رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. يسرى خميس.. المسرحية والزعيم

فى ١٥ أكتوبر ٢٠١١ غادرنا د. يسرى خميس فى هدوء، كما عاش وكما أبدع وكما أحبه الناس وأحبهم، فى ذكرى رحيله العاشرة أستعيد ملامح وجهه المشبع بحب الناس ومعالم إبداعه المتنوع شاعرًا وكاتبًا مسرحيًا ومترجمًا فذًا عن الألمانية، ومخترع «بوجى وطمطم» فى مسلسل العرائس المحبوب من الأطفال.

وأغنى د. يسرى الحركة الشعرية بخمسة دواوين معروفة، كما كان مبادرًا إلى ترجمة كل جديد، فقدم إلينا من أعمال «بيتر فايس» مسرحيتين «مارا صاد وأنشودة أنجولا»، وكتاب إرفين بيسكاتور «المسرح السياسى»، وفى أواخر عام ٢٠٠٨ قدم من تأليفه مسرحية «فضيحة أبوغريب» التى عرّى بها فظائع ما جرى فى العراق واعتمد فيها على مواد وثائقية، منها التقرير الرسمى الذى رفعه المحقق الجنرال «أنطونيو تاجوبا» بشأن تقصى الحقائق فى المعتقل.

وللدكتور يسرى حكاية طريفة مع المسرح والسياسة، ففى مطلع الثمانينيات كان د. يسرى قد انتهى من ترجمة مسرحية الكاتب العالمى برتولد بريخت المسماة «الشبكة» وتدور أحداثها فى مدينة افتراضية أسسها لصوص شعارهم «كل شىء مباح لنا لأن قلة النقود هى الجريمة الكبرى»! وبينما كان المسرح القومى يقوم بتدريبات عرض مسرحية بريخت ألقى الرئيس السادات خطابًا شتم فيه بالمصادفة الرئيس الألمانى فالتر «أولبريشت»، لكنه حين شتمه خلط بين اسم الرئيس واسم الكاتب المسرحى فقال «بريخت» وكان يقصد الرئيس الألمانى «أولبريشت»! إلا أن المسرح القومى سارع بوقف التدريبات على المسرحية التى غضب السادات على مؤلفها! وتأجل عرض المسرحية نحو ربع قرن، دون أن يجرؤ أحد على تقديمها إلا فى مارس ٢٠٠٧ حين أيقن الجميع بزوال الخطر والغضب وتلاشيه تمامًا، وظلت الحكاية موضع تندر بين المثقفين لزمن طويل، وأثارت مع الضحكات والأسى مساعى الرؤساء للجمع بين سطوة الحاكم ووجاهة الفنان.

فى هذا المضمار كتب معمر القذافى رواية «القرية القرية» التى قدمها د. سمير سرحان، رحمه الله، فى احتفالية كبرى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عام ١٩٩٧، وشارك عدد من كبار نقادنا فى الحديث عن «جماليات النص القصصى لدى القذافى».

وقد سبق ليونيد بريجنيف الرئيس السوفيتى القذافى بثلاثة أعمال أدبية هى «الأرض الصغرى، البعث، الأرض البكر» وحصل عنها على أرفع الجوائز الأدبية عام ١٩٧٩، فى الوقت الذى كان فيه الأديب سولجينتسين مطاردًا ملاحقًا.

هتلر سبق الجميع بكتابه «كفاحى»، أما الرئيس الفرنسى الأسبق فاليرى جيسكاردستان فكان، حسبما نشرت الفيجارو الفرنسية، يفكر فى كتابة رواية عن قصة حبه لامرأة مجهولة، لكنه من لطف الله بالقراء لم يكتب الرواية.

الرئيس الأمريكى جيمى كارتر طبع رواية من تأليفه بعنوان «عش الدبابير»، فى ذكرى رحيله العاشرة أستعيد صورة د. يسرى خميس، ما قدمه وما أثاره من قضايا، وأتذكر إلى جانب ذلك كله تلك السماحة الإنسانية الجميلة التى كان يطل بها على الجميع، وأقول لنفسى قلة من البشر تمر مثل نسمة خفيفة تلاطف الروح ثم لا تشعر بها وهى تصعد إلى أعلى بهدوء، لكنك لا تنساها أبدًا.