رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سرايا «العمدة العطافي».. تحفة معمارية مهددة بالانهيار في بيلا بكفر الشيخ (صور)

سرايا العمدة العطافي
سرايا العمدة العطافي

تُواجه سرايا «العمدة العطافي» التاريخية الواقعة في مدينة بيلا بكفر الشيخ، خطر الانهيار في أي لحظة بعد ظهور تصدعات وشروخ في أغلب جدرانها مُنذ عدة سنوات، وما زالت تنتظر المُوافقة على إقامة مشروع ترميم مُتكامل، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة من قبل وزارة الثقافة، التي تتبعها السرايا، حتى يتم البدء في أعمال الترميم، لإنقاذ هذا الصرح الكبير من الانهيار والحفاظ على قيمته التاريخية.

وقال أحمد حسن العطافي، أحد ورثة السرايا، لـ«الدستور»، إن سرايا «العمدة العطافي» ظهرت بها تصدعات وشروخ طولية وعرضية في بعض الجدران ما يهدد بسقوطها في أي لحظة، خاصة بعد ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي سببت الشروخ والانهيارات الموجودة في واجهة السرايا.

أكد المنشاوي، أن سرايا العمدة العطافي مهددة بالانهيار في أي لحظة وغير آمنة على الإطلاق، وتُعانى من العديد من المشاكل الإنشائية، لذلك تحتاج إلى تدخل سريع لإنقاذها من هذه الكارثة: «يجب على وزارة الثقافة التي تُعد السرايا تحت مسؤوليتها في الأساس بالاهتمام العاجل السريع، وإعادة ترميم السرايا من جديد في أقرب وقت مُمكن».

أثري يطالب بسرعة إدراجها في ميزانية الدولة

من جانبه، أوضح الأثري الدكتور إبراهيم ماضي أن سرايا «العُمدة العطافي» بمدينة بيلا تعانى من الإهمال الشديد الذى تعرضت له رغم أهميتها التاريخية لكونها شهدت حقبة زمنية من تاريخ مصر السياسي، إذ زارها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة في 1954، وشهدت اجتماعات الضباط الأحرار.

وطالب ماضي بسرعة إدارج السرايا في ميزانية الدولة، والبدء في أعمال ترميم وتطوير سرايا «العُمدة العطافي» في أقرب وقت مُمكن، حفاظاً على قيمتها التاريخية.

منذُ 1917 وحتى الآن

ويرجع تاريخ إنشاء سرايا «العُمدة العطافي» إلى 1917، حيث شيدها مُهندس يهودي من أصل أوروبي، على الطراز الإيطالي الكلاسيكي، وعُرف مُحيط السرايا لاحقاً بـ«حى العطافي»، نسبةً إلى مالك السرايا وهو «العُمدة العطافي المنشاوي» الذى يُعد أحد الشخصيات المُؤثرة التي تولت مقاليد الحُكم المحلى في مركز ومدينة بيلا أوائل القرن العشرين.

السرايا التي مرّ على تاريخ إنشائها 104 أعوام، تقع على مساحة 1150 متر، وتتكون من بدروم، وطابقين علويين، كل طابق يحتوى على 8 غُرف، ودورتي مياه، وصالة استقبال كبيرة، ويُحيط بالسرايا سور، وحديقة صغيرة، وعن طريق السُلم الخشبي الداخلي يُمكن الوصول للطوابق العليا من السرايا، أما البدروم فكان به المطابخ والجراجات وحُجرات الخدم، وهى ضمن المباني التاريخية والخاضعة لقانون رقم 144 لعام 2006، وقد صدر كشف حصر لها من قبل مجلس الوزراء لعام 2009 على أن تكون تحت إشراف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري والذى يتبع وزارة الثقافة، كونها تُعد تُحفة معمارية فريدة من نوعها ذات طراز معماري مُتميز.

زارها الرئيس عبد الناصر 

كانت سرايا «العمدة العطافي» على موعد مع الشهرة حينما زارها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 1954، بصُحبة أعضاء مجلس قيادة الثورة، لافتتاح مقر الاتحاد الاشتراكي في وسط مدينة بيلا، وبدأ «ناصر» الزيارة بالتوجه إلى السرايا مع صديقه البكباشي أركان حرب محمد علي المنشاوي، أحد الضباط الأحرار، وابن شقيق «العُمدة العطافي»، وصاحبه خلال الزيارة الرئيس الراحل أنور السادات، والمشير عبد الحكيم عامر، وعزيز صدقي، رئيس وزراء مصر الأسبق، وآخرين من الشخصيات العامة والسياسية.

كان في استقبال «ناصر» وأصدقائه الآلاف من أهالي مدينة بيلا ومحافظة كفر الشيخ، الذين خرجوا من كل حدب وصوب لاستقبال موكب الرئيس من أول المدينة، وحتى سرايا «العُمدة العطافي»، فضلاً عن كبار الشخصيات العامة في ذلك الوقت، وأعضاء مجلس الأمة، وتناول الزعيم خلال الزيارة وجبة الغداء في سرايا «العُمدة العطافي»، وجلس على مأدبة الطعام التي شملت أطياف عديدة من أبناء الشعب المصري، وأبدى «ناصر» إعجابه الشديد بالسرايا.

وغطت الإذاعة المصرية الزيارة التاريخية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأعضاء مجلس قيادة الثورة، إلى سرايا «العُمدة العطافي» بيلا، بحضور الإذاعي الكبير الراحل جلال معوض، والإذاعية الكبيرة الراحلة آمال فهمى، والتي أفردت لها حلقة خاصة في برنامج «على الناصية» الشهير وقتها.

كان يسكنها البكباشي وقادة عسكريين

وعلى غرار هذه الزيارة، طلب البكباشى محمد على المنشاوي، من وزير الداخلية وقتها البكباشى أركان حرب زكريا محيى الدين، إلغاء العُمدية في بيلا وتحويلها إلى مجلس مدينة يتبعها قريتي «الحامول وبلطيم» وتوابعهم، تابعين لمحافظة كفر الشيخ المحافظة الجديدة التي انفصلت عن الغربية، ولأول مرة وكان له الفضل حيث كانت بيلا قرية وعُمدية تابعة لمركز طلخا التي كانت وقتها تابعة لمحافظة الغربية، قبل أن تتبع محافظة الدقهلية في الوقت الحالي، وصدر القرار وتحولت إلى مجلس مدينة بيلا تضم قرى وتوابع حتى بحر بلطيم.

ولعلّ المُشير عبد الحكيم عامر، القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية في ذلك الوقت، كان أبر المُترددين على سرايا «العُمدة العطافي» الخميس من كل أسبوع، فكان يصل من القاهرة مع حلول العصر، ليأخذ قسطاً من الراحة في إحدى غرف السرايا التي خُصصت له، ثم يستيقظ قبيل آذان المغرب، ويتناول وجبة الغداء، مع صديقه البكباشى أركان حرب محمد على المنشاوي، ثم يجلسان يتسامرن ويلعبان «الدومينو» حتى صباح يوم الجمعة، ومن ثم يُلملم «عامر» أغراضه الشخصية، ويستعد للسفر إلى القاهرة، دون أن يشعر به أحد.

كما زار السرايا القائد العسكري المصري الراحل الفريق أول فؤاد الدجوى، الحاكم العسكري العام لقطاع غزة الأسبق، والذى سبق أسرِه في إسرائيل، وتولى فيما بعد رئيس محكمة الثورة، وكان القاضي الذى حكم على سيد قطب بالإعدام 1965.

مر على إنشائها أكثر من 104 أعوام

ونجل «العُمدة العطافي» هو الوزير الراحل المهندس السيد المنشاوي، المُلقب بـ«أبو التعاونيات في مصر» ، وهو منصب يُساوى منصب وزير الصناعة والتجارة في الوقت الحالي، وكان الوزير مُتزوجاً من ابنة الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر الشريف، في ذلك الوقت، وقد زار كل دول أوروبا وأمريكا ومُعظم باقي دول العالم مُمثلاً للدولة المصرية، وقد عمل أستاذاً غير مُتفرغ للدراسات العُليا بجامعتي عين شمس والإسكندرية بجانب منصبه الرسمي.

والبكباشى أركان حرب محمد على المنشاوي، نجل شقيق «العُمدة العطافي» لم يكُن ضابط جيش فقط ولكن أديب وروائي وله مُؤلفات أدبية وروايات عديدة منها رواية «موعد مع القدر»، ورواية «حتى أنساك» التي تحولت إلى فيلم سينمائي، وحصل على جائزة الدولة عنها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في ستينيات القرن الماضي، خلال احتفال عيد الفن وكان مُذاعاً على التليفزيون مُباشر وقتها وهو يتسلم الجائزة، وقد شُوهد «ناصر» على الهواء وهو ينزل من على المنصة مُستقبلاً صديقه البكباشى والأديب محمد المنشاوي بحفاوة وبالأحضان، ووقف معه لثواني، وهو يقول له «إنت مُش هتبطل كتابة يا محمد وهتفضل زى زمان»، حيث بعدها حكى البكباشى محمد المنشاوي تلك المُحادثة للعائلة في بيلا.

ومرّ على تاريخ إنشاء سرايا «العُمدة العطافي»، أكثر من 104 أعوام، وكانت تُعتبر تُحفة معمارية وفنية رائعة في تاريخ البناء والعمارة، إلى أن طالتها يد الإهمال مُنذ سنوات عديدة، وأصبحت في طي النسيان، وباتت مُهددة بالانهيار في أي وقت.