رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدام جديد بين الولايات المتحدة والصين فى تايوان.. الأهداف وفرص الحرب

 الولايات المتحدة
الولايات المتحدة والصين

بعد انفصالها عن الصين منذ أكثر من 70 عاماً، أصبحت تايوان الآن في قلب الخلاف العميق بين الصين والولايات المتحدة، مصير الجزيرة ذات الحكم الذاتي لديه القدرة على إعادة تشكيل النظام الإقليمي، وحتى إشعال حريق عسكري بين قوتين عظميين، بقصد أو بغير قصد.

قبل 11 يوماً، ازداد التوتر بين الصين وتايوان، وبدا أن ميزان القوى حول تايوان قد يتغير، والمأزق الذي دام عقودًا بشأن مستقبلها قد يدخل مرحلة جديدة خطيرة قريباً، بعد التوغل الصيني بالطائرات بالقرب من سواحل تايوان، وما نتج عنه من تدخل أمريكي.

«استراتيجية المضايقة».. هجمات غير مسبوقة واتصالات كثيفة

بدأت قصة التصعيد يوم 1 أكتوبر الماضي، عندما أرسل الجيش الصيني 38 طائرة حربية، قامت بالتحليق قبالة الطرف الجنوبي من تايوان، على مدى الأيام الأربعة التالية نشر الجيش الصيني نحو 150 طائرة- 56 طائرة منها في يوم واحد- في منطقة تحديد الدفاع الجوي، أو ADIZ، وهي منطقة تمتد إلى ما وراء المجال الجوي لتايوان، والتي لا يزال يتعين على الطائرات تعريف نفسها فيها، فيما وصف وزير الدفاع التايواني "تشيو كو تشينج" الحادث بأنه "الأكثر خطورة" منذ 40 عامًا.

حسب الإحصائيات، أرسلت الصين أكثر من 600 عملية توغل في منطقة ADIZ التايوانية حتى الآن في عام 2021، مسجلة ارتفاعًا من إجمالي 380 عملية توغل في عام 2020.

التحركات الصينية تمت بعنف وقوة ولكن دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو ما وصفته تايوان بـ"استراتيجية المضايقة".

من جانبها، علقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قائلة: «ما زلنا نشعر بالقلق إزاء النشاط العسكري الاستفزازي لجمهورية الصين الشعبية بالقرب من تايوان، والذي يزعزع الاستقرار ويخاطر بحسابات خاطئة ويقوض السلام والاستقرار الإقليميين»، مؤكدة أن التزام الولايات المتحدة تجاه تايوان "صلب للغاية"، ثم تحدث الرئيس "بايدن" مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بشأن تايوان واتفقا على الالتزام بـ"اتفاقية تايوان".

من جانبه، قال رئيس الوزراء التايواني سو تسين جتشانج: "يجب أن تكون تايوان في حالة تأهب.. الصين تتفوق أكثر فأكثر"، مضيفا أن الجزيرة يجب أن "تقوي نفسها" ضد التهديد الخارجي"، محذرا أن الصين يمكن أن يكون لها القدرة العسكرية لحصار مضيق تايوان في وقت مبكر من عام 2025.

بينما علقت الصين على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هواتشو نينغ، قائلة: "تايوان تنتمي إلى الصين والولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من الإدلاء بتصريحات غير مسئولة".

ما هي أهداف الصين من التوغل؟

لدى الصين عدة دوافع وأهداف من تحركها يمكن رصدها على النحو التالي:

أولاً- سياسات داخلية صينية: فيوم التوغل الأول (1 أكتوبر) يوافق العيد الوطني الصيني، وغالبًا ما يكون يومًا للحكومة الصينية للتأكيد على مؤهلاتها القومية، وعرض الأمل في المستقبل على إعادة توحيد الصين وتايوان.

ثانياً- التأثير على الجمهور التايواني: تريد الصين إضعاف معنويات الجمهور التايواني، لكي يقبل بضم تايوان للصين (في حال نفذت الصين هجوماً)، استناداً إلى واقعة عام 1996، عندما أطلقت الصين صاروخين عبر مضيق تايوان، وقت انتخابات تايوان، للتأثير على المرشح الأقل تأييدًا للصين، ونجحت اللعبة.

ثالثاً- مواجهة التحركات الدولية: إذ تجري الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأربع دول أخرى تدريبات عسكرية في بحر الفلبين الشرقي، فيمكن قراءة التحرك الصيني بأنه رد على هذه التحركات.

رابعاً- نوع من استعراض القوة للصين مقابل تلاشي الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة في آسيا تدريجياً.

خامساً- الزعيم الصيني، شي جين بينج، يحاول أن يمهد الطريق للحكم لولاية ثالثة تبدأ في عام 2022، وهو ما قد يدفعه لغزو تايوان لكسب تأييد الجمهور الصيني المؤيد للضم فعلاً، وكان بالفعل الرئيس الصيني قد تعهد سابقاً بـ"التجديد العظيم للأمة الصينية"، بما في ذلك إخضاع تايوان للسيطرة الصينية.

سادساً- بعد يومين من سقوط كابول في أغسطس، بينما سارعت إدارة بايدن لإجلاء الآلاف من أفغانستان، أجرت الصين تدريبات عسكرية صُممت لإظهار قوتها، وأطلقت السفن الحربية الصينية صواريخ في البحر جنوب تايوان، وكانت واحدة من أكبر التدريبات على الإطلاق لمحاكاة غزو مضيق تايوان، وهو ما يمكن تفسيره بأن كلما كان انسحاب أمريكي من مكان، ازداد التوغل الصيني في مكان مجاور له.

سابعاً- إزعاج تايوان له بعد تاريخي بالنسبة للصين، التي لا تزال تتذكر "قرن الإذلال" [الفترة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين التي فقدت خلالها الصين السيطرة على أجزاء من أراضيها للأجانب] وأي تحرك بهذا الصدد يكون هدفه تصحيح بأثر رجعي لتلك الأخطاء.

كيف تتعامل الولايات المتحدة مع التوتر؟

قال إيفان ميديروس، الذي خدم في مجلس الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: "لقد توقفت قضية تايوان عن أن تكون نوعًا من القضايا الضيقة، وأصبحت مسرحًا مركزيًا في المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين"، وهو التصريح الذي يصف بدقة كيف تنظر واشنطن إلى تايوان.

أما حول استعداد أمريكا للدفاع عن تايوان، قال القائد السابق للأسطول السابع الأمريكي: "لقد فكرت في الأمر كثيرًا، ولا أعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لرؤية الشباب الأمريكيين يعودون في أكياس الجثث للدفاع عن تايوان".

من وراء الكواليس، يشعر المسئولون في إدارة بايدن بالقلق من التحركات الصينية، لكن في الوقت نفسه يتخذون طريق التهدئة ومنع تصعيد عسكري، وهو ما تفهمه الإدارة في بكين، وربما يكون ضمن أسباب تفسر الجرأة الصينية قبالة تايوان.

من ناحية واشنطن، فإن الحدث بالنسبة لكثير من الدول في المنطقة (اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين) اختبار أساسي لالتزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها في آسيا في مواجهة الصين، وهو ما قد يدفعها لتحرك أكبر من التصريحات بضرورة التهدئة.

هل هناك فرصة للحرب؟

سعى الأطراف الثلاثة حتى الآن رغبة في تجنب الحرب، فقلة هم الذين يعتقدون أن الحرب باتت وشيكة أو مخططة مسبقًا، وأرجع المراقبون ذلك إلى التداعيات الاقتصادية والدبلوماسية على جميع الأطراف، وحتى الآن وصفت التحركات الصينية بأنها تهدف فقط إلى الضغط السياسي، وليست مقدمة للحرب، ولكن في الوقت نفسه هناك من يعتقد أن الخيار العسكري بات ضرورياً، وأن المسألة برمتها هي اختبار جديد للقوة العظمى في العالم.