رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصطلح "العالم الثالث".. أهو مسمى تنمَر أممي أم تصنيف سياسي؟


لا يزال هذا المصطلح مجهول النسب، ويجهل الكثيرون معناه بالرغم من شيوع استخدامه على ألسنة العامة، ولكنه يستخدم من قبيل جلد الذات، ولكن دعونا في البداية نتعرف على المصطلح نفسه، وهو مصطلح استُخدم لأول مرة سنة 1952 في مقال كتبه  الاقتصادي الفرنسي "ألفريد سوفيه" وقصد منه الدول التي خضعت للاستعمار الأوروبي والتي حققت استقلالها مؤخرا، أما في سياق الحديث عن القدرات الاقتصادية والاجتماعية للدول، فقد استبدل المسمى بمصطلح "الدول النامية"، وهي دول يميزها تدني مستوى المعيشة وفقر الخدمات واستفحال الفقر والجهل والمرض، أما دول العالم الأول فهي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وحلفائهم، بينما تتضمن دول العالم الثاني الكتلة الشيوعية روسيا والصين وكوبا.

أين موقع مصر على خريطة التصنيف العالمي؟
جاء تعبير "الدول النامية" منقذا لكرامة الدول التي منيت بهذا الاسم كونه تعبيرا لا ينطوي على إساءة، بل يدل على نية هذه الدول السعي نحو التطوير والتخلص من معوقات التنمية، ولكن من ناحية أخرى تخفت بعض الدول الغارقة في الجهل تحت هذا المسمى لتحظى بحصة جيدة في العلاقات التي تعتمد على الائتمان في العلاقات الدولية خاصة مع قروض البنك الدولي مما حدى بصندوق النقد الدولي إلى تحري المصداقية هذه الدول نحو التنمية قبل الموافقة على مد يد الدعم والمساندة في المشروعات المحلية.
في العقود الثلاثة الأخيرة تغيرت بعض نقاط القياس لتحديد تبعية أي دولة للعالم الأول أو الثاني أول الثالث، فبجانب المعيار الاقتصادي والمجتمعي استحدثت أبعادا أخرى لتقرير استحقاق الدولة للتصنيف الصحيح مثل الانضباط الحقوقي من قبل الحكومات تجاه الشعوب، وكذلك ضمان سلامة الميزان الاجتماعي في مجالات الأمن والقضاء والصحة والتعليم ونزاهة الانتخابات المحلية.
قطعت مصر شوطا كبيرا في مجال التنمية والتشريعات القانونية وتعديل بعض القوانين التي كانت تؤثر سلبا على التقييم مثل قوانين الأسرة والمعاشات والضرائب والرعاية الصحية والقضاء على العشوائيات ودرء الخطر الكامن على السلم المجتمعي من هذه البؤر التي لم تكن تخضع من قبل الرقابة ولا الإحصاء ولم يكن من السهل ضم مفرداتها إلى قواعد البيانات الاجتماعية.

هل تؤثر إضافة الرفاهية والرخاء المجتمعي في الارتقاء بتصنيف الدول ضمن مؤشرات التخلف أو النمو؟ 
في الحقيقة لم تلق محاولات بعض الدول والحكومات مغازلة شعوبها بإنشاء وزارة للرفاهية أو وزارات السعادة أي نوع من الرضا، وكذلك لم تفلح محاولات الدعم المادي المقدمة من الحكومات للمواطنين في الارتقاء بالتقييم، بل نُظر اليها كونها نوعا من الرشى المجتمعية، وعوضا عن ذلك باتت المنظمات الحقوقية تركز على مفاهيم النزاهة في الانتخابات إلى حد التدخل بدس مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات وضمان النزاهة.

في العام 1969 ظهر مصطلح الاتفاقيات الدولية في وثيقة فيينا التي قدمت لعالم وسيلة للارتباط المشروط بين الدول فيما يعرف بالاتفاقية الدولية وهي التراضي الموثق بين دولتين أو أكثر تحدّد فيه التزامات كل طرف وحقوقه في موضوع الاتفاق، أو لفظ المعاهدة وهو يؤسس لنفس الإجراء، وهنا تلتزم الحكومات التي أبرمت الاتفاق بكافة البنود التي لا يفترض أبدا أن تتعارض مع التشريعات الدولية التي ترسخها الأمم المتحدة مثل الحدود الدولية وحدود المياه والسواحل الإقليمية سواء للسياحة أو التنقيب عن الثروات أو الاستخدام الملاحي، وكل هذا يصبع نافذا بعد التصديق الدولي على المعاهدة أو الاتفاقية، ويضمن التصديق إقرار الحكومات بأن بنود الاتفاق لا تتعارض مع القوانين الوضعية أو الدينية للدولة.

في سياق التداوي والتحصين بلقاح الكورونا، أثير مؤخرا بعض الجدل حول شرعية وأحقية الحكومة  في الزام المواطنين بالتحصين باللقاح  إجباريا، لذا يحسن في هذا السياق توضيح الحقائق التالية من المنظور السيادي للدولة:
• في الأحوال العادية تضمن القوانين ودساتير العلاج المحلية والعالمية إخبار كل متلقي لأي علاج بكافة دواعي التداوي بأي عقار وتوضيح الآثار والعلاجية والآثار غير المرغوبة والمضاعفات المحتملة، ويظل حق المريض قائما وفق إرادته لو مكتمل الأهلية أو إرادة الوصي عليه ويحق للمريض رفض جزء أو بعض أو كامل العلاج، ولكن في حالات الطوارئ التي يغيب فيها وعي المريض كامل الأهلية أو في حالات الطوارئ التي تنطوي على تهديد للحياة يحق لمقدم الخدمة التصرف بما يفي بإنقاذ حياة المريض من المهلكة وفق ضوابط المهنة.
في حالات الأوبئة مثل جائحة الكورونا، تحظى الحكومات بنفس الاستثناء الخارق الذي تمنحه المنظمات الدولية مثل الصحة العالمية للحكومات وتجيز بناء عليه إجراءات الحجر الصحي والعزل، بل وتتدخل السلطات المحلية والعالمية في كسر أو تقييد بعض حقوق البشر مثل حرية التنقل الدولي ، وفي الكوارث تصبح منظمة الصحة العالمية الجهة الوحيدة التي تقرر تسمية خريطة مناطق الكوارث في العالم فوق سيادة الدولة، وتحديد ما إذا كان المرض جائحة ومتى بدأت ومتى انتهت.
وأخيرا، يجب العلم بأن هناك بروتوكول استثنائي يجيز اطلاق العقاقير أو اللقاحات قبل إتمام البحث العلمي التقليدي وهو ملزم لمنتجي الدواء، ومتى تطلب الأمر الزام المواطنين والرعايا بالتطعيم، يسقط حق الاعتراض المواطن على تعاطي اللقاح.

خضوع الدولة لهذه الضوابط الأممية يرفع أسهمها ويمنحها منزلة التصنيف الأعلى في مجال التنمية، ومن ثم نيل فرصة أكبر في الحصول على المنح الدولية أو امتيازات القروض وسداد القروض، بل وإمكانية سقوط الديون كمنحة.
دكتور بهي الدين مرسي – طبيب ومفكر