمانيين ثم الاحتلال الفرنسي ثم الإنجليزي.. هذه السلسلة الطويلة جعلت أصول الشخصية المصرية محل تساؤل، والسؤال الذي يواجه المثقفين الآن هو: أي هذه الجذور كان له البقاء والاستقرار؟ أيهما الذي انتصر؟ في فترة من الفترات كان الاتجاه للفرعونية وفي فترة أخرى كان الاتجاه للمتوسطية، وفي فترة ثالثة سارت دعوة القومية العربية، وهذه المسالة أثارت ولاتزال تثير أسئلة كثيرة، ثم جاءت الفترة القاسمة لهذه الفكرة أو الدعوة من الضربة حرب الخليج الثانية بعد أن انقسم العرب إلى معسكرين، واعتبر البعض أن ما حدث إجهاز علي الفكرة العربية، ونحن في حاجة إلى أن نعرف، حول ملامح الشخصية المصرية ، يذكر د. سيد عويس العالم والمفكر الرائد في مجال علم الاجتماع أنه من الناحية العلمية، لا أعترف بوجود شخصية مصرية إنما بوجود ثقافة مصرية كل مجتمع له ثقافته، الفلاح الأمي له ثقافته، لأن الثقافة هي أساليب الحياة، عاداتنا وتقاليدنا، هذه هي الثقافة بمعناها الشامل.
وعليه، لايزال هناك الكثير الذي ينبغي التوقف عنده حول تركيبة الشخصية المصرية تاريخيًا واجتماعيًا ونفسيًا وثقافيًا، وغير ذلك من عوامل وأحداث ومتغيرات تم التفاعل معها سلبًا أو إيجابًا عايشتها تلك الشخصية، وبالمناسبة فقد أيقن أهمية التعامل مع كل علامات الاستفهام حول سمات الشخصية المصرية الكاتب الصحفي والباحث الوطني أحمد ناجي قمحة رئيس تحرير المجلة السياسية الأهرامية الرائعة "الديمقراطية"، فقام في العدد الأخير من مجلته بتخصيص ملف هام حول الموضوع شارك في تحريره نخبة رائعة من أهل الفكر والبحث والرأي والعلم في تخصصات شملت كل جوانب البحث، وأرى أن توقيت واختيار موضوع الملف غاية في التوفيق، ونحن على عتبات بناء الجمهورية الجديدة.
حول "بناء الشخصية المصرية والمفهوم الشامل لحقوق الإنسان" كان المقال الافتتاحي الهام لرئيس التحرير "ناجي قمحة"، كتب "منذ أواخر القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، شهدت العديد من التدخلات التي استوقفت العديد من الباحثين في نظم الحكم، حيث ارتكزت هذه التدخلات من قبل القوة العظمى والقوى الكبرى في شئون الدول النامية في العديد من مناطق العالم على تحقيق مصالحها، وذلك في ظل الصراع على النفوذ وتأمين الموارد لتلك القوى، لعل هذه التدخلات قد خلقت إشكالية هي الأجدر بالبحث والتأصيل من قبل خبراء وأساتذة نظم الحكم في في الدول العربية والإفريقية والآسيوية، تتعلق بطبيعة الخصوصية الثقافية والهوياتية التي تشكل الوسم الحضاري لمجتمعاتها، التي قد لا تتوافق بالضرورة مع المعايير الكاملة للديمقراطية الليبرالية الغربية، وما يرتبطبها من نمذجة قولية لسلاحها الرئيسي في التدخل في شئون الدول الأخرى، المتمثل في معايير وفهم موجه وقسري لحقوق الإنسان، تلك التي تصر الدول الكبرى على حصرها في الحقوق السياسية والقانونية، وذلك دون أن تضع في اعتباراتها الخصوصيات الوسمية لهذه المجتمعات، ولا طبيعة نظم الحكم بها، ولا درجات نموها التعليمي والعلمي والثقافي ولا موروثاتها الاجتماعية ومكوناتها النفسية التي تراعي أولوياتها الوطنية بما تشتمل عليه من: الخصوصية الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والسياسية، المعبرة عن معتقدات مجتمعاتها وهوياتها الحضارية بما يقودها في النهاية لتحقيق مصلحتها القومية المتمثلة في بلوغ أعلى معدلات التنمية البشرية المستدامة العادلة وحفظ وصون أمنها القومي.
وتحت عنوان "الشخصية المصرية.. تبديد حتميات ثنائية الدين والسلطة" ذكر الكاتب والباحث المهني الرائع "عاطف السعداوي" مدير تحرير "الديمقراطية" في بحثه: "إن الاعتراف بوجود مكونات ومحددات وروافد للشخصية المصرية سواء كانت جغرافية أو بيئية أو تاريخية أو دينية أو اجتماعية أو ثقافية لا يعني أنها تفرض نمطًا معينًا للشخصية المصرية أو سمات معينة للشعب المصري أو إصدار أحكام تتخذ صفة الاستقرار فيما يتعلق بتاريخ مصر الاجتماعي كالحكم على الشخصية المصرية بالسلبية والميل للخضوع والاستسلام، فالتاريخ المصري طوال حقبه المختلفة مليء بالأمثلة التي تفند مثل هذه الإدعاءات، كالثورات، والانتفاضات والهبات الشعبية لم تنقطع خلال أي حقبة من حقب التاريخ المصري.
وبورقة بحثية عنوانها "الشخصية القومية المصرية في أتون الحداثة الطرفية" يحدثنا أ د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع أن هناك دراسات عديدة أشارت إلى سمة التدين كواحدة من أهم السمات التي يتسم بها الإنسان المصري، وغالبًا ما تؤكد هذه الدراسات على اختلاط صور التدين بأشكال من التدين الشعبي الذي يركز على عدد من المعتقدات الشعبية، مثل الاعتقاد في الأولياء، أو تبني تصورات عن العالم لها طابع أسطوري وشعبي، ولقد أثر هذا التصور عن دور الدين في حياة المصريين إلى أن ينظر إلى التدين على أنه ركن أساسي في الحياة اليومية بالنسبة للإنسان المصري، وأنه يدفعهم إلى القدرية والاستسلام والرضا بالمكتوب.
وبورقة عنوانها "الروابط الاجتماعية في الشخصية المصرية" تذكر الكاتبة "جاكلين جرجس" أن التدين الشكلي داعم أساسي لتلك المظاهر والقيم السلبية حيث الازدواجية بين التمسك المفرط بالعبادات دون أن ينعكس ذلك على المعاملات، ويبدو أن السمة الأهم في هذا السياق هي نزعة التشدد الديني وانتشار مظاهره في الشارع المصري على نحو لم يألفه المصريون من قبل؛ مما أفضى إلى توترات عديدة شهدها المجتمع.. وللمقال تتمة في عدد قادم.